

شاعريّة السّؤال ومواجهة الواقع
ثمّة فرق شاسع بين أن نكتب الحزن وأن يكتبنا حزننا. فالحالة الأولى تأخذ منحى التّعاطف وتتوسّل مشاعر الشّفقة. وأمّا الحالة الثّانية فهي دعوة إلى التّأمّل والتّفكّر وطرح الأسئلة الاستفهاميّة الّتي من الممكن أن تقود القارئ إمّا إلى تبيّن أسباب الحزن ونتائجه، وإمّا إلى تشكيل وجوديّ إنسانيّ جديد يخضع لأحداث حاضرة وواقع متفلّت من عنصر التّحكّم والإرادة.
أوّلاً: النّصّ:
ويكبر المحال ...أتعلمينَ ما الذِي يُوَرِّدُ الفصُولْوما الذِي يُضَمِّخُ البريق في البِحَارْوما الذِي يُعَطِّرُ مَوَاسِمَ الكَلامْوما الذِي يُرَتِّقُ الجِراحَ فيِ المحَارْوما الذِي يُعـَتِّقُ سُلافـَةَ الحَرامْجُنـُونُنَا اللَّذِيذْيَقِينُنَا المُمَزَّقُ عَلَى ذُرَى الفِطامْوأَلْفُ ألْفُ مَوْتـَةٍ يَرُجُّهَا احْتِضَارْوبَعْضُ مَا نُخَبِّئُ لِرِحْلَةِ الغَرامْأتعْلَمِينَ كيْفَ صِرْنا نَطْلُبُ الُمحَالْونَسْأَلُ الضِّياءَ أنْ يُعاشِرُ الظلامْوتَسْتَحِي النِّساءُ مِنْ بُرودَةِ الرِّجالْويخَجْلُ الصّغارُ منْ تَفاهَةِ الكِبارْيُحَدّقُ الجَرادُ في شَرانِقِ الغُصونْواللّيْلُ بِالمعَاوِلِ يُمَزِّقُ النـَّهَارْوينْثُرُ الرَّمادَ في مَحاجرِ العيُونْربيعُنَا حُطامْ .. وَعُمْرُنا رُكَامْجَنُوبُنَا مُمَزَّقٌ يَرُجُّهُ السُّؤالْإلَى مَتَى يُعَرْبِدُ بِكَوْنهِ الضَّلالْوتنْبُتُ منْ عَيْنِهِ مَواكِبُ الظنُونْإلىَ مَتى تُؤَجَّلُ مَوَاسِمُ السـّلامْوَشَرْقُنـَا كغَرْبِنَا .. جَنوبُنا شَمالْإلى متى تخيِّمُ جَحَافِلُ الهـَوَانْبِعُمْرِنا الحَزينْوَيَكْبُرُ أطْفالُنَا وَ يَكْبرُ المُحالْأتعلمينَ أَنَّنَا نُبَاعُ في المَزادْوأَنَّكِ رَهِينَةٌ لمَوْسِمِ الفَـسَادْرُعَاتُنَا .. حُماتُنا قَدْ أَخَلَفُوا العُهُودْوباعُوا لِلْغَريب تِبْر أرْضِنا الحَلالْوأعْدَمُوا الشهُودْوأرْضُنَا الجَريحَةُ نَزِيفُها رُعودْوجُرْحهَا حِكايَةٌ تَـقُصُّها الجِبالْتُشَيِّبُ الرَّضِيعْوتزرَعُ الَمواجِعَ وتَنْحَرُ الرِّجالْأتعلمينَ مَعنَى أنْ نَعِيشَ مُعْدَمينْونلبْسَ التـَّعاسَةَ بِغُربَةِ الوجُودْوأرْضُنا سَبِيَّةٌ وَعُمْرُنَا سَرابْومعنَى أنْ نُهَجَّرَ وَنَشْرَبَ العـَذَابْومعنَى أنْ نُشَرَّدَ وَأَرْضُنا خَرابْومعْنى أَنْ نَضِيعَ في غَمَامَةَ الضَّبَابْكأنّنا خُلِقْنا كَيْ نَمُوتَ مَرّتيْنْومَوْتُنَا يُرَدِّدُ حِكايَة الدّمَارْيا أيّها الخريف..لماذا كلّما نطقتَ تصفع الشّجرْوتذبح الغصون ، والورود والزّهرْوتشرب الرحيق من عصارة المطرْوتغرق الضريرَ منّا تدهس الضعيفأهذه حياتنا أم نحن في ضياعأهذا حلمنا الذي من أجله نباعْربيعنا مؤجّل ربيعنا دموعوأرضنا سبيّة قد رجّها الكدرْيا أيّها القدرْ ..لماذا تكبر جراحنا ويأفل القمرهل نحن يا ترى حقيقة بشرْوعمرنا ممزّق نراه يُحتضَرْلماذا كلّما ضحكنا نذرف الدموعوكلّما فرحنا وابتسمنا للضياءتعيدنا النهاية لموسم الرجوعلحزننا .. لموتنا .. للحظة الشقاءلماذا كلّما حلمنا بالغد الجميللنرسم الربيع في المآقي والعيونتبعثر أحلامَنا الريّاح والصقيعوتشمت بعمرنا مواسم الفناء ..؟؟أتعلمين معنى أن نذوب في اشتياقللحظة تعيدنا إلى ذرى الخلودلقاؤنا حكاية عنوانها الفراقأبطالها حياتهم تذوب في احتراقكشمعة تعانق الهواء في سجوديمتصّها .. يفتضّها ويمعن العناقكأنّني ألامس مواكب الرّحيلوأنظر من شرفتي وأسمع العويلكأنّني أرى الدّموع تهمي في التياعووجه أمّي في الظلام يشرب الدموعتلوّح بشالها .. بكفّها العليلوصوتها الممزّق يلوذ بالشراعويقتفي المجاذف وينخر القلوعوالبحر قد تثاءب يمدّ ناظريهواللّيل قد جثا هنا وأطبق الضّلوعأمّاه .. قد أسْرجتُ ناظريّ للوداعلألثم من ناظريك سكّر الرجوعأمّاه حال دونك موج الأسى العنيدوها أنا هنا كالطفل تائها شريديُتْمي بأنّي لم أذق حلاوة اللـّقاءولم أعمّد ناظريّ منك بالعناقأمّاه شاب قلبي هل ترى نعودوهل لوجهي أن يعبّ من شذا الرحيقأمّاه ليتني أكون ريشة تطيركي ألثم جبينك وأنثر العقيقمن وجنتيك في المدى أعطّر الطّريقأمّاه حال بيننا الزّحام والخطوبوأدمى خافقي اشتياقي إنّني غريقوزورقي الضرير تاه في دجى القلوعوالحلم شاخ والضنى يفتّت الضلوعالقطْر شحّ في ربانا والنـّدى غريبوالزّهر شاخ أذبلته دمعة الحبيبوأنتِ تسرجين من رعافي موكب النحيبهنا التقينا والشذا يضمّخ اللـّحودونجمة الصّباح قد جثت على ربى الخدودوحلمنا الذي ارتكبنا هل ترى يؤوب ؟يـُكفـَّنُ بموته وموتُه قريبوقبره بظلمة العويل والنّحيبيرتّل المواجع وينحر القلوبأحلمنا يموت يستبيحه الغروب ؟يُذَبَّحُ ومن وريده يلوّن الدروبأتعلمين أيّ شيء يمنح الخلوديقيننا بأنّنا نموت في سجودللحظة تعيدنا إلى ذرى الشرودإلى ضياعنا وشوقناإلى الفنا الفريد...
ثانياً: القراءة:
ثمّة فرق شاسع بين أن نكتب الحزن وأن يكتبنا حزننا. فالحالة الأولى تأخذ منحى التّعاطف وتتوسّل مشاعر الشّفقة. وأمّا الحالة الثّانية فهي دعوة إلى التّأمّل والتّفكّر وطرح الأسئلة الاستفهاميّة الّتي من الممكن أن تقود القارئ إمّا إلى تبيّن أسباب الحزن ونتائجه، وإمّا إلى تشكيل وجوديّ إنسانيّ جديد يخضع لأحداث حاضرة وواقع متفلّت من عنصر التّحكّم والإرادة.
هذا التّشكيل الوجوديّ نشهده في قصيدة الشّاعر شكري مسعي "ويكبر المحال"، ويتجسّد من خلال بنية القصيدة، ليعبّر الشّاعر عن ولادة حدث كبير لا يمكن التّعبير عنه إلّا بقصيدة يمتدّ فيها النّفَس. فالشّاعر هنا لا يشهد لحظة شعريّة وإنّما مواجهة هذا الحدث أو الأحداث المتراكمة الّتي تشكّل الحدث الأساس، ألا وهو تبدّل الواقع الّذي أدّى إلى التّشرذم والضّياع والموت بسبب ربيع ظُنَ أنّه مزهر للأوطان. فكتبَ الشّاعر الحدث شعراً؛ لأنّ الوسائل التّعبيريّة المتاحة لم تعد قادرة على التّعبير، وتناولها ببعد دراميّ يرتقي بالحدث إلى مستوى الشّعر، العالم المغاير للواقع والمختلف عنه. فأتت القصيدة غنيّة بعدّة مواقف شعوريّة وخبرات فرديّة وإنسانية متنوّعة. وهنا تكمن جودة العمل الأدبي الّذي حقّق الإبداع الجماليّ، وأثّر في نفس القارئ، فأتى العمل كاملاً متكاملاً. ومن أهم سمات هذا الإبداع الجماليّ: اللّغة الشّعريّة، الصّورة الفنّيّة، والموسيقى الشّعريّة.
– اللّغة الشّعريّة:
الشّعر تعبير عن وجدانيّة الشّاعر نفسه وعصارة وجدانه وخبرته وتجربته، إلّا أنّه في ذات الوقت لا ينحصر بالشّاعر فقط، بل هو مشاركة بين الشّاعر والمتلقّي. وبالتّالي فالشّاعر إذ يخاطب القارئ بوجدانه ومشاعره يتشارك معه في تجربته وواقعه، فيقف الطّرفان وكأنّهما أمام مرآة تعكس مقاصد الواحد للآخر. من هنا أهميّة اللّغة الشّعريّة عند الشّاعر شكري مسعي، الّتي خلقت انسجاماً بينه وبين المتلقّي. إذ سكب الشّاعر قصيدته في قالب جماليّ لغويّ تداخلت فيه الصّور والتّعابير المجازيّة الّتي استخدمها مستثمراً دلالتها وإيقاعها على نحو فريد ارتقى بالعمل الإبداعيّ. برزت منه لغة الشّاعر الخاصّة الّتي وإن كانت تعبّر عن قضايا حاضرة في أذهان الكثير من الشّعراء والأدباء، إلّا أنّها متفرّدة في هذه القصيدة، مشحونة بالعاطفة الوجدانيّة.
وعند استقراء اللّغة الشّعريّة في قصيدة "ويكبر المحال"، نقف عند سمات أسلوبيّة جماليّة، كالتّكرار اللّفظي الّذي يوليه الشّاعر عناية خاصّة، ليسلّط الضّوء على نقطة حسّاسة في العبارة ويكشف عن اهتمام المخاطب.
تتكرّر جملة (أتعلمين) ستّ مرّات، لتؤكّد من جهة البحث عن أسباب التّردّي الواقعيّ. (أتعلمينَ ما الذِي يُوَرِّدُ الفصُولْ/ وما الذِي يُضَمِّخُ البريق في البِحَارْ/ وما الذِي يُعَطِّرُ مَوَاسِمَ الكَلامْ / وما الذِي يُرَتِّقُ الجِراحَ فيِ المحَارْ/ وما الذِي يُعـَتِّقُ سُلافـَةَ الحَرامْ)، وهنا يظهر لنا تكرار عبارة (ما الّذي) لتكثيف معنى البحث التّأمّليّ، وإمعانه في طلب الجواب. (أتعْلَمِينَ كيْفَ صِرْنا نَطْلُبُ الُمحَالْ)، (أتعلمينَ أَنَّنَا نُبَاعُ في المَزادْ)، (أتعلمينَ مَعنَى أنْ نَعِيشَ مُعْدَمينْ)، (أتعلمين معنى أن نذوب في اشتياق). ومن جهة أخرى دلالة على النّقص استناداً إلى العدد (ستة) ليظهر الكاتب مرارة الواقع وعدم اكتماله، حتّى يتراءى لنا الاكتمال في يقين الموت (أتعلمين أيّ شيء يمنح الخلود/ يقيننا بأنّنا نموت في سجود). كذلك تكرار كلمة (معنى) ليغوص الشّاعر أكثر في تفكيك أسباب الواقع وتحديد المفاهيم واستنباط ما يمكن استنباطه من فحوى الأحداث.
(أتعلمينَ مَعنَى أنْ نَعِيشَ مُعْدَمينْونلبْسَ التـَّعاسَةَ بِغُربَةِ الوجُودْوأرْضُنا سَبِيَّةٌ وَعُمْرُنَا سَرابْومعنَى أنْ نُهَجَّرَ وَنَشْرَبَ العـَذَابْومعنَى أنْ نُشَرَّدَ وَأَرْضُنا خَرابْومعْنى أَنْ نَضِيعَ في غَمَامَةَ الضَّبَابْ)
كما نلحظ تراكم الأفعال الدّالة على حركة مكثّفة في النّصّ الشّعري تبيّن لنا المظهر الجماليّ كالأفعال (يُوَرِّدُ، يُضَمِّخُ، يُعَطِّر، يُرَتِّقُ، يُعـَتِّقُ). وهنا نشهد تأثير الطّبيعة في اللّغة الشّعريّة الّتي تحيلنا إلى ربيع يفتّش عنه الشّاعر في الواقع.
(أتعلمينَ ما الذِي يُوَرِّدُ الفصُولْوما الذِي يُضَمِّخُ البريق في البِحَارْوما الذِي يُعَطِّرُ مَوَاسِمَ الكَلامْوما الذِي يُرَتِّقُ الجِراحَ فيِ المحَارْوما الذِي يُعـَتِّقُ سُلافـَةَ الحَرامْجُنـُونُنَا اللَّذِيذْيَقِينُنَا المُمَزَّقُ عَلَى ذُرَى الفِطامْوأَلْفُ ألْفُ مَوْتـَةٍ يَرُجُّهَا احْتِضَارْوبَعْضُ مَا نُخَبِّئُ لِرِحْلَةِ الغَرامْ)
كذلك الأفعال (نطلب، نَسْأَلُ، تَسْتَحِي، يخَجْلُ، يُحَدّقُ، ينْثُرُ)، دلالة على تتابع الأحداث وتدرّجها، وتبلور الرّبيع الحاضر في ذهن الشّاعر وانفصاله عن ماهيّته الأصيلة.
(أتعْلَمِينَ كيْفَ صِرْنا نَطْلُبُ الُمحَالْونَسْأَلُ الضِّياءَ أنْ يُعاشِرُ الظلامْوتَسْتَحِي النِّساءُ مِنْ بُرودَةِ الرِّجالْويخَجْلُ الصّغارُ منْ تَفاهَةِ الكِبارْيُحَدّقُ الجَرادُ في شَرانِقِ الغُصونْواللّيْلُ بِالمعَاوِلِ يُمَزِّقُ النـَّهَارْوينْثُرُ الرَّمادَ في مَحاجرِ العيُونْربيعُنَا حُطامْ .. وَعُمْرُنا رُكَامْ)
ومن سمات جماليّة اللّغة الاستفهام الّذي نستدلّ من خلاله على الحوار الذّاتيّ للشّاعر الّذي يعرب عن ألم ولوعة، سواء أكان هذا الاستفهام إنكاريّاً؛ ليثبت للمتلقي حزنه وألم، أم كان تقريريّا ليثبت حقيقة ما يرى من وجع الواقع الأليم.
(أهذه حياتنا أم نحن في ضياع/ أهذا حلمنا الذي من أجله نباعْ)، (لماذا تكبر جراحنا ويأفل القمر/ هل نحن يا ترى حقيقة بشرْ)، (لماذا كلّما ضحكنا نذرف الدموع)، (لماذا كلّما ضحكنا نذرف الدموع)، (وحلمنا الذي ارتكبنا هل ترى يؤوب ؟)، (أحلمنا يموت يستبيحه الغروب ؟). هذه الاستفهامات المتتابعة أوضحت مونولوجاً داخليّاً في نفس الشّاعر بسبب الهموم الّتي تسبّب بها ما ظُنّ ربيع مزهر.
– الصّور الفنّيّة:
تتحقّق جماليّة النّصّ الشّعريّ عند الشّاعر شكري مسعي في رسم الصّور التّشبيهيّة الّتي مرادها إظهار الحالة النّفسيّة الّتي خضع لها الشّاعر أثناء كتابة القصيدة:
(يا أيّها الخريف..لماذا كلّما نطقتَ تصفع الشّجرْوتذبح الغصون، والورود والزّهرْوتشرب الرّحيق من عصارة المطرْوتغرق الضريرَ منّا تدهس الضّعيف)
لقد خلق لنا الشّاعر في هذه الصّور حالة القمع والظّلم والتّسلّط والقتل. فشبّه الخريف بهمجيّ إرهابيّ يتعدّى عمداً على كلّ ما هو رقيق لطيف ضعيف وبريء، وكأنّي به عدوّ محارب للرّبيع المتمثّل بالشّجر، والورود، والزّهور.
كما ترد في القصيدة الصّور المؤرّخة للواقع، وبها يلعب الشّاعر دور الشّاهد على مآسي الواقع فينقله كما هو للقارئ حتّى يتشارك معه في النّقمة على الأزمة والحزن والاغتمام.
(كأنّني ألامس مواكب الرّحيلوأنظر من شرفتي وأسمع العويلكأنّني أرى الدّموع تهمي في التياعووجه أمّي في الظّلام يشرب الدّموعتلوّح بشالها .. بكفّها العليلوصوتها الممزّق يلوذ بالشراعويقتفي المجاذف وينخر القلوع)
كذلك الصّور التّشخيصيّة المراد منها توظيف عناصر الكون في الوجع والألم بإدخال الإحساس إلى ماديّتها تعبيراً عن فظاعة الواقع ومرارته (والبحر قد تثاءب يمدّ ناظريه/ واللّيل قد جثا هنا وأطبق الضّلوع). وحفلت القصيدة بالكثير من الصور البلاغية التي تداخلت فيها عناصر التجسيم والتشخيص إلى حد صياغة الصور المركّبة، ومن تلك الصّور (وما الذِي يُضَمِّخُ البريق في البِحَارْ؟/ وما الذِي يُعَطِّرُ مَوَاسِمَ الكَلامْ؟)، فجعل الشّاعر المعنويات محسوسة ليقرّبها إلى ذهن المتلقي، كما أنّ هذه الصّور مكّنته من إضفاء الرّوح الجماليّة الشّعريّة، فرسم الشّاعر لحروفه لوحته الخاصّة.
– الموسيقى الشّعريّة:
تشكّل القوافي جزءاً مهمّاً من الموسيقى الشّعريّة وتمنحها إيقاعاً يستمتع به القارئ وكأنّي به يصغي إلى معزوفة موسيقيّة. تنوّعت القوافي في قصيدة "ويكبر المحال" ولم تتركّز على قافية واحدة:
(أتعلمينَ ما الذِي يُوَرِّدُ الفصُولْوما الذِي يُضَمِّخُ البريق في البِحَارْوما الذِي يُعَطِّرُ مَوَاسِمَ الكَلامْ)/(لماذا تكبر جراحنا ويأفل القمرهل نحن يا ترى حقيقة بشرْوعمرنا ممزّق نراه يُحتضَرْ)/(لماذا كلّما ضحكنا نذرف الدموعوكلّما فرحنا وابتسمنا للضياءتعيدنا النهاية لموسم الرجوعلحزننا .. لموتنا .. للحظة الشقاء)
وإن دلّ هذا التنوّع على أمر فهو يدلّ على حالة الشّاعر النّفسيّة، والحالة الشّعوريّة الذّاتيّة الّتي من خلالها يتّضح لنا إيقاع الألم القائم في نفسه، وتراكم الأفكار والعواطف ممّا يساعده على التّعبير ويمنح القصيدة بنية جماليّة إبداعيّة. لقد أفصح إيقاع القصيدة إيقاع الشّاعر الدّاخليّ ونقل لنا حركة مشاعره، كما هواجسه وهمومه وبعض من الأمل المفتوح على الفناء الفريد.
(أتعلمين أيّ شيء يمنح الخلوديقيننا بأنّنا نموت في سجودللحظة تعيدنا إلى ذرى الشرودإلى ضياعنا وشوقناإلى الفنا الفريد...)