الأربعاء ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

سفر الغياب

علي أحمد حسين الشوابكة

الطفلة الشقيّة التي سرقت آخر حبّاتِ السوس من دكان قلبي وفلّت...
لم أنتبه
لا أذكر إلاّ طفلةً تسألني:
بكم هذا (الثوث)؟
كيف أستعيد حبّاتِ (الثوث) وقد سلكن دروبا من دمها الخفيف
لم يزل العمر
في بحث عنها
مااقترب من مداراتها
إلاّ وصار ساذج الأطفال وأغباهم..
هي كونه الوحيد...هي شمسه الوحيدة...
وردتُه...حليبه اليومي...
وهي مداه الحرُّ
ياحضنها الرحيب
تشرق دنياه إذا ناغته ساعة الفجر الندي...
وإما ألقمته لهّاية الأطفال؛
لاعينان إلا عيناها الحزينتان
إذ تمدّان خيطا لايُرى إلى قلبه
ولايدان إلا يداها
لهٌ الليلُ الطويلُ
والأحلامُ القصيرةُ لهُ
ويحها الناصية مكتظةٌ بالقوانين والبعد والمسافات
لكنها الأحلامُ فوق القوانين
نثرَ على غفوي فُلاًّ وياسمين
أصابعُهُ النورُ دَرَجت على وجهي
واختبأ خلف الياسمينة البعيدة
وركضتُ وراءَهُ
بلا أنا
إلاّ من ورقةِ التوت
نبضًا على نبضٍ من التيه
دلّ عليه فوح الياسمين
ياشهقة العجيّ الضحوك!!!
هي الأحلام فوق القوانين
وألقى إلى لهفي سلّةَ التينِ المعجونِ بشهدٍ باردٍ من تيكَ الجبال
ودحرجَ على وجهي رمّانا يقطرُ خمرا
والحافيتانِ قدماه ُتهرسانِ عنبَ الشام جدولاً من نبيذ
وكانت موسيقى الآه فوق القوانين
يا كونًا من الفاكهة ألثمها وتقضمني وتلثمني وأقضمها
حتى سقطت شمسُ الضحى بيننا
هرب الليلُ
هي الأحلام قصيرةُ جدا
وإن ظلّت فوق القوانين
أعدني لنافذةِ الروحِ
فلقد تهتُ ذرعا
أينهُ شغبُك الطفوليّ كل يومِ؟
أينه شهدُ لثغك اللغوي؟
أعدني هنيهةً
أصطبي من قضبانها فُتاتَ روحي
نسيتها هناك حنّاء على كفّك المجروحِ
كفاني
أعُدُّ رمالها البيد
وتطوافٌ فوق المدائن
أتبع فوح الياسمين
لست أراك فاكهة المواسم
ولاشرابا معتّقَ البوحِ
أقبّلُها التوبةَ
فاعذرها انفلاتات روحي
عادوا إلى منازلهم في الغياب
تركوا لي وسم القبيلة
ومسافاتٍ من الوجد أرهقها حنين وشجن
حتى أرواحهم أسراب الحمام
(هججنَ هجيجَ الصيد)
كأن لم يكن بيننا خبز وملح من افتراض
وورودٌ بلا عطر
و صمتٌ حلو المذاق
ومدٌّ وجزرٌ من صدق الكلام
وهههههه سافرةُ القناع
هل آيتي أن أكتمَ غباءَ النّبضِ؟
أن تنتبذَ روحي زجاجةَ بُعد/فَقد
أياالرئامُ الجافلاتُ
ماذا بَعد؟
معفّرُ اللهفة لكنني
ماسرقتُ خوخًا من بساتينكم
وما جسّت يداي
من رمانكم وتينكم
ولست الذي كسفتها شمسَكم
ولم أعترف يوماً أن الأسودَ لونٌ
ليعثِّرَ الليلُ همسَكم
قتلني الجفلُ
ولستُ أقتات ُعلى ألمِ الرئامِ الجافلات
يمرُّ بسوق ِعِطارةٍ بالشهباء
احتارتِ السُّوقُ
بخلطة ِمَزَاجِهِ
أراه الآن َيكمش بأطراف حنّائه
من كل زوج بهيج
رمقني بالغمض
وطرن الزاجلات ُإليّ
: هاتِ عمرَكَ منذُ الآنَ بين أطراف حنّائي
عشرينَ أصغّرُهُ من شهد ِرضابي
وأكبّرهُ عشرينَ بعلقمٍ من غيابي
طللنا قبل الشمس
فنهدهدَ خاطرَ الجوريّ
ونقبّلَ عن وجنتيه الندى
ألقى في البحر مَرهَمَ فطامي
ربّما ابتاعه من سوق عطارة بالشهباء
فألقيت كدر الليالي في الفراغ البعيد
ماعاد لعويل الفطام وأنينه صدى
تطوف روحه كل المدائن
وفوق مدينتي يهدي غيمها التشرينيّ
هطلا شهدا فاض فوق ابتسام المدى
وماذا نبضُك فاعلٌ؟
وما يفعل مفطوم الليالي؟
وبه بداوةٌ
سيشطٌّ فوق اللِّجام
سيلثمُ كل هتوفٍ
ويطرقِع ُهدأة البال
ويعود إلى دفتر الأحلام
عادوا إلى منازل الغيب
فتاهَ كلُّ أثرٍ لرحلة الصيف
أنكرت الفيزياء كل القوافل
وأنكر الصدى لحن حاديها
نغّصوا ثرثرة النبيذ الأخيرة
تشردق بانتشائه
أكلوا نومه كاملا
فطلعت بين يديه شمس فاترة
مكتظٌّ بالغآئبين
تجمّدرجَعُ قهقهاتِهم بين أصابعي
تمرُّ بحزني ثرثرتهم دخانا يلتحق بالغيم الشارد
ليس لي إلاعبيقُ ياسمينهم انبلاجَ الصبح
وأحمرُ تفاحِهم يصبغ نبضي
سدّوا كلَّ بابٍ مماكانوا يسطرون
ومرّوا عن قمحي الحورانيّ مأخوذين بالزوان
فتشردقت سنبلاتي بالضحك البكاء
ودهنوا نوافذهم بالليل القاتم كيلا يصطبي قلبي إليهم
أو يسترقَ فُتاتَ الذكريات
عفسوا دحنونته الندية قبل إيناع
تُقطِّع ُقلوبَ القوافل
حين أنّت أنين الفطيم
هاكمُ صلصال َيميني حافنة الدمع
بين أصابعها مفازاتٌ من فراغ
كالبحر
لمّا غافلَ الغروب الخجول
لملم ّأطرافَ موجِه
وغاصَ في عينِ الغموض
لفّعَ نياط َقلبي بملامحِ وجههِ التي سمعتُها
وألقاها هناك
ولا أعرفُ ما هناك!!!!
أنكرَ كلَّ ضحكاتِه التي رأتني
مااسترقتُ منه إلاّ آهًا وحيدة
أملّحُ بها خبزَ الذكريات
وتمرّ بي المساءاتُ الثقيلة
ولم أزل حاطًبا أُفُقَ الغيب
بفأسٍ من النأي الصّموت
وأمسحُ عن جبيني حروفي الغبيّات
وبي حُبْسَةٌ قديمةٌ
عن الكلامِ
عن الهُيامِ
عنِ اشتهائي
عن الأحلامِ
والإِ قدامِ
وحين أخرج على حُبْسَتي
أمشي على رأسي
ولا أملك إلاّ وجهاً من ابتسامِ
ويدينِ لاتطولانِ
في فضاء الله تشبّرانِ
بهما:
إبهام ٌيجيدُ الإمضاءَ على كلّ شيء والكشط
وسبّابة ُالتوحيد
والوسطى أُومِىء بها للتافهين
قالت لي صغيرتي ذاتَ لومٍ:
أبتِ أنتَ مخلوقُ من خيال!!!
فقالت لها دموعي
وخفقةٌ من ضلوعي:
أنا مُلصَقٌ من الورد من غير عُطْر
أنا مُلصَقٌ من نار بلا دفء
أنا مُلصَقٌ لشمسٍ تأبى الشروق
أنا مُلصَقٌ لغيمةٍ حبلى بالوعود
كل شيء آيلٌ للوهم
إلاّ وجهك ياالله
بي طفلٌ يتفيأ ظلاله
ركب رأسه العاطفي
وزلاجته ذات شتاء
يتبع آباد ضحكاتها
حتى الآن لم يعد
المصطفُّون على باب كهفك البعيد
ترتطم عيونهم الطالعات بجدارن العتمة
نشيدهم الموحّد غائر
في بئر صامتة
يأخذهم السبات
ونمل الأسئلة يأكل ماتبقى من جماجمهم
: لمَ شمسُك معصوبةُ العينين؟
بمَ تخنق صوتك في الميازيب؟
تمتمت لي من كهف بعيد الغموض
أنتَ كلُّ شيءٍ لا أكثر
لا أملك حدود وجهي فأرسله إلى صوم شفتيك
ولاأملك حرّان َهمسي فأحرقَ به ماتبقى من فؤادك
شربتَ رحيق روحي في كؤوس الحروف الندية
ألم تثمل نبيذ قصائدي؟
ألم أكن غيبك في فاكهتي المجففة
هاؤمُ
المُصْطَفُّونَ على بابي
الطالعات ُعيونهم ترقّبُ غدوي وروحي وبوصلة حرفي
لهم قلوبٌ أحركها كيفما أشاء
أبصر بوحهم ولايبصرون
همُ لاشيء ....ولا أكثر
غيمةٌ فوق سيناء
أغدقت عليّ بودق اليقين
كانت روحها...
وقالت لي:
مكحّلُ العينين
أمْ شحوبُ الفِراقِ مَكْيَجَ تي الجفون!!!
يا شهدًا من شفتيكَ دوائي!!
وعلى غرغرة العام
ذاب الكلام
مات أجمل ُ الأفعال
الكلام
قتلتَ أجملَ الأفعالِ
كلامي
أقمْ كيفما شئتَ قلاعَكَ
من الأيامِ
وسورَكَ البابليّ
وجدارَكَ الفاصل
بهما لامسْ زرقةالسماء و(حقوق الخيال)
وافرضْ طوقَكَ على همسي وبوحي
أنا من عميق صمتي المعزول
يتفلَّتُ على طريق القوافل إليكَ
كمأُ هُيامي
بك طفل ساذج جدا
 وإن امتصّ الدهر نبيذ وجنتيك-
ليل يتسلل الغفو إليه
يغمر رأسه بدفء الغطاء
كي لايفقهوا قهقهة التنهيد
وأن لايفهم دمعه أحد
فالطفلة التي ماشاف وجهها عند الغيم
كانت تقفز فوق الغيم
وتسابق كل الغيم
تاهت عن عينيه هناك
وكان
قد
قَ طَ فَ لها
نجمة

علي أحمد حسين الشوابكة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى