الاثنين ٢٥ أيار (مايو) ٢٠١٥
مُقارنةٌ بين الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية
بقلم مريم عزيز خاني

في بدايات الأدب العربی والفارسي الحديث

الملخص:
الإنتاج الأدبي کائن حي يتأثر بظروف البيئة المحيطة به ويؤثر فيها، وإننا نحتاج في دراستنا للأدب أي أمة من الأمم إلی معرفة الأوضاع السياسية والاجتماعية التي أثرت في الادب.

هذه المقالة تبحث عن الاحداث السياسية والاجتماعية والادبية في العصر العربي والفارسي الحديث، ثم تشير الي التشابهات الموجودة في الاحداث السياسية والاجتماعية والادبية في العصر الحديث بين هذين الادبين.
الکلمات الرئيسية: العصر الحديث، الادب العربي الحديث، الادب الفارسي الحديث، الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية.

المقدمة:
الإنتاج الأدبي کائن حي يتأثر بظروف البيئة المحيطة به ويؤثر فيها، وإننا نحتاج في دراستنا للأدب أي أمة من الأمم إلی معرفة الأوضاع السياسية والاجتماعية التي أثرت في الادب.

وأما الأدب العربي المعاصر فرأی فيه من حيث بدؤه مختلف، فبعض المؤلفين يعتقدون بثورة 1919 بدأ للأدب المعاصر، وبعضهم يعتقدون أن الأدب المعاصر يبدأ من الحملة الفرانسية علی مصر حتی اليوم في سنة 1798. [1] والعصر الحديث في إيران قد بدأ منذ قيام الدولة القاجارية سنة 1976م.[2] في کلا الادبين اثرت الاحداث السیياسية والاجتماعية کا الحملة الفرنسيةفي المصر والثورة الدستورية في ايران قد اطلع الشعب المصري والايراني الحياة الأروبية. واقتبسوا منها مفاهيم الجديدة: کالحرية والديمقراطية والدستور(المشروطة) والوطن والوطنية والأمة والقومية. والاحداث الاجتماعية المشترکة في کلا الادبین ک صراع شديد بين الراغبين في التفرنج وتقليد الغرب، وبين المحافظين أنصار التقليد القديم، وکذلک الدور الرائد الذي لعبه جمال الدين الاسد آبادي (الأفغاني) في تأليب الإيرانيين والمصريين ضد جلاديهم من الملوک وأعوانهم، إلی جانب شعورهم بالظلم الاجتماعي والتقسيم الطبقي المجحف .
ومن ناحية الأوضاع الأدبية، فإنحط الأدب في ذلک العصر، وجفّت مشاعر الشعراء ونضوب القرائح من الافکار والمعاني وانعدام القدرة علي الإبداع والإبتکار، وبناء علي التطور الذي مر عليه الأدب العربي في عصر النهضة فإن الاتجهات والتيارات الجديدة تعددت في الشعر العربي الحديث،وأيضاً في الشعر الفارسی الحديث، واختلف الشعراء في ثقافاتهم ونواحي التاثير التي عملت علي تکوينهم. فمنهم من اقتصر علي الأدب القديم، ووجد فيه مثل الاعلی الذي يحتذيه. ومنهم من اطلع علي الآداب الأروبية واستهوته مذاهبها، فانصرف عن القديم ليجاري الغربيين فيما ذهبوا اليه . ونحن في هذه المقالة عالجنا الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية في بدايات الأدب العربی والفارسي الحديث بالتفصيل .

الأوضاع السياسية في بدايات العصر العربي الحديث

وأما الأدب العربي المعاصر فرأی فيه من حيث بدؤه مختلف، فبعض المؤلفين يعتقدون بثورة 1919 بدأ للأدب المعاصر، وبعضهم يعتقدون أن الأدب المعاصر يبدأ من الحملة الفرانسية علی مصر حتی اليوم في سنة 1798 وعبد المنعم خفاجي يری قيام الأدب المعاصر عام 1920م[3].
الحملة الفرنسية علي مصر وعواقبها
ولا ريب في أن الحملة الفرنسية کانت ذات اغراض استعمارية، وکل ما صبغه في هذه البلاد، انما کان الغرض منه تثبيت اقدام استعمارها فيها. ولکن البلاد استفادت من وراء ذلک بطريق غير مباشر فوائد عدة کانت تمهيداً حسناً لنهضتها التالية.

وأهم هذه الفوائد:

1. إن الحملة کان معها مجمع علمي کبير مولف من ثمانية وأربعين عالماً في مختلف العلوم. کان الفرض منه دراسة مصر من نواحيها المختلفة والنظر في مرافقها للعمل علی اصلاحها وتنميتها. وجلبوا معهم المعامل والأدوات الحديثة التي لا عهد لمصر بها.

1.أسس الفرنسيون مدرستين لتعليم أبناءهم علی النظام الحديث وأنشوا دار الکتب قيمة في مصر.[4]
2. أحضروا معهم مطبعة عربية وافرنجة لتطبع ما يحتاجون إليه من منشورات سياسية وتعليمات للأهالی.
3.وقد اطلع الشعب المصري من خلال هذه الحملة علی بعض وجوه الحياة الأروبية. کان من نتائج اتصال العرب بالغرب أن تعرّفوا بالحرکات السياسية وأنظمة حکم الغربية، والمبادي التي کانت تنادي بها تلک الحرکات، والأسس التي قامت عليها تلک الأنظمة، واقتبسوا منها مفاهيم الجديدة: کالحرية والديمقراطية والدستور(المشروطية) والوطن والوطنية والأمة والقومية. وکانت للثورة الفرنسية والشعارات السياسية التي أطلقها صداها المفکرين العرب، دوراً هاماً؛ فأعجبوا أول الأمر بالحرية والمساوات والإخاء.[5]

من هذا يتبين أن الحملة الفزنسية کان لها تاثير في تقدم بلاد المصرية، فبدا الاتصال مصر بإروبا، فتنبه المصريون إلی الحضارة الجديدة وما لها من علم وقوة ونظم، وتيقظوا إلی حقوقهم المسلوبة بين المماليک والعثمانيين وإلی ضرورة اشتراکهم في حکم بلادهم.

إحتلال الإنجليز لمصر
دخَلَ الإنجليز مصراً سنة 1882م، بعد أن ازدادَ نفوذُ الأجانب، وقويت شوکتهم وکَثُرت شرکائهم، وبعد أن دخلَ الوزارة المصرية وزيرانِ إنجليزيانِ. فالسياسة الإنجليزية في مصرٍ کانت عينها في الهند وإيران والعراق وسائر البلدان الأخری التي احتلتها قبل وبعد الحرب العظمی عدا اختلافٍ في الأشکال والصور.
لهذا نکتفی بالسياسة التعليمية التی اتخذوها في مصرٍ، فقد أرغموا المصريين علی تعلم اللغة الإنجليزية في المدارس، فانحسرت اللغة العربية وصار حظُّها من البرامج المدرسي ضئيلاً جداً.يقول عمر الدسوقي في هذا المضمار:« وکان غرض الإنجليز جعل الثقافة المصرية ثقافةً ديوانيةً بحتةً.» وقد ظلت کذلک طويلاً حتی بعدَ أن کفّوا أيديهم عن التداخلِ في وزارة المعارف، لأن المشرفين علی نُظُمِ التعليم بمصرٍ کانوا متشبعِّعين بمبادیء هذه المدرسة الديوانية، ولذلک صار الموظف المصری عبداً لوظيفته، اذا فَقَدَها أوأُخرِجَ منها إلی ميدان الحياة صار کالسمکة التي جفَّ من حولها الماءُ» واستمرَّ هذا الأمر حتی عام 1906م إذ اعاد سعد زغلول وزير المعارف بتشجيعٍ من الجمعية التشريعية في مصر، أعاد اللغة العربية إلی المدارس وصارت لغة التعليم فی المدارس والمعاهد.[6]

قادة وولاة

ظهر فی البلاد العربية خلال العصر الحديث قادةٌ وولاةٌ کان لهم دور بارزٌ فی الحياة الفکرية والسياسية مثل محمد علی باشا، والی مصر، والمفکر الإيرانی الشهير سيد جمال الدين اسدآبادی المعروف بالأفغاني وعبدالرحمن الکواکبی وغيره، نوجز القول عن بعضهم فيما يلی:

محمد علي باشا والی مصر

هومؤسس أسرته التي حکمت مصر من سنة 1805 إلی 1952م وقد وفد إلی هذه البلاد ضابطاً في الجيش العثماني الذي کافح الفرنسيين. وکان واسع الحيلة، کبير الأطماع، فبذل جهده حتی صار والياً علی مصر نائباً عن سلطان العثمانيين منذ عام 1805م، ومن ذلک العام أخذت مصر تفيق من سباتها وتنهض من رقدتها وتعيد سيرتها الأولی من الرقي والحضارة.

.وقد نظم محمد علي لنفسه جيشاً قوياً من أبناء البلاد، واحتاز الأراضی الزراعية وعمل علی استنباتها، واحتکر التجارة وعمل علی استغلالها، واهتم بالصناعة والتعليم والادارة وأرسل البعثات للدراسة في أروبا، وأسّس مطبعةً وفتح مدارس ونشر صحيفةً ومرکزاً للترجمة والنقل من اللغات الأجنبية. وفي سنة 1826 أنشأ مدرسةً للطب في القاهرة واستقدم إليها أساتذةً من الغرب. ومازال حتی کون ثروة ضخمة أنفق منها علی جيشه الذي صار من أقوی الجيوش، وبه استطاع أن يحارب الدولة العثمانية ثم يستقل بمصر وصار ملکها وراثيا في ذريته حتی فضت عليهم ثورة مصر الأخيرة عام 1952م.[7]

سيد جمال الدين الأسد آبادي ودوره في الدعوة إلی الاصلاح السياسي

وُلد السيد جمال الدين في قرية أسد آباد في غرب إيران -وتلقّی تعليمه في بلاد إيران ، ثم رحل إلی النجف الأشرف الذي کان حينذاک من المراکز العلمية الهامة في العالم الاسلامي، وبعد أن أکمل دراساته، بدأ کفاحه السياسي والإجتماعي في العالم الإسلامي. فقد دعا إلی نهضة علمية وأدبية في العالم الإسلامي .مثلما دعا إلی الاتحاد الإسلامي لمواجهة الدول الغربية المستعمرة. وکان يظهر يوماً في إيران ويوماً في الهند والأفغان وتارةً في مصر والعراق، ثم ينتقل إلی لندن وباريس ليصدر بمساعدة تلميذه الشيخ محمد عبده المصري جريدة الوثقی.[8]

ويحث جمال الدين الشعوب الإسلامية علی المطالبة بحقوقها المسلوبة وأهمها الحرية والاستقلال موکداً أن الحرية توخذ ولا توهب. شارک العرب الأتراک العثمانيين في دعوتهم إلی الاصلاح لما صدر الدستور العثماني الأول في 23 کانون الأول، عام 1876، مع بداية عهد سلطان عبد الحميد الثاني، استقبله المثقفون العرب بالغبطة والإرتياح.

الأوضاع الاجتماعية

کانت الدولة العثمانية، من وجهة النظر الدينية، دولة اسلامية يحکمها سلطان مسلم، ويسود فيها الشرع الاسلامي، ونتيجة لفتوحاتها الواسعة في آسيا وأروبا وافريقا دخلت في حوزتها شعوب وأمم تدين بأديان ومذاهب مختلفة، وأصبح سکانها ينقسمون إلی فئتين: مسلمين والذمة. وکان المسلمون هم الفئة المسيطرة سياسياً، فقد تمتعوا بحقوق المواطنة وواجباها کاملة .مثل تولی المناصب الادارية والسياسية والعسکرية، وفرض عليهم مقابل ذلک الجهاد أوالخدمة العسکرية.واما أهل الذمة فقد منحوا الحق في تطبيق شرائعهم الدينية في أمورهم الخاصة وأحوالهم الشخصية وفرضت عليهم الجزية. وبقيت صناعة، طوال العهد العثماني، کما کانت عليه من تخلف وجمود. فتقهقرت الصناعة واضمحلت.
وخلاصة القول أن المجتمع العربي في العهد العثماني کان ينقصه التجانس والتماسک. فما کاد القرن التاسع عشر ينتهي حتی بدأت الاطر الاجتماعية القديمة بالانهيار، وتراجعت القيم الاجتماعية القبلية لتحل محلها قيم جديدة مستوردة من الغرب. ونشأ صراع شديد بين الراغبين في التفرنج وتقليد الغرب في المسکن والملبس والمأکل والمشرب ومختلف وسائل الترفيه والتسلية، وبين المحافظين أنصار التقليد القديم الذين بذلوا کل ما في وسعهم لمقاومة تيار التفرنج وصده.[9]

في هذا المجتمع المتخلف، حيث البون الشاسع بين الحاکم والمحکوم والغني والفقير، والجهل عام، والتدين تجارة وزعامة ووساطة، والتملق والنفاق والجبن سادة العصر، قامت فئة واعية تنادی بمبادي وأفکار جديدة من حرية ومساواة وعدالة الاجتماعية، مستنکرة الذل والنفاق والرشوة، معتمدة في ذلک علی کتاب الله وسنة نبيه أحياناً، وعلی آراء المصلحين والمفکرين الغربيين أحياناً أخری، وعالجت هذه الفئة من المفکرين العرب مختلف مشاکل والأمور الاجتماعية وخرجت باتجاهات عديدة أهمها:

الدعوة إلی العدالة الاجتماعية

کان أول من عالج موضوع عدالة الاجتماعية من مفکري هذا القرن، رفاعة الطهطاوي، في کتابه "مناهج الالباب المصرية في مبالغ الآداب العصرية" (1869). وأيضا عالج عبد الرحمن الکواکبي مشکلة الفقر والغني في المجتمع في کتابه أم القری[10]
تحرير المرأة
ظهر المفکرون مثل عبد الرحمن الکواکبي، أحمد فارس الشدياق، جميل صدقي الزهاوي، دعوا إلی تحرير المرأة العربية من الجهل .ونشأت أول مدرسة لتعليم بنات في مصرعام 1873م. وتحدث هولاء المفکرين عن المرأة ودورها في التربية والمجتمع، وحقوقها التي نص عليها الاسلام. واتخذت الدعوة إلی تحرير المرأة اتجاهاً يری أن لا فرق بينها وبين الرجل في التکوين الفسيولوجي والقدرة العقلية.
العلوم
شهد القرن التاسع عشر تقدماً في العلوم وتوسعاً في المخترعات لم تشهد لها البشرية مثيلاً في القرون الماضية. وتقدم العلماء بنظريات عديدة في مختلف الميادين العلمية کان لها صدا واسع في أواسط المثقفين والمفکرين ورجال الدين. تعرف العرب علی هذه المنجزات العلمية من خلال اتصالهم بأروبا.

وقد أنشأ نابليون "الجمعية العلمية المصرية" عام (1798)، فضمت عدد من العلماء الذين رافقوه. وصدر عن هذه الجمعية کتاب "وصف مصر" وهوعبارة عن عدة مجلدات تضمنت آثار مصر في المعارف والفنون والصنائع والزراعة والآداب والتاريخ والسياسة.[11]

المدارس والکليات العلمية في مصر

انفتح محمد علي باشا علی الحضارة الغربية، في نطاق سعيه لتحديث مصر وجعلها دولة عصرية ذات جيش قوي، واوفد البعثات العلمية إلی العواصم الأروبية، واستقدم الأساتذة والخبراء والمدبرين، وأنشا المدارس والمعاهد المختلفة. وبلغ مجموع من طلبة إلی المعاهد الأروبية بين عامي 1813و1847 ب(319) طالباً. وکان لهولاء دور بارز في حياة مصر العلمية.فقد أنشا مدرسة الطب، مدرسة الهندسة، وأنشا أيضاً کلية الطب والصيد لة و...، وتولی التدريس فيها أساتذة من المصريين والأجانب.

الأوضاع الأدبية في عصر النهضة

إنحط الشعر في العصر العثماني إلی أسفل الدرجات ودخل في أسوأ حال له. حيث خلا من العناصر التي تعطيه جمالاً وتکسبه نمواً وازدهاراً. وأصبح نظماً خإلياًً من روعة المعاني مقفراً من بدائع الصناعة.إنّ الشعر في هذا العصر أصبح ضعيف الأغراض، رکيک الأسلوب، نحيف المعاني، خالياً کثير من الاحيان من الخيال الواسع والعاطفة الحية، مصاباً بداء الجمود والانحدار. امتلأ بالألفاظ العامية وخلا من الابداع والابتکار. [12]. إن الحکام کانوا أتراکاً يتعصبون لنشر لغتهم الترکية لايفهمون الشعر العربي ولا يدرکون قيمته فلا تهتز له قلوبهم ولا تميل إليه نفوسهم، فابعدوا شعراء المجيدين عن قصورهم ومجالسهم وهکذا فقد الشعراء من يرعاهم ومن يشجعهم. ونجد الشعراء يکونون من عامة الناس ، کجزّار، الدهّان، الحمامی،الکحّال، ونجد الشعراء يکونون من من عامة الناس ، کجزّار، الدهّان، الحمامی،الکحّال، و...، نضعت المواهب بتاثير النکبات التي أحاطت بالثقافة العربية وبالعالم العربي، وانتشر الجهل والأمة في هذا العهد لإغلاق معاهد العلم وعدم العناية بالثقافة.[13]

وهکذا الحال عند الشعراء العرب عبر عصر العثماني ولا يتطور الشعر العربي آنذاک مثل تطوره في العصر النهضة. وبناء علی التطور الذي مر عليه الأدب العربي في عصر النهضة فإن الاتجهات والتيارات الجديدة تعددت في الشعر العربي الحديث، واختلف الشعراء في ثقافاتهم ونواحی التاثير التي عملت علی تکوينهم. فمنهم من اقتصر علی الأدب العربي القديم، ووجد فيه مثل الأعلی الذي يحتذيه. ومنهم من اطلع علی الآداب الأروبية واستهوته مذاهبها، فانصرف عن القديم ليجاری الغربيين فيما ذهبوا إليه.

شعر في اوائل الحملة الفرنسية وعهد محمد علي

ودع عصر العثماني، والشعر لم يعد فيه إلا رمق يسير، وکأسه خاوية إلا من ثمالة الثمالة، ولم يکن لمجيء الحملة الفرنسية ولا لقيام محمد علي بالأمر في البلاد أثر يذکر في تقديمه ونشاط أهله. وذلک لأن الحملة- فضلاً عن أنّها أجنبية - کانت عسکرية وغازية فلا تهتم بالادب العربي في کثير ولا قليل، وکان محمد علي ترکياً وأمياً، لا يحل عنده الشعراء محل القبول، ودولة غير حاجة إليه، بل وإلی الأدب العربي جملته.

وکان من الشعراء هذه الفترة السيد اسماعيل الخشاب (1815م) الذي کان يتکسب بالشهادة امام الحاکم. والشيخ حسن البيطار (1834م) أحد شيوخ الأزهر، والسيد علي الدرويش (1853م). ودار الشعر حول المدح والرثاء والوصف، والغزل ووصف الخمر والتاريخ الشعري. واکثره مصطنع غير صادر عن العاطفة ومعانيه مسبوقة معادة، وعباراته رکيکة قريبة من العبارات العامية.[14]

أسباب نشاط الشعر

ومنذ عصر اسماعيل، صادف الشعر مع تتابع الأيام- جملة من الأسباب أخذت تفسح له سبيل اليظة وانشاط والبعث، نذکر منها ما يلی:

1.انتشار التعليم، وقد کان لذلک أفضل الأثر في تنبيه النفوس والخواطر وترقبة العواطف والأحاسيس وإيقاظ الشاعرية، وتوسع المجال أمام الشاعر اختيار أغراضه وتنويعها، وتزويده بعواطف حسنة من المعاني.
2.العناية بالترجمة خاصة ترجمة الآداب الأجنبية وکانت لها أثر العظيم في الکتابة والشعر.
3.طبع دواوين الشعراء السابقين، وبخاصة المجيدون منهم کالمتنبي، والبحتري وأبي العلاء المعري، ويعتبر هذا العمل في مقدمة اسباب التي عاونت علی نهضة الشعر.فما اطلع الشعراء علی شعر أسلافهم حتی هبوا يقتدون بهم ويحاکونهم ويتخذون منهم نماذج عليا يسعون إلی بلوغها.
4.ظهور أفذاذ من الشعراء الذين کانوا نمذج حية لمن يعاصرهم أويتلمّذهم من الشعراء، وأفضل مثل ذلک: البارودي، ومن بعده اسماعيل صبري، حافظ ابراهيم وأمير الشعراء شوقي.
5. الثورات الفکرية والسياسية، وتفشي النزعات الوطنية التي تتمسک بحرية البلاد واستقلالها وطرد المستعمر وکراهيته، وکذلک الانقلابات الاجتماعية التي شاهدتها البلاد والتي من غاياتها نشر العدالة الاجتماعية بين الطبقات والتسوية بين الکافة، مما يولد في النفوس الشعراء طاقات جديدة من الاغراض والافکار والمعاني والتصورات.[15]
ومن جملة الأسباب أوالعوامل التي ساعدت المعاصرين علی وفرة النتاج، ألوان الثقافة التي انتشرت في المجتمعات العربية. ومنها أيضاً کثرة الصحف والمجلات وسهولة تناولها.
وثم کان انتشار الطباعة کما تحدثنا عنها- من قبل- في البلاد العربية عاملاً من أهم العوامل في تيسير مهمة الأديب والشاعر وتحقيق عملهما في المجد والشهرة، فلم يجد الشعراء صعوبة في جمع دواوينهم يقدمونها. [16]
وبتلک الأسباب وغيرها استطاع فن الأدب في هذا العصر أن يثبت دعائمه، وأن يقبل عليه الموهوبون بعناية واهتمام، فيکثر أعلامه وتتباين مناهجه، وتتعدد ألوانه.

المدارس الشعرية في عصر النهضة

«لاشک في أن الحملة الفرنسية کانت نقطة بدء في وصل المصريين بالمغرب، وفي فتح عيونهم علی حياة جديدة وحضارة جديدة، کان لها أثرها فيما بعد في البعث الحضاري والنهضة الثقافية والتجديد الأدبي التي حدثت في مصر. ومنذ ذلک العصر ظهرت مذاهب أدبية، لأن کل مذهب من المذاهب الأدبية يمثل الإتجاه الفکري والفني والاجتماعي ألذي يعکس روح العصر التي نشأ فيه، ويصور مثله، ويستجيب لحاجته، ويشارک في نشاطه، ويمثل اتجاهاته، ويقود امکانياته، فهووليد العصر وظروفه. والعصر هوالذي يفرضه علی کتابه ومفکريه، ويوحی به إليهم.[17]
ففي عصر النهضة الأروبية لم يجد الکتاب والمفکرون بداً من الرجوع إلی الأدب اليوناني واللاتيني يحاکونه ويحتذونه، إذ لم تورثهم العصور الوسطی المظلمة أدبا يغنيهم عن هذا التقليد، ومن ثم کانت الکلاسيکية. وکان ظهور الرومانتيکية نتيجة لرواج الفلسفة العاطفية في القرن الثامن عشر، ونهوض الطبقة الوسطی، وتطلعها إلی نيل حقوقها السياسية والاجتماعية.

الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية في بدايات الأدب الفارسي الحديث

الحياة السياسية في الفترة القاجارية

يمکن القول بأن العصر الحديث في إيران قد بدأ منذ قيام الدولة القاجارية سنة 1976م.[18] تتوّج آغا محمد خان سنة 1210ه.. وإستطاع أن ينظم أمور الدولة وأن يتشکل دولة قوية الأرکان. لکن ما لبثت مدة طويلة، إنّه ُقتل فی سنة 1211ق . علی يد رجاله واعتلی ابن أخيه باباخان الذي ُسّمي بإسم جده فتحعلي شاه علي سرة الحکم.[19]
ومن أهم الأحداث التي وقعت في عهد فتحعلي شاه: تنافس الإنجليز والفرانسا وتحرّشات الدولة الروسية بالأراضي الإيرانية توتّرت العلاقات بين إيران والدولة العثمانية، الأمر الذي أدّی إلی معاهدات مکررة ومؤسفة کمعاهدات "گلستان" (1228) و"ترکمان شاي" (1223) والحرب مع الدولة العثمانية سنة 1237 التي انتتهت بمعاهدة "أرزنة الروم".
وبعد أن مات فتحعلي شاه قام حفيده محمد شاه مقامه. وفي عهده شاعت الحروب والفتن في البلاد الإيرانية. واشتدّت التنافسات بين الأجانب للنفوذ في إيران وکانت إيران نهباً للصراع الدائر بين القوی الاستعمار العالمي خاصة إنجلترا والروسيا.[20]

وبعد أن مات محمد شاه تتوّج ولده ناصرالدين شاه عام 1264ق. وانتخب ناصرالدين شاه في بداية الأمر ميرزاتقي خان- الملقب بأمير کبير- الذي کان من أبرز الوجوه السياسية في الأزمنة الأخيرة، بالوزارة،. وهذا الرجل الذکي المخلص، استطاع في مدةٍ قصيرةٍ أن يقوم بإنجاز أعمال کبيرة للتقدّم الشامل في إيران، لکن مع الأسف إثر المؤامرات التي جرت من قبل الحساد قام ناصرالدين شاه بقتل هذا الرجل العالم ومحب الوطن عام 1268ق. [21].

قد أوقع الناصر الدين شاه بلاده تحت وطأة کل من روسيا وإنجلترا، وقد کان التنافس بين هاتين الدولتين العظيمين علی بساط النفوذ علی أکبر رقعة من الأراضی الإيرانية سبباً لسوء التفاهم بينهما، وفي حدوث مشاکل کثيرة لإيران والإيرانيين وقد وقعت الاتفاقية بينهم في عام 1907م وقسّموا بمقتضاها إيران إلی مناطق نفوذ حيث أصبحت المناطق الشمالية تحت سيطرة الروس وسيطرت إنجلترا علی المناطق الجنوبية من إيران، وظّلت بين المنطقتين منطقة ثالثة محايدة، حتی لا تتعدی قوات أي دولة منهما علی منطقة نفوذ الدولة الاخری ونتيجة لهذه المفاسد السياسية، فقد ثار الشعب علی الحکومة خاصة المثقفون والکادحون، وطالبوا بوجود دستور ينظم علاقة الحاکم بالمحکومين بعضهم ببعض آخر، وعُرفت هذه الثورة باسم الثورة الدستورية، أي الثورة المطالبة بدستور وحياة نيابية، يشارک الشعب الحاکم والحکومة في تيسير دقة الأمور في البلاد، وقد ساعد علی اشتعال هذه الثورة سفر بعض الإيرانيين إلی البلاد الأروبية ومشاهداتهم کيف تمضي الحياة السياية في هذه البلاد، ومن العوامل التي ساعدت کذلک ذيوع مباديء الحرية والإخاء والمساواة التي أوجدتها الثورة الفرنسية في أروبا کلها وانتقال هذه الأفکار إلی بلاد الشرق ومنها إيران، وکذلک الدور الرائد الذي لعبه جمال الدين الاسد آبادي (الأفغاني) في تأليب الإيرانيين ضد جلاديهم من الملوک وأعوانهم، إلی جانب شعور الإيرانيين بالظلم الاجتماعي والتقسيم الطبقي المجحف وإحساسهم بأن خيرات بلادهم قد أصبحت نهباً لکل أجنبي.[22]
وتوالت الأحداث السياسية وأصبحت إيران مرتعاً للمؤامرات التي تحوکها الروس والإنجليز، وظلت الحالة الاضطراب في إيران حتی قام القائد العسکری الذي وجد الفرصة متاحة لکي يجلس علی کرسي الحکم، وهذا القائد کان "رضاخان البهلوي.

حاول رضا شاه أن يحد من الامتيازات الأجنبية وخاصة تلک التي حصلت عليها إنجلترا وروسيا خلال حکم الدولة القاجارية، ومن أعماله التي قام بها: إنشاء اول جامعة وطنية وهي جامعة طهران، وأرسل طلابها في بعثات علمية إلی مختلف الدول الأروبية، وشجّع علی نشر التعليم العام في المدن الإيرانية،وحثّ الفتيات علی ارتياد معاهد التعليم، ولم يکتف بهذا الحد في موقفه من المرأة الإيرانية، بل أصدر القرار برفع الحجاب عام 1935م. أنشأ رضاشاه مصانع لغزل ونسج الصوف والقطن والحرير، وأنشأ بعض المصانع الحربية، أنشأ البنک الوطني الإيراني.[23]
الحياة الاجتماعية في الفترة القاجارية

الظروف الاجتماعية في العصر القاجاري تکون خاصةً، الأمراء القاجاريون کانوا يحکمون باستبدادٍ . فقد کان سوء تصرف ملوک الدولة القاجارية وما يعيشون في لهووترف، قد دفعهم إلی کثرة القروض التي عقدتها إيران مع کل من إنجلترا وروسيا، وما تبع هذه القروض من الإمتيازات الأجنبية جعلت إيران ککُرةٍ، تتقاذفها الروس والإنجليز فيما بينهم.
ومن أسباب تدهور الحياة الاجتماعية وخاصة في الربع الأول من القرن العشرين تفشی الجهل بين جميع أبناء الوطن إلّا القلة التي سمحت ظروفهم الاجتماعية بالتعليم داخل إيران وخارجها، ونتيجة لهذا الجهل فقد سادت الخرافات وسيطرت علی عقول کثير من الناس، ووجود المشعوذون للتضليل والتکّسب علی حساب الشعب، وحاول بعضهم أن يتخذ من الدين ستاراً يخفي وراء تدليسه.[24]

وفي هذا المجال جدير بالذکر الاصلاحات الاجتماعية المفيدة التي قام بها أميرکبير في أوائل عهد ناصرالدين شاه القاجاري منها: إنشاء مدرسة دارالفنون، إرسال الطلاب إلی الأروبا للتعلم العلوم المختلفة، إصلاح الشؤون المالية، استخدام المعلمين الأروبيين للتدريس، اصلاح الجيش، الترجمة ونشر الکتب، تأسيس الصحافة، تأسيس البريد وبرقية، الإهتمام بالصناعة وإنشاء المصانع، و...، وکان لکل هذه الأعمال اثر عميق في نشر الثقافة والعلم.[25]. ومن أبرزسمات الحياة الاجتماعية في تلک الفترة، التخلف الکبير الذي کانت تعيش فيه المرأة الإيرانية، فقد کانت محرومةً حتی من حق التعليم، وهذه الحياة المتخلفة دفعت بعض الرائدات للمطالبة بحق المرأة. فصوّر صاحب کتاب "انقلاب مشروطيت" أحوال النساء الإيرانية في تلک الفترة هکذا: "لما کانت نساء إيران هن الضعيفات في المجتمع، فهن أکثر من حاق بهن الظلم، وکن ينظر إلی المرأة بعين التحقير، کما أنها لم تشارک علی الإطلاق في الحياة الاجتماعية، قد حرمت من الحقوق العامة، کما اُغفلت في مجال التربية والتعليم و...[26]. ولکن النظرة إليهن بدأت تتغير تدريجييا ووجد من طالبوا بإنصاف المرأة ومساواتها بالرجل، وذلک نتيجة لانفتاح إيران علی الغرب وسفر العديد من البعثات التعليمية إلی الأروبا، واطلاع أعضاء هذه البعثات علی مشارکة المرأة الأروبية في الحياة العامة. وأطلق لسان شعراء في ذلک الوقت وهم نظموا أشعاراً کثيراً ضد المستعمرين، ورد الحقوق إلی أصحابها من العمال والفلاحين، ونادوا بالاصلاح الاجتماعي وحاولوا تنبيه الأذهان ودعوا الشعب الإيراني بالثورة أمام الظلم وما عانته إيران علی أيدي القوات الروسية والبريطانية وما حل بالمواطنين من ظلم الحکام وذويهم، واعتقد هولاء المصلحون أنه لا سبيل لتقدم إيران إلا عبر طريقين، الأولی العلم والثاني العمل. ومما تلفت النظر في هذا العهد ظاهرة التفرنج وإعطاء الظهر للشرق قد بدأت تظهر بوضوح لدی بعض المبهورين بحضارة الغرب وتقدمه، وبدأوا يتطاولون علی الثقافة الاسلامية-الإيرانية، وساعد علی ذلک سفر البعض إلی أروبا للدراسة أوللسياحة، فأراد هؤلاء المتفرنجون تغيير بعض مقومات الحضارة الإيرانية واستبدالها بحضارة الغرب بکل أنماطها المادية والمعنوية، ولکن لم يتقبل العامة معظم أفکار هولاء المتفرنجين وتصدی لها کبار العلما والأدباء.

الحياة الأدبية في الفترة القاجارية

القاجاريون والاصلاح

بسيطرة قاجاريين علی إيران بدأ عصر جديد في تاريخ الأدب الفارسي. کانت الأسرة الحاکمة الجديدة من أصل ترکي، شأنها في هذا شأن الأسرة التي سبقتها، أي الأسرة الصفوية، وظهرت إلی الوجود مرة ثانية. مؤسسات حکومية مشابهة لتلک التي حاول الصفويون اقامتها. وبدأت قوة الأرستقراطية القبلية المؤثرة في الأمور تضمحل، وأصبح الرجال الذين ينتمون إلی الأصول غير أرستقراطية، لکنهم ذوثقافة عالية يستطيعون الوصول إلی المناصب الرفيعة، کما بذل جهود واع من أجل تأسيس حکومة مرکزية، وتجددت العلاقات مع الغرب، وبدأت يقظة في الأدب. ويمکن اجمال الأسباب الرئيسية التي أدت إلی الاصلاح أسلوب الأدب في عهد الدولة القاجارية:

1.بعد انتصار آغا محمد خان وفتحعلي شاه، في خلال فترة حکم ناصر الدين شاه الطويلة خاصةً، کانت هناک فترة السلام واستقرار عدت فترة انتقال بعد الفترة القلقة المضطربة التي تبعت تدهور الصفويين، وفي هذا الجوازداد الاهتمام بالعلم والأدب والحضارة إلی حد کبير.

2.کان معظم آل قاجار من مشجعي الفنون والآداب، وجذبوا کثيراً من الشعراء والکتاب إلی بلاطهم. وأما أئمة رجال الدين في تلک الفترة قد أقلقهم الجهل المتفشی بين الطبقات الشعب، فخرجوا لتشجيع العلم والأدب بين الشعب بوسائلهم.
3.دخول الطباعة إيران سنة (1812) وبعد ذلک أرسل عدد من المبعوثين إلی الخارج لدراسة فن الطباعة، وتاثرت الطباعة في أساليب الأدب وفي الموقف العام من التعبير الأدبي.

4. کان ظهور الصحافة في إيران من أهم عوامل نهضتها أيضاً. وقد ظهرت الصحيفة الأولی خلال عهد محمد شاه (1837) وکان ناشرها هوميرزا محمد صالح الشيرازيالذي درس الطباعة في إنجلترا، وبعد ذلک وإبان حکم ناصر الدين شاه وبتوجيه من ميرزا تقي خان أمير کبير، صدرت في طهران جريدة أسبوعية منتظمةأسمها جريدة اوقائع الاتفاقية سنة (1851).

5. تأسيس المدارس الجديدة علی النظام الأروبي، وتدريس العلوم العصرية من الملامح المهمة في هذا التقدم. وکان تأسيس کلية عضوية ذا أهمية خاصة إذا أسست دار الفنون في طهران سنة (1851) وکانت تحت إشراف عدد من الأساتذة الأروبيين بالتعليم لعدد من الذين أصبحوا من الرواد البارزين سنوات عديدة تالية، والّفت کثيرة من الکتب العلمية أوترجمتها عن اللغات الأروبية، وأرسل عدد من الطلبة الإيرانيين إلی الخارج وعادوا يحملون الافکار الغربية، ومما لاشک ان هذه الکلية کانت ذات تأثير الملموس في نهضة الأدب في إيران.

6. کانت الثورة الدستورية (1905-1909) ذروة کل هذه الدوافع والأسباب، وکان لها في حد ذاتها أعظم الأثر في ادخال الحياة العصرية سواءً لتاثيرها في المجتمع الإيراني والحياة الاجتماعية والسياسية.

علی أي حال رغم ما نراه في شعر العهد الصفوي الذي کان شائعاً بين المحترفين وعامة الناس، راج الشعر في العهد القاجاري بين الخواص والعلماء وقلّ شيوعها بين المحترفين لأنّ في هذ العصرما کانت القريحة لإنشاد الشعر کافية وما کان أي شاعر قادراً علی إنشاد الشعر المقبول لمحبي الشعر والأدب دون المعرفة ببعض الأصول والفنون.
هذا العهد الذي سُمّي في تاريخ الأدب الفارسي بعصر الصحوة، مرحلة من التطوّر التي منقطعة النظير ولم يرَ تاريخ الأدب الفارسي نظيرها في کل عصورها القديمة.

ودخلت بعض المضامين الجديدة کالثورة علی ظلم النظام المتعسّف، الدعوة إلی الديمقراطية، مدح الوطن، الأحاسيس الوطنية، الحقد والعداوة ضد الدول المعتدية وذم تدخّلات الأجانب في شؤون المملکة الإيرانية، التکلم حول الخرافات والتعصبات، الحديث عن حقوق المرأة في الشعر الفارسي. وکرّس الشعراء والخطباء الشهيرون نبوغهم وعبقريتهم في خدمة الوطن والمجاهدين والأحرار وأيضاً في خدمة حرّية المبادئ والأفکار. يمکن أن نشير بأکبر شعراء عصر الصحوة إلی: "لاهوتي"، "عشقي"، "ايرج ميرزا"، "عارف القزويني"، "فرخي اليزدي"، و... الذين وقفوا أشعارهم في خدمة الوطن والحرية والناس، ومن حيث أنّ هدفهم کان إثارة الشعب للثورة والمناضلة، فلابد أن من تقليل مضامينهم الأدبية، واستفاد هولاء الشعراء من لغةِ سهلة وقابلة الفهم عامة الناس. وتشاهَد کثير من الأحيان في شعرهم الکلمات والاصطلاحات الأجنبية.[27]

الشعر في خدمة الثورة الدستورية

أشرنا أنّ أحوال إيران خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي والسنوات الأولي من القرن العشرين قد اتسّمت بالسوء وتفشی المظالم وعدم احساس ملوک الدولة القاجارية ورجال البلاط بمشاکل الشعب، أقطعت روسيا اکثر من الأراضي الإيرانية في اذربايجان وترکستان وماوراء النهر، وهکذا شعر أحرار إيران وأبناءها بأن الحاکم القاجاري لم يعد جديراً باحترام مواطنيه وليس أهلا أن يبقی علی کرسي العرش، ولهذا وجدنا ناصر الدين شاه يتعرض للإغتيال عام 1896م، ولعل حادثة الإغتيال هذه کانت الشرارة الکبری التي أسقطت هيبة السلطان القاجاري في إيران وبدأت القصائد والمقالات تتوالی في تقديم النقد والتطاول عليهم لان الصلة بين الحاکم والمحکومين قد انقطعت، ولا شک أن هذه النظرة الجديدة إلی الحکومة والحاکم قد تأثرّت بعوامل داخلية وأخری خارجية نذکرها بإختصار فيما يلي:

1. سفر الإيرانيين إلی الخارج، والاختلاط بشعوب يتمتع فيها المواطن بحرية ابداء الرأي، والمشارکة في صنع القرار من خلال المنظمات الدستورية التي تشارک الحکومة والحاکم في تيسير الامور، فوجد هولاء الإيرانيون، أن فکرة الشرق عن الحاکم فکرة خاطئة ويکون الُملک تکليفاً قبل أن يکون تشريفاً، وعندما عاد هولاء الإيرانيون إلی ديارهم، يتکلمون الحديث عن نظم الحکم الأروبية إما في مجالسهم الخاصة وإما في أي مناسبة عامة.

2. الحالة الفقر المهلک التي سادت إيران في أواخر العصر القاجار وقد کان هذا الفقر نتيجة للضرائب الباهظة التي کان يفرظها البلاط القاجاري علی الناس، أملاً في الحصول علی الأموال التي توفّر لهم الحياة اللهو، والسفر إلی أروبا.

3. أنّ إهمال الدولة للزراعة والصناعة، قد ألحق الأضرار الکبيرة بالمزارعين والصناع، مما أشعر الإيرانيون بالحقد تجاه حکامهم، ولهذا بدأ الإيرانيون يتطلعون ليومٍ يتخلصون من ظلم هولاء الحکام وجورهم.

4. کثرة الإمتيازات التي منحها القاجاريون للأجانب وبخاصة لروسيا وإنجلترا، فقد کان الحاکم القاجاري حريصاً علی الانفاق والبذل، وهکذا أصبحت کل مصادر الثروة الإيرانية من هاتف، وسکک حديدية، جمارک، مصايد، و...، تحت تصرف الدول الأجنبية، وهکذا شعر الإيرانيون بأن الحاکم القاجاري قد باع وطنه للأجانب وأصبحوا يتمنون الخلاص منه.

وإلی جانب هذه العوامل الداخلية يمکن اضافة عاملين خارجين ساعدا علی تطلع الإيرانيين لقيام حکم النيابي ومشارکة شعبية في الحکم، وهذان العاملان هما:

1. انتشار مبادئ الثورة الفرنسية في العالم، وهي مبادئ الحرية والإخاء والمساواة، وانتقلت هذه المبادیء إلی البلدان الشرق ومنها إيران، وادرک الإيرانيون أنهم لن ينعموا بهذه المبادیء إلا اذا تحطمت قصور القاجاريين، فتمنوا أن يکون هذا اليوم قريباً.

2. الحرب اليابانية الروسية، فکانت فرحة الإيرانيين عظيمة، عندما استطاعت اليابان الانتصار علی روسيا في هذه الحرب التي وقعت في أواخر القرن الماضي بينهما، وشعر الإيرانيون أن اليابان قد انتصرت علی روسيا بفضل وحدة جماهيرها، والتحام حکام اليابان بالشعب الياباني، وهکذا تتطلع الإيرانيون ليوم سقوط الحاکم القاجاري واتحاد إرادة الجماهير حتی يجد إيران سابق مجدها. هذه العوامل الداخلية والخارجية خلقت شعوراً بعدم الرضا من الحکام القاجاريين، ولهذا بدأت موجة الانتقاد لهولاء الحکام تنتشر في الادب الفارسي، وبدأ الشعراء ينظمون الشعر حول المصائب والکوارث التي يتعرض لها الإيرانيون کل يوم علی أيدي القاجاريين ورجالهم.[28]

الخاتمة

وجدنا خلال دراستنا تشابهات کثيرة في هذه المواضيع في کلا الأدب ين. ومن الناحية السياسية وصلنا إلی هذه النتائج:
1.قد اطلع الشعب المصري کالشعب الإيرانی من خلال الحملة الفرنسيةعلي بعض وجوه الحياة الأروبية. کان من نتائج اتصال العرب الايرانيين بالغرب أن تعرّفوا بالحرکات السياسية وأنظمة حکم الغربية، والمبادیء التي کانت تنادي بها تلک الحرکات، والأسس التي قامت عليها تلک الأنظمة، واقتبسوا منها مفاهيم الجديدة: کالحرية والديمقراطية والدستور(المشروطة) والوطن والوطنية والأمة والقومية. ًفأعجبوا أول الامر بالحرية والمساواة والإخاء، فبدا الاتصال مصر باروبا، فتنبه المصريون والايرانيون الي الحضارة الجديدة وما لها من علم وقوة ونظم، وتيقظوا الي حقوقهم المسلوبة بين وأيضاً نری دور جمال الدين في دعوة الشعب المصری والايراني إلی مکافحة مع المستعمرين المستبدين ويحث جمال الدين الشعوب الاسلامية المصرية والإيرانية علي المطالبة بحقوقها المسلوبة وأهمها الحرية والاستقلال موکداً أن الحرية توخذ ولا توهب.

2. ومن الناحية الاجتماعية في العصر الحديث فنجد الاشتراکات في الأدب ين الفارسی والعربی الحديثين، وفي هذا المجال جدير بالذکر الاصلاحات الاجتماعية المفيدة التي قام بها امير الکبير في اوائل عهد ناصرالدين شاه القاجاري منها:
إنشاء مدرسة دارالفنون، إرسال الطلاب إلي الأروبا لتعليم العلوم المختلفة، وإصلاح الأمور المالية، واستخدام معلمی الأروبية للتدريس، إصلاح الجيش، والترجمة ونشر الکتب، تأسيس الصحافة، و... ، وکان لکل هذه الاعمال اثر عميق في نشر الثقافة والعلم.

وفي عصر النهضة في مصر أيضاً رأينا محمد علي باشا انفتح علي الحضارة الغربية، وأوفد البعثات العلمية الي العواصم الاروبية، واستقدم الأساتذة والخبراء والمدبرين، وأنشا المدارس والمعاهد المختلفة. ومن أبرزسمات الحياة الاجتماعية في بدايات العصر الحديث في إيران وأيضا في مصر، التخلف الکبير الذي کانت تعيش فيه المرأة ، فقد کانت محرومةً حتي من حق التعليم، وهذه الحياة المتخلفة دفعت بعض الرائدات للمطالبة بحق المرأة.

والنظرة إلی المرأةبدأت تتغير تدريجييا ووجد من طالبوا بانصاف المرأة ومساواتها بالرجل، وذلک نتيجة لإنفتاح إيران ومصر علي الغرب وسفر العديد من البعثات التعليمية إلي أروبا، واطلاع أعضاء هذه البعثات علي مشارکة المرأة الاروبية في الحياة العامة.

ومما تلفت النظر في هذا العهد ظاهرة التفرنج وإعطاء الظهر للشرق قد بدأت تظهر بوضوح لدي بعض مبهورين بحضارة الغرب وتقدمه،رأينا في ايران وأيضا في مصر هذه الحالة في المجتمع في عصر النهضة ونشأ صراع شديد بين الراغبين في التفرنج وتقليد الغرب في المسکن والملبس والمأکل والمشرب ومختلف وسائل الترفيه والتسلية، وبين المحافظين أنصار التقليد القديم الذين بذلوا کل ما في وسعهم لمقاومة تيار التفرنج وصده.

3. ومن ناحية الأوضاع الأدبية، شاهدنا في کلا الأدبين الانحطاط؛ فإنحط الأدب في ذلک العصر، وجفّت مشاعر الشعراء ونضوب القرائح من الافکار والمعاني وانعدام القدرة علي الإبداع والإبتکار، وقد استخدم الشعراء المحسنات اللفظية والمعاني المتضادة والاصطلاحات العامة والتشبيهات البيعدة عن الذهن. ولم يعد الشعراء منقطعين للشعر، بل أصبحواالجزار، الوراق،الحمامي، الدهان،و...، کل هذه العوامل جرت بتقهقر الأدب وأطلقت ألسنة النقاد واهل الفن بالاعتراض والمخالفة بهذا الأدب .

وبناء علي التطور الذي مر عليه الأدب العربي في عصر النهضة فإن الاتجهات والتيارات الجديدة تعددت في الشعر العربي الحديث، وأيضاً في الشعر الفارسی الحديث، واختلف الشعراء في ثقافاتهم ونواحي التاثير التي عملت علي تکوينهم. فمنهم من اقتصر علي الأدب القديم، ووجد فيه مثل الاعلی الذي يحتذيه. ومنهم من اطلع علي الآداب الأروبية واستهوته مذاهبها، فانصرف عن القديم ليجاري الغربيين فيما ذهبوا اليه.

وفي کلا الأدب ين نجد اسباباً متعددةً ومتشابهةً لنشاط الشعر في العصر الحديث وعالجنا کل هذه الأسباب في مکانه الخاص.

ومن الأسباب الهامة لنشاط الشعر في کلا الادبين أشرنا إلی هذه الأسباب بالتفصيل ولکن نورد هنا أهمها:
1.دخول الطباعة .

2. تأسيس المدارس الجديدة علي النظام الأروبي، وتدريس العلوم العصرية من الملامح المهمة في هذا التقدم.

3. الثورات الفکرية والسياسية، وتفشي النزعات الوطنية التي تتمسک بحرية البلاد واستقلالها وطرد المستعمر وکراهيته.

4.ومنها أيضاً کثرة الصحف والمجلات.

الحواشي:

1. الخفاجي، عبد المنعم، دراسات في أدب العربي المعاصر في مصر، ص24.
2.کسروي تبريزي، احمد،تاريخ مشروطه ايران، ص 18.
3. الخفاجي، عبد المنعم، دراسات في أدب العربي المعاصر في مصر، ص24.
4. رزق سليم، محمود، الادب العربي وتاريخه في عصر الممإلیک والعثمانيين والعصر الحديث، ص97.
5.محافظة، علي، الاتجهات الفکرية عند العرب في العصر النهضة، ص97.
6.الدسوقي، عمر، في الأدب الحديث، ج1، ص451.
7.المصدر السابق، ص98.
8.محيط طباطبايي، محمد، نقش سيد جمال الدين در بيداري مشرق زمين، ص 20.
9. محافظة،علی، الاتجاهات الفکرية، ص 162.
10. المصدرنفسه، ص 179.
11.المصدر نفسه، ص204.
12.خفاجي، عبد المنعم، قصة الادب في مصر، ص232.
13.اميری، جهانگير، تاريخ الادب العربی فی العصرين المملوکی والعثمانی، ص193.
14.رزق سليم ، محمود، ادب العربي وتاريخه في عصر الممإلیک والعثمانيين والعصر الحديث، ص190.
15.المصدر السابق، ص 192-195.
16.طبانة، بدوي ،التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، ص 19.
17.ضيف، شوقي، الأدب والنصوص، ج3، ص258.
18. کسروي تبريزي، احمد،تاريخ مشروطه ايران، ص 18.
19. اقبال آشياني، عباس، تاريخ ايران، ص 751.
20. المصدر السابق، ص760.
21. المصدر السابق، صص818-809.
22.کسروي تبريزي، أحمد، تاريخ مشروطه ايران، ص18.
23. المصدر السابق، ص 20.
24. شميم، علي اصغر، ايران در عصر سلطنت قاجار، ص 253.
25. اقبال آشياني، عباس، تاريخ ايران، صص 827-823، بتصّرف.
26. ملکزاده، مهدی، تاريخ انقلاب مشروطيت، ج1، ص102.
27.ياحقي، محمد جعفر،تاريخ ادبيات ايران، ص150
28.نوري علاء، اسماعيل، صور أسباب در شعر امروز ايران،صص124،130.بتصّرف.

المصادر والمراجع:

1. الخفاجي، عبد المنعم، دراسات في أدب العربي المعاصر في مصر، الطبعة الأولی، دارالجيل، بيروت، 1992م.
2. خفاجي، عبد المنعم، ، قصة الأدب في مصر، الطبعة الأولی دار الجيل، بيروت، لاتا.
3. کسروي تبريزي،احمد، تاريخ مشروطه ايران، الطبعة العاشرة تهران، 1353ش.
4. رزق سليم، محمود، الادب العربي وتاريخه في عصر الممإلیک والعثمانيين والعصر الحديث، تهران،1360ش.
5. الدسوقی، عمر، فی الأدب الحديث، الطبعة السابعة، دارالکتاب العرب، بيروت، 1996م.
6. محيط طباطبايي، محمد، نقش سيد جمال الدين در بيداري مشرق زمين، ، تهران. 1360ش.
7 . محافظة، علي، الاتجهات الفکرية عند العرب في عصر النهضة، الحمراء، بيروت. 1987م.
8. اميری، جهانگير، تاريخ الأدب العربی فی العصرين المملوکی والعثمانی،الطبعة الأولی، سمت، تهران 1387ش.
9. رزق سليم، محمود، الادب العربي وتاريخه في عصر المماليک والعثمانيين والعصر الحديث، ص97، دار الکتاب العربي، مصر، 1957م.
10. طبانة، بدوي، التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، الطبعة الثالثة، دار المريخ، الرياض،1984م.
11. ضيف، شوقي، الأدب والنصوص، الطبعة الأولی، نهضة مصر، القاهرة، 1977م.
12. اقبال آشياني، عباس، ، تاريخ ايران، اتشارات خيام، تهران1362ش.
13. شميم، علي اصغر، ايران در عصر سلطنت قاجار، الطبعة الاولی، ابن سينا، تهران.
14. ملک زاده، مهدي، تاريخ انقلاب مشروطيت ايران، ج 2، تهران1329 ش.
15. ياحقي، محمد جعفر،تاريخ ادبيات ايران، تهران، 1363ش.
16. نوري علاء، اسماعيل، صور أسباب در شعر امروز ايران، بامداد، تهران، 1348ش.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى