

قراءة في ديـوان أطياف مائية للشاعر أحمد زنيبر
1- تقديم
يعتبر ديوان أطياف مائية باكورة الأعمال الشعرية للكاتب أحمد زنيبر، وقد صدر بحلة أنيقة عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر سنة 2007، ويتكون من 81 صفحة تتوزع عليها قصائد الديوان الخمس عشرة.
تعتبر اللوحة التشكيلية التي زين بها الغلاف اختزالا عميقا لرؤية خاصة في الحياة تجد تجلياتها في منطوق القصائد؛ فاللوحة اقتسمتها أشكال هندسية مختلفة من المستطيلات والمثلثات والمربعات والدوائر المختلفة بألوان زاهية داكنة ومغلقة، يهيمن عليها الأحمر والأزرق والأخضر، فهل الحياة فعلا واحة غير منسجمة الأشكال والألوان وأفق مفتوح على كل الأشكال الهندسية المختلفة!
2- الماء والشاعر
يعتبر أطياف مائية عنوان أحد قصائد الديوان نفسه، ومن خلاله نجد أثر الماء واضحا في عناوين القصائد: ماء الروح / مثل غيمة / نهر الهيام/ ماء البوح.... فلماذا التركيز على الماء؟ أم أنه يشكل رمزا لاستمرار الحياة نفسها؟
ومن خلال النصوص تتضح أهمية الماء وطيفه، فقد كان غائبا وعندما رجع إلى ذات الشاعر احتفي به وبعودته الخاصة
هوذا الطيف عادلست أنساه..عاد في رحلةلذلك يدعو الجميع للاحتفال حتى لمصدره وهي السماءهللي ياعيون السماءواحتفي بالمطر
3- الحزن والألم في الديوان
لقد جاءت عودة الماء في وقت قاس على الشاعر ناهيك عن غياب خليل يبث له أحزانه وأسراره وخوالجه الخاصة ولم يتبقى رغم ذلك إلا الليل والبحر.
شكرا لليل يداري أسراريثمة قبلتي وملاذيللبحر الهادرأشكو أسايوبالهمس المنتقىاحتمي
فهما الوحيدان اللذان ينصتان لأنين الشاعر، ويعوضانه عن الفراغ الداخلي الذي أحس به في لحظات تأمل للواقع حيث الحزن يهيمن على كل مكان والعبء يقتحم الأجواء، أنين وصل درجة خاصة حيث توزع على مختلف القصائد بألفاظ مؤثرة
تمادى الأسى.. انثالت عليه الجراح...الغيوم كطير أبابيلوالصدر ضاقيرميه باليأس المريرمعطفا من رما د الدمار والحصارالضجر...حروفا بائسة..الأوهاموجه القمرلم يكتملأمسى عليلا مذ ظهر أيدي المحن كلت وما كل الزمن هل من مفر؟
فمالعمل إذن؟
حين يغيب الأحياءعنا تباعاكلمح البصرتاركين بياضا مريعابهذا الوطنيعتري الكون حزنيهد الجبالويطوي البحارفتقصى الظلالكرسم بعيدهناك بطعم مرير
لكننا نكتشف في أمكنة أخرى من الديوان أن اعتصار الألم تجاوز الفردي ليصبح ألما جماعيا يقض مضجع الجميع بل يبهرنا باكتشافات لم نكن ندركها من قبل
فحياتنا انكسار.....وليس عرسنا سوى احتضاروعيدنا انتفاضةلذكريات بلبل بكى وانشدفمن سديم جرحنانقود مركبا مضى إلى السراببل وصل مستوى الألم درجة أنتذوب أمنياتناويملأ السحاب صمتناعلى مدى الغيابتعثر السلام والكلام والغضب
4- تيمة الموت
إن تيمة الحزن والألم ناتجة عن الأوضاع المختلفة التي تعيشها البلاد، فالكاتب يكتب بنبراس المتأمل والملاحظ والواصف، وقد نجح لحد كبير في توضيح الرؤية أكثر،فالحزن والألم المتراكم وصل أقصاه حين تحدث عن صيغ الموت المختلفة التي تتنوع بين الموت المادي والمعنوي، حينها يصبح المواطن البسيط أمام وضع لا يعلو فيه صوت سوى صوت وحيد وخارق للمعتاد ينادي على رؤوس الأشهاد:
أنا الموتقاهركموأنا من يحاصركم
وقد تمكن الموت فعلا من تحقيق أمنيته فاختطف الأحبة، لذلك انتقل الكاتب لمرحلة التأمل في هذا الوضع عبر الوصف، فكيف لشاعر يرى المشاهد المفزعة لموت القوارب المهاجرة أو موت طفولة البرد في خنيفرة أن يصمت؟؟ بل سيوصل الرسالة دون توضيح أسبابها والمسؤول عنها، لطبيعة العمل الإبداعي المفترض فيه إن لا يقدم كل شيء.
فهل الموت أنتج نفسه أم ساهم الآخرون في إيجاد موطئ قدم له ضمن فئة نعول عليها لبناء الغد نظريا؟
لذلك نجد الكاتب يتغنى بتيمة الموت لكن قبل بيان آثاره المختلفة يصر على السؤال الفلسفي التاريخي المشهور مالموت؟ فيجيب بلغة أدبية بليغة واضحة وبنفس الفلسفي خاص
هو الموتهازم أحبابنالا يبالي حداداهو الموتسارق أحلامنالا يراعي وداداكغزو البغاةتحاصر نجما وديعابكل الجهاتفيغدو السهاد بلون الرمادنشيد وداااااااااعأخيرفيا موت مرحىلنا الله فيمن فقدنا بهذا الزمان البكيءلكن خلفية حزن الكاتب من الموت تجد جوابها في حب الوطن والحزن على فقدان مختلف طاقاتههذا الوطننجمة في العيوننبض دائمفي الصدووور
لكن المفارقة أن هذا الوطن يفقد كل يوم شبابه وأطفاله ثمنا لسياسات ترقيعية لا تمل من اجتذاب يومي لفزاعات خاصة لذلك نجد الكاتب يتغنى به مع التأسف على الحال الذي وصل إليه من طرف حكامه.
فيا وطن الأبرياء تكاملأيا بلسما للمحبين قوتتركنا المراثي للشعراءهو الوطن أضحى فضاء للسؤالورغم كل ماسبق يصيح الكاتبهذا الوطنيحيى وإن غام الكلام
5- شهداء البيضاء والحسيمة
إن نبرة الحزن تستمد مرجعيتها من إدراك خاص لما يعتمل في المجتمع لذلك حرص الشاعر على إعادة التذكير بأحداث أليمة كان الشعب المغربي عرضة لها واختار حدثين متقاربين زمنيا لكنهما مختلفين في المسؤولية والآثار وهما أحداث 16 ماي، وزلزال الحسيمة، بل حرص على إهداء القصائد لأرواح ضحاياهما
يقول عن أحداث 16 ماي:
بكى الفقراء على الفقراءولم يفقد العزم فيهم جوادهدنا الشهداء من الشهداء وغنوا بصوت وديعألا فاشهدي يا دماء حزينةتعالى الهدير الأميربتلك المدينةتأرجحبين الحقيقة والارتيابوحين ارتضى الموج بحرهوأرخى السحاب سحابه
إن رثاء شهداء 16 ماي يأتي ضدا على موجة الإرهاب التي تعرض لها هؤلاء الأبرياء، كما تدخل في إطار التصدي للمجرمين حفاظا على الوطن الذي تغنى به وفي نفس الوقت وتأسفا على الطاقات التي فقدها ذلك اليوم الأسود.
وفي نفس الإطار يبكي بحسرة على الذين قضوا نحبهم في أحداث زلزال الحسيمة، فهل إثارة الموضوع ناتج عن تفاعل الشاعر مع الموت، وتأثيراته وتعامله معه على أساس الأحداث والوقائع، لكن بنظرة الوصف دائما والحسرة على ما وقع
تعالى الدمارشمالابزلزلة أوقدت نارهافي الحشا والمساكن..ومد الهدير ظلالا على الكونيدك المباني وينثر أشلاءهاوحين بدا الموتقصفا سريعابأطراف تلك البهيةتداعت لذلك الخرابعلى غير موعدجميع القرى والمدائنوخبت لنجدتها مسرعاتعساها تخفف عنها لهيب القيامة..؟وداعااهيل الحمىلم تزلخلفكمموجة حائرة
6- دعوة للصمود
إن استدعاء هذه اللحظات والمآسي والذكريات وتوظيف معجم خاص يحيل على الحزن المتنوع المظاهر والأشكال بشكل كبير الكفن ثوب حداد يجب ألا يكون سببا للارتكان والخمول والانهيار، بل بعدما قد يبدو أن الشاعر يركن إلى الحزن واليأس من التغيير يؤكد أن على الإنسان المثقف المغربي أن يصمد ويتصدى ليكون نموذجا ينهل منه لاستنهاض الهمم والتذكير بأن بعد الانهيار إقلاعا من نوع خاص لذلك نجده يصدح فينا
لنا أن نقاومقد اشتعل القلب غيظاوعزما رهيبالنا أن نقارعصهد التتاربرغم الدماروعنف الحصاربغير اتجاهلنا أن نقاومبثوب حدادمسالملنا أن نقاوم دفعالنبض حقودوناقم.....لنا أن نقاومكطير مشاكستنامى بأجنحة مارداتيباغث خصمه جرحافلايقربن البلادإلى النصر دومابصبر جميلأيا بلدةلا تموت
لكن المقاومة عند الشاعر اتخذت منحى خاصا وبعدا آخرا، لذلك حاول تحديد مفهومها و إطارها، لذلك لا يمل من الصراخ من داخل الذات بلسان جمعي وبشكل قوي
أبحث عن معنايأبحر في العبراتبيد أني لم ألف غير غيومتكتم بالأنفاس وما من جدوىسوى رغبة الصمتفي ماء البوحأريد أن أغازل القمرأريد أن أغادر الإطارأداعب السيول بالمحارأريد أن أشاطر الملاك فرحتهوحيدا هناك
فهل يقدر الشاعر على البقاء وحيدا كما كتب؟؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مقدمة للرجوع إلى ملاذه الخاص، وهو الاحتماء لدرجة الحلول والذوبان وسط القصيدة والتوغل في أتون رموزها الخاصة العصية على التفكيك، مما يدل على علاقة خاصة تربطه بها حيث تمده بأكسير خاص للحياة، لذلك أبى إلا أن يختم الديوان بهذه الكلمات التي تصدرت الغلاف الأخير.
تكتبني القصيدةحينيجف الكلامحينماارقب..نجمكيتماهىبيفي المرايا....تنتفض القصيدةبين يديكالشررتخرج من مربدها الورديتلهث خلف صبح جديديشبع جوعهالا مفرهل أنا الشاعرأم صرت أنا الغاوياتبع رسمك؟
7- ختاما
إن الديوان يعتبر بمثابة موزاييك متميز يغري بالقراءة والتحليل، خاصة أنه يمزج بين تأمل الماضي ونقذ الحاضر واستشراف المستقبل بنظرة نقدية، رغم أن الكاتب قد يهمس في آذاننا باختلاط كل الأوراق أحيانا في هذا الزمن الرديء
هام السؤال في السؤالوارتمى بين المخاضوالمدار
فما العمل إذن في وضعنا المغربي الخاص الذي...
ما عادت الأشياء تغري بالمقامفضاق المكان
إنه السؤال المفتوح والمطروح على كل واحد منا للجواب عليه بدقة أكثر.
فمتى نجد فضاء رحبا متسعا لأحلامنا؟! فضاء تسقط فيه الأطياف المائية التي تخيم أحيانا وتهرب.