![](IMG/img_trans.png)
![](IMG/img_trans.png)
ساعة على الطريق
منذ أن وطأت قدماي تلك الأرض، أدركت أنني بأرضٍ عربية ذات طابع مميز و جميل، رغم أن الوجوه التي شاهدتها لا تدلّ على أنها عربية الهوى، أدركت في ذلك الوقت أنني أجلس وحيداً لا أملك سوى محفظتي و قلمي و عدة أوراق اختارت لنفسها لوناً غريباً كذلك اللون الذي يطوق أرض بلادنا العربية.. هناك بعيداً خلف الشمس.
جلست أحدق بالمارين و التقط أنفاسي التي أيقنت أنها في آخر العمر، أنظر إليهم بغرابة لم أجد نفسي يوماً عليها، أيقنت حينها أن الشعور الذي ينتابني في تلك اللحظة هو شعور بالحنين و العشق لأرضٍ عشقتها عن دون بقاع الدنيا، أيقنت أنني بأمس الحاجة لأن أتكلم العربية، لأن أصرخ و أقول أنا عربي.. أنا عربي.
جلست على كرسي الإنتظار، أنتظر ذلك القطار الذي سيعبر من نقطة لا أعرف هل كانت نقطة بداية أم نهاية و إلى أي الطرق ستأخذني ـ بالرغم من أنني كنت سأتجه إلى جزيرة لا تنتمي لمكان و لا تحيطها و لو قطرةُ ماءٍ واحدة، أمسكت قلمي و بدأت بالكتابة، دون أدنى معرفة و دون علم مني، باغتني القلم و كتب بمنتصف الورقة الأولى.. مكانك ليس هنا، و لن تستطيع العوم.. مكانك في أقصى الشرق البعيد.
لم أفهم تلك الكلمات و أدركت أنني أعيش في حلمٍ بعيد، و أنني لا أملك في هذه اللحظة شيئاً من مشاعري، فهي هناك بعيداً معها، تجلس بمحاذاتها و تناجي جبالها و سهولها و أنهارها..
على غفلة ؛ صاح صوت من بعيد و قال سأغني لكِ يا صغيرتي أغنية لفيروز لتنامي، و لتذكري دوماً أنك عربية، لا و لن تخجلي لكونك عربية يا حبيبتي، فما نحن إلا كتلك الأشعة التي تطلقها الشمس في كلّ صباح، و كضوء القمر في المساء.
صحوت من غفوتي ألتمس زجاجة الماء التي أحملها، و أنظر بلهفة المشتاق من حولي، أبحث عن مصدر ذلك الصوت، فما وجدت إلا بضع ذراتٍ من تراب كنت قد وضعتها في إبريق شاي قديم تطرزه بضع كلمات:
"عربي،
وتعويذة الجحيم
والصلاة،
و مقصورة الحريم
و دمٌ يسدل الستارة.."
أيقنت حينها أن ذلك الصوت ما هو إلا إنطباعٌ و إنعكاسٌ لما في قلبي وجوفي من حنينٍ لأرضي العربية، ما هو إلا شوقٌ كبير لن يتصوره إلا الخارج من بيته بحثاً عن تراب!!
سأبقى كذلك لأنني لا أعرف العوم..