في اليوبيل الذهبي للتأمين الصحي!
خمسون عاماً، مضت، ونحن نلهث وراء الأيقونة المتجددة، والعالقة في ذاكرة مرضنا: "صحتك أمانة بين أيدينا"!
خمسون عاماً، مضت، من عمر الهيئة العامة للتأمين الصحي، ونحن لا نزال نباركها، كفكرة إنسانية ساحرة ورائعة، تفوق في معانيها على كل محاولة للخيال البشري لتجسيدها كاملة بيننا، رغم كل الأمنيات الطيبة، والمخلصة، التي عبّر عنها وزير الصحة بأسلوب ملؤه الثقة: "لا نملك ترف الفشل في تقديم منظومة صحية تليق بالمواطن"!
ما الذي يجعل هذه الفكرة القريبة من قلبنا، بعيدة عن عيوننا؟!..
أظن، وفي هذا الظن، شيء من ظل الحقيقة، أن هناك حرباً ضد هذه الهيئة، شديدة، ومبتكرة، وعلى أنين المرضى!
ذلك أن أسلوب تحقيق الفكرة، أوجد على الساحة من يعتبرون أنفسهم من ضحايا هذه المنظومة، ومن ثم وجدوا أنفسهم أعداء لها.. هؤلاء هم: الأطباء، والصيادلة، وفنّيو المعامل، ومراكز الأشعة!
فالطبيب، يعتقد أن عيادات التأمين الصحي، لم تترك له إلا القليل من المرضى!
والصيدلي، ينظر إلى صيدليات التأمين الصحي، نظرته إلى منافس قوي لمهنته!
وفنيو المعامل، ومراكز الأشعة، يرمقون المعامل ومراكز الأشعة الملحقة بوحدات التأمين الصحي، على انها تأخذ من رزقهم!
لذلك، نجد أطباء يعاملون المرضى بما تحب أهوائهم السياسية والدينية أن تعاملهم.. فنسمع مثل هذه العبارة أمام الحالات الحرجة: "خلّي السيسي ينفعك"!
وأطباء، يجعلون عياداتهم الباب الرئيسي لدخول المستشفيات التأمينية، فالطبيب يقبض لصالحه، مع أنه بعد ذلك يستخدم كافة أمكانات التأمين الصحي لعلاج مريضه!
والصيادلة، أصحاب شركات انتاج الأدوية والكيماويات، الذين يضخون منتجاتهم لمخازن التأمين الصحي، يتلاعبون في المادة الفعالة، أو يعيدون تغليف العبوات المنتهية الصلاحية بأغلفة جديدة، عليها تواريخ حديثة، عارفين أنها قد لا تضر، ولكنها بالتأكيد لن تفيد!
أما أصحاب مراكز التحاليل الطبية، ومراكز الأشعة، فهم يدفعون بسخاء؛ لكي تظل أجهزة التأمين الصحي في عطب دائم، حتى تحوّل إليهم كافة الحالات المرضية!
قد نعتقد أن الفساد قد أنتصر، ولطخ وجه التأمين الصحي بعبارات النقمة، والسخرية!
لكن التأمين الصحي، قادر على النهوض من كبوته، عندما يغيّر من أسلوبه!
لنجرب هذه الطريقة، المقترحة مني، في توصيل الخدمة الصحية للمنتفعين:
نعطي بطاقة تأمينية ممغنطة للمنتفع، ونترك له حرية أختيار من يكشف عليه، ويعالجه. وما عليه، سوى أن يوقّع على فاتورة الطبيب، أو الصيدلي، أو المعملي، أو اخصائي الأشعة، أو المستشفى.؛ لتقوم هذه الجهات بتحصيل قيمة الخدمة الطبية التي قدمت للمنتفع.
وبذلك، نتيح لأصحاب المهن الطبية، أن تعمل، وتسترزق، دون احساسهم بأن التأمين الصحي يحاربهم في معيشتهم، بل ويساعدهم في رواج مهنتهم!
الضمان الوحيد لهذه الخدمة التأمينية، بصورتها المقترحة، أن يعرف الجميع ـ المنتفع، والجهات العلاجية ـ أنهم، إذا خسروا أمانتهم؛ فسيصبحون على القائمة السوداء بشكل كامل، أوبشكل جزئي!