

رُقي، وتمائم
(1)
فَرَّ الحِصانُ وَهاجَرَت مُدُني: أَبي
ما عادَ خَلفَ جِدارِنامَنْ يَذكُرُ الوَجهَ الَّذي خَلَّفتَهُ في الصَّيفِ يَوماً ها هُناتِسعينَ عاماً أَو يَزيدْما عُدتُ أَذكُرُ مِنْ تَفاصيلِ البِدايَةِ غَيرَ وَجهٍ عائمٍبَعضَ السُّطورِوَأَحرُفاً عَرَبيَّةً رَدَّدتُها مُنذُ الطُّفولَةِحينَ كُنتُ أُلاحِقُ الرِّيحَ الَّتي كانَت تَفِرُّ كَأَنَّهاأُنثى الفَراشِوَليلَةًنامَ الرُّواةُ فَأَيقَظتنيحِصَّتي مِمّا تَرَكتَ عَلى الهَوامِشِ لي"يَقولُ الزّيرُ "هَل كانَت عَلى سَفَرٍ مَعيأَم أَنَّني خُنتُ الحِكايَةَ كُلَّها ؟يا أَيُّها الوَلَدُ المُسَجّى بَينَنافي الصُّبحِ يَنحَسِرُ الظَّلامُوَتَحرِقُ الشَّمسُ العَنيدَةُ خُبزَناما بَينَنا بابٌ ، وَأَنتَ ، وَصَمتُ هذا اللَّيلِ ، وَالشُّباكْزَيتونَةٌ كانَ اسمُها حَسناءَ تَحمِلُني عَلى أَغصانِهاوَتَطوفُ بي أَرجاءَ بيتِكَ يا أَبيوَالآنَ حينَ أُغادِرُ البَيتَ الَّذيقَرَأوا عَلى أَبوابِهِ مِمّا تَيَسَّرَ مِن كَلامِكَ مَرَّةًأَبكي عَلى حاليلا شَهوَةٌ لِلمَوتِ بيلا شَهوَةٌ بي لِلحَياةِ وَإنَّماهيَ شَهوَةٌ كَي أَستَريحَ عَلى جِدارٍأُسنِدُ الرأَسَ الَّذي قَد مالَ خَلفي خِلسَةًوَكَأَنَّهُ طَلعُ السَّنابِلِ آخرَ الصَّيفِ الحَزينْالبابُ يُفتَحُ ، تُفتَحُ الآفاقُلا نَهرٌ وَلا مُدُنٌ تُعَلِّمُني بَياضَ الياسَمينْهيَ سَطوَةُ اللَّيلِ الَّذي ما زالَ يَكبُرُني بِعامٍكُلَّما أَخطو إلى الآتي يُسابِقُني، فَيَسبِقُنيبابٌ تَفَتَّحَ مِثلَ بابٍ في الجَحيمْالأَرضُ ماءٌ راكِدٌلا شارِعٌ يُفضي إلى ما سَوفَ يَأتيلا طَريقٌ واضِحٌوَالعُمرُ يَهرُبُ حافِياً مِنّي عَلى دَربِ الحِجارَةِ وَالحَصىما عُدتُ أَحمِلُ في كَلامي أَحرُفَ التَّسويفْ:(سينُ البَقاءِ)(وَسوفَ) تأخُذُني إلى ما سوفَ يَأتيما عادَ إلا (كانَ) في لُغَتيتُؤرِّقُني ، وَتَفضَحُنيوَتَصنَعُ مِن بَقايا العُمرِ خيطاناً، وَأَوراقاًلِكَي يَلهو بِها وَلَدٌ بُعيدَ العَصرِ فَوقَ الشُرفَةِ الزَّرقاءْأَتَعودُ يَوماً مِن دَهاليزِ الطُّفولَةِ كَي تُعَلِّمَني حُقوقي في الرِّثاءْ؟- مَن ماتَ ماتْهيَ هِجرَةٌ أُخرى- في الصَّيفِ عَلَّمَني بَحيرَةُ كَيفَ يَأسُرُني الجَمالُوَكيفَ تَحمِلُني الرِّمالْلا غَيمَةٌ إلاّ عَلى وَجهِ النَّبيِّ وَصَحبهِقالَ الحَزينُ وَكانَ يَمضي جائعاً نَحوَ السَّماءِوَلَم يَكُن في بَيتِهِ إلاّ رَغيفٌ مِن شَعيرٍ يابِسٌفي لَيلَةِ الإسراءِ قالَ مُداعِباً:هذا طَعامٌ لِلبُراقِ فَرِحلَتي يا أُخوَتي لا تَنتَهيرَحَلَ الغَريبُ مَعَ الرَّحيلِ وَصارَ غَيماً ماطِراًوَبَقيتُ وَحدي مِثلَ ساقٍ يابِسٍلا ماءَ يَروينيتَمُرُّ قَوافِلُ الأَطفالِ بيوَكَأَنَّني حَجَرٌ يَنامُ عَلى الطَّريقْمَن يَذكُرِ الأحلامَ يَذكُرْني عَلى ظَهري صَليبٌ مِن رَصاصٍ ذائِبٍحَلَّقتُ عُمراً وَانكَسَرتْوَبَنيتُ مِن عَظمي بُيوتَ الفاتِحينْمَن يَذكُرِ المَوتى سَيَذكُرْني عَلى بَوّابَتي وَحديأُهَدهِدُ قَلبيَ المَكسورَأَجلِسُ بانتِظارِ المَوتِأَسأَلُ عاميَ التِسعينَكَم يَوماً مَضى مِن عُمريَ المَسكونِ بِالأَوجاعِ وَالآلامِيَسأَلُني: تَعُدُّ العُمرَ بِالسَّنَواتِ والأَيامِ؟مَرَّ العُمرُ مِثلَ سَحابَةٍ في الصَّيفِفَاذكُرني هُنا في بابِكَ المَوصودِ في وَجهيأُنَقّي ما تَبَقّى مِن حَصىً في عُمريَ المَسكونِ بِالأَحياءِ وَالمَوتىوُجوهٌ تَعبُرُ الطُّرُقاتِ لكنّي أَراها كُلَّها طَيفاً يَمُرُّ كَأَنَّهُ بُقَعٌ مِنَ الألوانْ-2-َقد جِئتُ مِن بَلَدٍ بَعيدٍ حافِياًوَالماءُُ خَلفي مالِحٌفَلتُسقِني مِن ماءِ بَيتِكَ جُرعَةً- مِن أَينَ أَنتْ؟-مِن أَوَّلِ الجِهَةِ الَّتي أَسنَدتُها بِالرَّملِ يَوماً فَاستَحالَت مِثلَ رَملِ البَحرِ رَملاًحينَ هاجَ الماءْ-أَتُحِبُّها؟- حُبَّ الوَليدِ لأِمِّهِما عادَ في قَلبي مَكانٌ لِلمَزيدْكَالماءِ في كَأسٍ مَليءٍ حُبُّها-كَيفَ استَحالَ الحُبُّ رَملاً حارِقاً؟سَيّارَةٌ مَرَّت عَلى بابي لِتَسأَلَ جُرعَةً مِن ماءِ زَمزَمَ وَاستَراحَت ساعَةًوَتَساءَلَت :أَيُّ النِّساءِ أَشَدُّ كَيداً يا بُنَي؟قُلتُ الرِّجالُ أَشَدُّ كَيداً حينَ تَقتُلُهُم رِياحُ الغيرَةِ السَّوداءْضَحِكَتْ وَقالَت أَعطِني بَعضَ القِماشِ هَديَّةًهذا الَّذي أَنجَبتُهُ تَرَكَ النِّساءَ جَميعَهُنَّ وَماتَ في حُبِّ الَّتيقَد أَخلَصَت دَهراً لِزَوجٍ زاهِدٍأَعطَيتُهالكِنَّني بَعدَ العِشاءِ وَجَدتُ ما أَعطيتُها في بَيتِ عِشقيفَظَنَنتُ بَيتي صارَ عُشّاً لِلبِغاءِقَتَلتُها مِن دونِ ذَنبٍ واضِحٍ-خَدَعَتكَ عابِرَةُ السَّبيلْ!!-وَقَتَلتُهامَرَّت عَلى بابي وَقالَت فاتَني وَقتُ الصَّلاةِفَهَل أُصَلّي يا ابنَتي في صَحنِ دارِكِ رَكعَتينِتَوَضَّأَتصَلَّت وَنامَت ساعَةًتَرَكَت عَلى سِجّادَتي تِلكَ الهَديَّةَ خِلسّةًوَتَسَلَّلَت مِن شِقِّ بابي كَالهَواءْلَم أَستَمِع لِنِداءِ قَلبي حينَهاوَقَتَلتُ حُبّي-مَن يا عُطيلُ يَقولُ إنَّكَ مُتَّ فينا كاذِبٌ!!-أَسَألتَني؟-حادَثتُ نَفسي لَحظَةً وَسَأَلتُهالكِنَّني أَسقَطتُ عَن نَفسي الجَواب-3-قَد جِئتُ مِن بَلَدٍ بَعيدٍ حافِياًلأِعودَ في هذا المَكانِ مَريضَةً-في اللَّيلِ يَسكُنُنا الظَّلامُوَتَهبِطُ الذِّكرى وَيُبكينا الكَّلامْ-مِن مِصرَ أَنتْ؟-مِن مِصرَ والشَّامِ؟-وَالبابُ لَكْ؟-هُم خَلفَهُلكِنَّني ما زِلتُ أَحرُسهُ مِنَ الأَيّامْ-وَمَريضَتي؟-عادَت إلى عُشِّ الحَمامْنامَت عَلى كَتِفِ الغَريبِ وَأَثمَرَت طِفلاً يُبَشِّرُ بِالسَّلامْ-هَل كُنتَ تَعرِفُها طَويلاً؟-في اللَّيلَةِ الظَلماءِ كانَت تَرتَوي مِن غَيمَةٍ زَرقاءَ أَعصِرُها بِكَفّيثُمَّ نامَت في فِراشي سَبعَةًلكِنَّها حينَ استَوى قَمَرُ الشَّمالِ تَناثَرَت ، وَتَكاثَرَتصارَت شَظايا في الدُّخانْ-4-كُلُّ الفُصولِ تَبَدَّلَتكُلُّ النِّساءِ تَرَكنَ أُمّي حينَ فاجَأها المَخاضْأُنثى هي المَولودَةُ الصُّغرىمَوءودَةٌ ما زالَ فيها بَعضُ نَبضٍ كَي تُزيلَ بِكَفِّهاحينَ استَقَرَّت في غَياهِبِ قَبرِهاما ظَلَّ فَوقَ بَياضِ لِحيَتِكَ الطَّويلَةِ مِن غُبارٍحينَ كُنتَ تُهيلُ – يا اللهُ ، في القَبرِ الَّذي فَرَشَتهُ ريشاً مِن جَناحِ حَمامَةٍ-كَومَ التُّرابْهَل تَكبُرُ الأَحلامُ يا أَبتاهُ في قَبرِ الصَّغيرِ وَتَرتَقي مِثلَ الطُّيورِ إلى السَّحابْ؟!هَل تَتعَبُ الأَحلامُ مِن رَأسِ الصَّغيرْ؟!هَل تَشتَكي؟!هَل تَدخُلُ الأَحلامُ في عُشِّ الغُرابْ؟!-5-كُلُّ الفُصولِ تَبَدَّلَتاللَّيلُ يَأتي في الخَريفِ كَأَنَّهُ ثوبٌ لِروحٍ تَسرِقُ الأَحلامَ مِنّاوَالرَّبيعُ كَأَنّهُ نارٌكُلُّ الفُصولِ تَبَدَّلَتوَالبَيتُ بَيتُ الفاتِحين-غُرَباءُ نَحنُ وَأَنتَ تَسكُنُنا كَأَنَّكَ ما تَرَكنا في المَرايا مِن حُطامٍ يائِسٍمِن مِصرَ جِئتُ لَعَلَّني أَبني عَلى أَرضِ الحُروفِ قَصائِديهَرَماً يُدفِّئُ جُثَّتيفَوَجَدتُ نَفسي أَحرُسُ الأَحلامَ في بَيتٍ مِنَ الفولاذِ يَسكُنُهُجُنونُ الخَوفِ مِن كُتُبي وَأَشعاري-وَأَنا المُكابِرُ جِئتُ مِن أَرضِ الحِجازِ لَعَلَّنيأَبني عَلى ماءٍ لِطِفلي قِبلَةًفَأَضَعتُ طِفلي، قِبلَتي- وَأَنا الشُّموعُ تَكاثَرَت حَولي الرِّياحُ فَأَرَّقتني سَبعَةًقَد جِئتُ مِن كُلِّ البِلادِ لأِحتَميبِجِدارِ حَرفٍ في دُعاءِ الصّابِرينَفَأَوقَفوني في مَهَبِّ الرّيحِ عُمراً كَي أُصَلّي لِلرِّياحْ-وَأَنا المِدادُ أُفَتِّشُ الكُتُبَ الَّتي تَرَكَت أَياديكمفَيَقتُلُني البَياضْ-ماذا تَبَقّى مِنكَ يا وَطَنٌ يَعُضُّ عَلى النَّواجِذِ وَالهواءْ؟؟- غُرَباءُ مِن كُلِّ البِلادِ استَوطَنونيوَأَنا أَبيكُنتُ ابتَعَدتُ عَنِ النِّساءِ وَلَم يَعُد في جُعبَتيإلاّ الرِّثاءُ وَدَمعُ أُمّي وَالصَّلاةْما عُدتُ أَذكُرُ غَيرَ قارِئةٍ تَمُدُّ الكَفَّ بِالفِنجانِتُغريني بِسحرِ اللَّيلِ ، وَالأَنفاسِتَغويني، وَتَسحُرُنيأَهُمُّ بِهاأَرى البُرهانَ لكنّيأَهُمُّ بِهاأَهًُمُّ بهاأَفِرُّ وَفي دَمي نارٌقَميصي قُدَّ مِن دُبُرٍفَهَل لي يَومَ يُحرِقُنا شُواظُ الشَّمسِ أَشجارٌ تُظَلِّلُني؟وَهَل لي يا أَبي بَيتٌ إذا ما شُرِّدَ العُشّاقُ مِن فِردَوسِهِم يَوماًسَيأويني؟أُعُدُّ العُمرَ بِالهِجراتِوَالأَمواتِ مِن قَبلي وَمِن بَعديهُنا كانواهُنا كانَت تَبيعُ الحَظَّ في الفِنجانِ لِلعُشّاقِ وَالمَوتىتَموجُ كَأنَّها وَتَرٌوَتَطحَنُ قَلبيَ المَهجورَ مُنذُ الهِجرَةِ الأولىأُفَتِّشُ عَن صَدى الأجراسِ وَالخِلخالِأَبحَثُ عَن بَقايا الرُّوحِ في الأَوصالِلا نَبضٌ سِوى دَمِها عَلى الجُدرانِفَوقَ الأَرضِ، وَالأَدراجِفي الفِنجانِلا نَبضٌ سِوى في خِرقَةٍ كانَت قَميصاً قُدَّ مِن دُبُرٍوَراءَ البابِتَذكُرُنيوَتَبكي عَودَتي جَهراً أَمامَ الصُّورَةِ السَّوداءْ-6-بَعضُ الزُّهورِ عَلى القُبورِ سَتؤنِسُ المَوتىبَعضُ النَّخيلِ عَلى القُبورِ سَيؤنِسُ المَوتىفُتاتُ الخُبزِصَوتُ حَمامَةٍ لَبِسَت ثِيابَ صَلاتِها البَيضاءَيُعجِبُني:هَديلُ حَمامَةٍ صَلَّت عَلى كَتِفيصَدى صَوتي عَلى الجُدرانِبيتٌ كُلُّهُ رَملٌ كَرَملِ البَحرِيُغريني بِشَمسٍ أَشرَقَت لَيلاً عَلى الطُرُقاتِكَي تَمشي مَعي كَفّاً بِكَفٍّ فَوقَ رَملِ البَحرِيُغريني سُكونُ الرُّوحِ يا امرأَةً تَبيعُ العُمرَ كَالتُفّاحِ لِلشُعَراءِيُغريني ضَجيجُ الَّليلَةِ الأولىفَتاةٌ أَزهَرَت كَالَّلوزِ في نيسانَ أَقطِفُها عَلى أَضواءِ قِنديلينَشيدٌ كُلُّهُ لِلبَحرِ وَالشُرُفاتِ وَالآتينَشيدٌ كُلُّهُ لِلصَّيفِ وَالطُرُقاتِ وَالأَحياءِ وَالمَوتىمَناديلٌ تُذَكِّرُني بِهَمسِ شِفاهِ مَن ضَلَّت عَلى صَدريسِنيناً بِانتِظارِ سَفينَةٍ ظَلَّت تُفَتِّشُ عَن فُتاتِ الحُلمِفي بَحرٍ بِلا شُطآنَ وَانتَصَرَتْ-7-مِن مِصرَ جِئتُ لأِحرُسَ الأَحلامَ مِن حُرّاسِهافَوَجَدتُ نَفسي ضائعاً في لُجَّةِ الأَحلامْ-فَتَعالَ شارِكني إذَن هذا الرَّغيفَ فَلَم يَعُدإلاّهُ في هذا الجِرابْتِسعينَ عاماً لَم أَزَل أَمشي وَفي جَيبي رَغيفيأُطعِمُ الأَغرابَأَنثُرُ ما تَبَقّى مِن فُتاتِ الخُبزِ حَولي لِلعَصافيرِ الَّتيتَتَوارَثُ الدَّربَ الطَّويلَ وَحِصَّةًمِن خُبزيَ المَبلولِ بِالدَّمعِ الحَزينْيا صاحِبيفَلتَفتَحِ الأَبوابَ عَلَّ الشَّمسَ تَطرُدُما أُخبِّئُ في عِظامي مِن ظَلامٍ آسِنٍفَلتَفتَحِ الأَبوابْالبابُ يُفتَحُ، كُلُّهُم أَغرابْوَجهٌ يُفَتِّشُ في ضُلوعي عَن عَجوزٍ تائهٍفي باحَةِ الدّارِ الَّتي ازدانَت بِزَهرِ اللَّوزِوَالكُتُبِ القَديمَةِ وَالحَكايا-أَغمَضتُ عَيني ساعَةًوَصَحوتُ مِن نَومي أُفَتِّشُ عَن عَجوزٍ ضائِعٍما زالَ في بَيتي فِراشُكَ دافئِاًوَرَغيفُ خُبزِكَوَالعَصافيرُ الَّتي أَطعَمتَها في اللَّيلِتَبحَثُ في فِراشِكَ عَن بَقايا الخُبزِ والأَحلامْ-البابُ يُفتَحُ تُفتَحُ الآفاقُ والقِصَصُ الَّتي ظَلَّت سِنيناًبِانتِظارِ العائِدينْشَمشونُ كانْوالزّيرُ كانَوَغَصَّةُ العَهدِ القَديمْوَأَناسَأَمضيمِثلَطَيفٍعابِرٍوَتَقولُ كانْ-حُمّى المَطر-يَنامُ الحَمامُ عَلى بُرجِ نارٍ تُذيبُ الحَجَرْهُنافي بِدايَةِ هذا الطَّريقِ العَتيقِ نِهايَةُ هذا السَّفَرْجِدارٌ مِنَ اللََّحمِمَوجُ الحَمامِوَبابٌ صَغيرٌ يَقودُ لآِخِرِ هذا النَّهارِيَموتُ الحَمامُ وَحيداًغَريباًهُنا فوقَ كَفّيكَذَبتُ أَنا يا حَمامُ كَثيراًفَروحي غُبارٌوَقَلبي كَقَبرٍ دَفَنتُ شَرائعَ بابِلَ فيهِوَكُلَّ الصُوَرْتَرَكتُ على ماءِ دِجلَةَ سَيفيثِيابيوَسِرتُ مَعَ الماءِ أبكي هُروبيحَنينيوَحيداً إلى حَيثُ أُمّيعَلى بابِ بَغدادَ قَد عَلَّقَتها أَيادي التَّتارِلِتأكُلَ كُلُّ الجَوارِحِ مِن رَأسهاوَتَصنَعَ مِنها جَواري المُلوكِ نَبيذاً لِهذا المَساءِ الطَّويلْكَذَبتُ أَنا يا حَمامُ كَثيراًتَرَكتُ وَرائي قَريباً مِنَ النَّهرِبَعضَ الزُّهورِ الَّتي أَحرَقَتها دُموعُ السَّباياوَكلباً يُمَزِّقُ لَحمَ الضَّحاياوَجَوعى يُناجونَ حاتِمَ لَيلاًفَيُطعِمُهُمْ ما تَبَقّى مِنَ اللَّحمِ فَوقَ عِظامهِ سِرَّاًوَيَخبو كَنارٍ تُصارِعُ حُمّى المَطَرْتَرَكتُ عَلى الماءِ وَجهيسَحاباً يَمُرُّ بَطيئاً وَيَمضيبَعيداً وَراءَ الحُدودِتُمَزِّقُهُ الرِّيحُتَذروهُ مِثلَ الرِّمالِتُوَزِّعُهُ الرّيحُ بَينَ القَبائلِ شَرقاً، وَغَرباًوَتَعصُرُهُ الرِّيحُ في القَحطِ ماءًفَلا يُمطِرُ الوَجهُ إلا صَديداًوَمُهلاًتَرَكتُ وَرائي جَوازَ السَّفَرْوَبِعتُ تَعاويذَ أُمّي لِبعضِ الجُنودِبِكَسرَةِ خُبزٍوَقَطرَةِ ماءٍوَخَلفي ذِئابٌ تُغازِلُ لَيلىوَرَملٌوَصوتٌ يَسيلُ حَزيناًيُخَلخِلُ في اللَّيلِ صَمتَ الصَّحارىوَريحٌ تُداعِبُ أَوراقَ هذا الخَريفِ الثَّقيلِتُداعِبُ شَعريوَتُطفِئُني مِثلَ عودِ الثِّقابْكَذَبتُ أَنا يا حَمامُ ، كَذَبتْفَكُلُّ المَسافَةِ بَيني وَبينَ حُطامِ البَنَفسَجِ كانَت ذِراعاًوَمَرفَأَ حُزنٍ بَعيدٍ،هُنا،في نِهايَةِ هذا السَّفَرْوَباباً صَغيراً يَقودُ لآخِرِ هذا النَّهارِوَقَلباً دَفَنتُ شَرائعَ بابِلَ فيهِوَكُلَّ الصُّوَرْوَصوتَ الصَّغيرِ إذا ما استَفاقَ مِنَ المَوتِ يَوماًعَلى وَجهِ طَيفٍ يَمُرُّ سَحابَةَ حُزنٍوَيَبكي تُراباًوَصوتُ الصَّغيرِ يُناديوَيَسأَلُ في صَمتِ هذا المَساءِ :لِماذا يَمُرُّ السَّحابُ وَيَمضيوَتَبقى السَّنابِلُ مِن دونِ ماءٍ ؟؟؟وَكيفَ تَكونُ الدُّموعُ سُيولاً تُذيبُ الحَديدَوَتَفلِقُ حَبَّ النَّوى وَالحَجَرْ؟لِماذا سَقيتَ الفُراتَ وَدِجلَةَ لِلغُرَباءِوَبِعتَ مُلاءَةَ أُمّي لِزوجٍ كَئيبٍلِيَفرِشَها فَوقَ عِظمِهِ في بَردِ هذا الشِّتاءِ؟لِماذا تَركتَ حِصانَكَ يَكبو؟تَوَضّأتَ مِن دونِ ماءٍوَجِئتَ تُصَلّي هُنا في العَراءِ كَأَنَّكَ طَيفٌتَحَدَّرَ مِن شُرُفاتِ السَّماءِ؟لِماذا ؟لِماذا؟لِماذا أَبي ؟لِماذا أَبي ؟* * *هُنافي بِدايَةِ هذا الطَّريقِ العَتيقِنِهايَةُ هذا السَّفَرْجِدارٌ مِنَ اللَّحمِ –لَحمي-وَموجُ الحَمامِوَفُسحَةُ وَقتٍلأَعبُرَ هذا النَّهارَ القَصيرَ وَأَمضي إليكْوَداعاً أَنايَ الَّتي أَرَّقتني سِنيناًوَداعاً أَنايَ الَّتي نازَعَتني عَلى مُلكَِ نَفسيسِنيناًسِنيناًوَداعاً أَنايَوَداعاًوَداعاًوَداعاًأَخيرْ-خطأ-أَخطأتُ بابيفي عُمرِيَ الحَزينِ مَرَّتينْفي اللَّيلِ بَعدَ غُربَتي عِشرينَ عاماًمَرَّةًوَمَرَّةًفي الأَربَعينَ حينَ كُنتُ عائداًمِن حانَةٍعِندَ المَساءْأَخطأتُ بابي مَرَّتينْلكِنَّني أَخطأتُ عُمري كُلَّ عُمريفَرَغتُ مِن أَعوامِ حُزنيمِن حِصاري في الشِّعابِكَي أَموتَ ها هُناعَلى فِراشيكَالبَعيرِكُلَّ يومٍمَرَّتينْ