الخميس ١٧ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

صورة الآخر

كم هي الدراسات التي أنجزت حول صورة الآخر في أدبياتنا؟ سؤال يثيره الدارس كلما قرأ دراسة جديدة تناولت هذا الموضوع اللافت. وإذا كان المرء مهتماً بالأدب المقارن، فإنه، لا شك، سيتساءل: وكم عدد الدراسات التي أنجزت حول صورتنا في أدب الآخر؟ والآخر هنا ليس الإسرائيليين، فهم جزء من الآخر المتعدد الذي يتسع مفهومه لدرجة يبدو فيها أن الأنا تغدو، في لحظة مختلفة، منقسمه. فأناي الآن غير اناي قبل عشرين سنة. أنا قبل عشرين عاما آخر أناي الآن.

وربما سيظل هذا الموضوع لافتاً ما دام هناك إنسان على وجه هذه البسيطة. ولن يتوقف الخوض فيه ما دام هناك أدباء يكتبون، وشعوب وأمم تختلف فيما بينها، لغة وثقافة وسحنة وفقراً وغنى ودينا.... الخ.

آخر الدراسات التي اطلعت عليها في أدبنا دراسة د. المتوكل طه: صورة الآخر في الشعر الفلسطيني 1994-2004، وهي رسالة دكتوراة نوقشت في جامعة مصرية أشرف عليها الشاعر الأستاذ الدكتور وليد منير. وقد حدد طه دراسته زمنيا وجنساً أدبياً، لكنه لم يلتزم بهذا، فقد أفرد صفحات كثيرة للكتابة عن الآخر قبل التاريخ المذكور، وأخرى للكتابة عن الآخر في الشعر والرواية والفن التشكيلي. والآخر في الدراسة هو الإسرائيلي والغربي أساسا، وإن كان الدارس أشار في بداية الدراسة إلى أن الآخر مفهوم متحول في الزمان، فآخر العربي في الجاهلية والإسلام وزمن العباسيين والحروب الصليبية هو آخر مختلف عن الآخر الحالي.

ولئن كان المتوكل ذكر بعض الدراسات التي أتت على هذا الموضوع، فإنه لم يأت على أخرى، وهي عديدة، منها ما اقتصر على الرواية، مثل دراسة حسين أبو النجا "اليهودي في الرواية الفلسطينية" (2002) وصبحية زعرب "الشخضية اليهودية في الأدب الفلسطيني (؟) (الأردن، 2005)، ومنها ما تناول الشعر، بخاصة أشعار درويش. والأخيرة بالإنجليزية، وبالعربية أو العبرية. وكان يمكن للدارس أن يفيد من الأخيرة.
ولم يقصر الدارس دراسته على شعراء بارزين، فقد عالج قصائد شعراء لم يحققوا من الشهرة ما حققه درويش والقاسم ومريد البرغوثي والمناصرة. وركز بالدرجة الأولى على شعراء ذاعت أشعارهم وانتشرت في مناطق السلطة الوطنية والمناطق المحتلة في العام 1948، شعراء كتبوا قصائد بعد (أوسلو) وقبلها. ولم يستثنِ أشعاره هو، ففي مواطن كثيرة استشهد بمقاطع من شعره.

ويقع الكتابُ/ الأطروحة في 534 من الحجم الكبير، وكان يمكن أن يختصر بمائتي صفحة، إذ كان يمكن تكثيف الصفحات الأولى (من ص1-ص262) بما لا يتجاوز خمسين صفحة، وكان يمكن التخلي عن المائة صفحة الأخيرة (من ص413 حتى نهاية ص502) فهي صفحات لا تمت للعنوان بصلة، ذلك أن الدارس يريد أن يدرس صورة الآخر، ولو كانت القصائد التي عالجت هذا الموضوع ذات شكل فني مميز، يختلف عن الشكل الفني لقصائد الشعراء الأخرى، بسبب الموضوع، لقلنا ثمة ضرورة لدراستها فنيا. هذا الخطأ المنهجي يقع فيه دارسون كثر في الجامعات العربية وغير العربية أيضا. حقا ما المبرر لدراسة الشكل الفني لقصائد كتبت في موضوع، لا تختلف فنيا عن قصائد كتبت في موضوع آخر؟ إن هذه الدراسات لا فائدة منها سوى توسيع حجم الدراسة، إن كانت هذه فائدة.

وأنا لا أريد أن أقلل من أهمية دراسة المتوكل، فلا شك أنها مهمة، ولا شك أنه بذل فيها جهداً فأفاد واستفاد، أفاد الأدب الفلسطيني وسلط الضوء على جانب مهم منه، واستفاد بحصوله على شهادة علمية. أقر بهذا ولكني سأورد بعض الملاحظات لعل الدارس وآخرين يفيدون منها.
ثمة أحكام يطلقها المتوكل أظن انها غير دقيقة، وسأكتفي بواحدة منها. في ص 362 يكتب: "وشعرنا الفلسطيني قليل الاحتفال بغير الفلسطيني عادة، ذلك أن الواحد يتألم لجرحه أولاً". واظن أن الدارس سيغير رأيه لو درس الشعر الفلسطيني على ضوء مقولة الحضور والغياب، إذ لو فعل ذلك للاحظ أن الآخر يسكننا حتى النخاع، وأنه حاضر في شعرنا حضوراً كبيراً حتى لو كان غائباً شكلياً. ما من قصيدة صور فيها الشاعر الفلسطيني مجازر العدو، دون أن يذكره، إلا وكان هذا فيها حاضراً، حتى لو اقتصر الشاعر على رثاء الشهداء وتصوير مآسيهم، وحتى لو لم يذكر اسم القاتل. خذ أشعار درويش الوطنية كلها، من ألفها إلى يائها، وستجد أن الآخر فيها لا يقتصر على ريتا وشولميت والجندي الذي يحلم بالزنابق البيضاء. إن قصائد مثل أنا يوسف يا أبي ومطار أثينا ورب الأيائل يا أبي، تعبر عن مأساة سببها الآخر الصهيوني، حتى لو لم يرد ذكره فيها.

وثمة عدم دقة في تحديد نوع الجنس الأدبي، فبعض القصص القصيرة التي يذكرها على أنها روايات. ويبدو أن الدارس لم يطلع عليها واكتفى بالقراءة عنها من مراجع. ص162 على سبيل المثال يذكر أن سارة هي رواية لحنا إبراهيم، وهي ليست كذلك، إنها قصة قصيرة. ولم يتكرر هذا الخطأ مرة واحدة،لا فقد تكرر مرارا، عدا أن الدارس، للسبب نفسه- أي لاعتماده على مراجع دون العودة إلى الأصول- خلط بين نصوص أدباء مختلفين. في ص159 يكتب عن صورة اليهودي في أدب نجاتي صدقي، ثم يخلط بينه وبين خليل بيدس، ولا أدري إن كان اطلع المتوكل على قصص الأخير الذي صور اليهود في روايته "الوارث" (1920)، إن أبا هشهش الذي اعتمد عليه يدرس نجاتي صدقي ولم يدرس خليل بيدس. وانا من درس صورة اليهود في قصص نجاتي صدقي.

وثمة في المقدمة آراء لم يلتزم الدارس بها، ففي ص20 مثلا، في المقدمة، يكتب أنه رصد التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لحقت بالمجتمع الفلسطيني في العام 67 حتى العام 2004، ولكنه في الفصل الذي تناول في التحولات لم يكتب إلا عن التحولات السياسية وإلى حد ما الثقافية، وبإيجاز.

وحين يعالج الدارس الآخر الغربي يدرس قصائد لا صلة لها بالموضوع، مثل قصيدة محمود درويش "تعاليم حورية"، في حين أنه يغفل قصائد تناولت الآخر الغربي بوضوح، مثل قصيدة سميح القاسم "كتاب كارولاين" من ديوانه "الكتب السبعة" الذي أظن أن طه لم يطلع عليه.
وثمة أحكام قيمة كنت أتمنى لو أن الدارس تخلى عنها، لأنه هنا أكاديمي بالدرجة الأولى، من ذلك تثمينه للكتاب، فهذا كاتب روائي مميز وذاك أيضا... الخ، وكان يمكن أن يكتفي بالإشارة إلى أن الكاتب روائي تاركاً الحكم، على تميزه وعدمه، للقارئ. (ص351 و352).
وكنت أتمنى لو أن المتوكل أطلعني على الدراسة قبل نشرها. إذن للفت نظره إلى أمور لا يلتفت إليها إخواننا المصريون ممن يشرفون على رسائل في الأدب العربي الفلسطيني في فلسطين المحتلة، لعدم إلمامهم إلماماً كافياً بالحركة الأدبية. والغريب أنها مرت على الشاعر نفسه، هو الذي يسهم، منذ عقود، في حركتنا الأدبية.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى