الاثنين ١١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم أحمد مظهر سعدو

رواية أوتاد الأرض في جزأيها الثاني والثالث

عمل أدبي تاريخي من نوع جديد

صدر في دمشق مؤخرا الجزء الثاني والثالث لرواية " أوتاد الأرض " للكاتب الصحراوي مصطفى الكتاب ، والرواية هذه غوص في المعطى التاريخي لنضال الشعب الصحراوي ضد الاستعمار الأسباني وصولا إلى الحالة المعاصرة من حراك هذا الشعب العربي ومعاناته .

وقد قدم للجزأين الدكتور عبد الله أبو هيف بقوله : يقرأ المرء في هذه الرواية ، وهي تحقق مستوى فنيا طيبا ، تفاصيل الحياة اليومية في هذه المنطقة العربية المفعمة بقيم الأصالة والكرامة والاعتزاز القومي ، وهو يفلح إلى حد كبير في مجاوزة التبشير العقائدي الذي يباشر إعلان القيم المنشودة إلى الصوغ الفني الموحي وغير المباشر وهذه قيمة بحد ذاتها للتطور التاريخي خلال نصف القرن العشرين الأخير" .

في الجزء الثاني للرواية _ الملحمة التاريخية والتي جاءت تحت عنوان فرعي ( تحدي البدو ) يباشر الكاتب والأديب مصطفى الكتاب سردا سياسيا أدبيا تاريخيا للحالة الكفاحية للشعب الصحراوي ، من خلال عملية إغراق في السياسة على حساب المسألة الاجتماعية في بعض الأحيان ، لكنه إغراق سلس ، ويشد القارىء ، خاصة عندما يرصد طبيعة العلاقات اليومية بين الأصدقاء ( السالك – حمودي – تفرح – نجاة ) وهكذا .... وقد كانت الرواية صريحة جدا في إبراز دور بعض العملاء الصحراويين المدانين اجتماعيا ، والذين تجسسوا على شعبهم المكافح لصالح المستعمر الأسباني ، وقد فضحتهم الرواية بكل صراحة .

كما وقفت الرواية عند مسألة العروبة ، وتساءلت على لسان بعض أبطالها ، وهو تساؤل مبكر بعض الشيء عندما قال (حمودي ) : كيف سنلتحق بركب العروبة ؟ وقد لمحنا أيضا موقفا ايجابيا من المغاربة وكان واضحا في بعض الأحيان .

أبرزت الرواية الإشكال الطبقي لدى المجتمع الصحراوي بالحديث عن ( خيمة العبيد ) ودور العبيد ، ثم الانتقال عبر الثورة إلى إنهاء حالة العبودية ليصبح الناس سواسية في الثورة الكفاحية للشعب .

الأسبان كانوا حاضرين بقوة سلبيا كمستعمرين وايجابيا مع ( كارمن ) وسواها الذين حاولوا أن يساعدوا الشعب الصحراوي .

كما توضحت تماما قضية التعلق بالأرض وهي مسألة تبرز على لسان بعض شخوص الرواية عندما يقول أحد أبطالها : " خلعت حذائي لألامس رمل الأرض وأشعر بدفء حرارتها في الصيف " .

ولم ينس الكاتب إبراز طبيعة العلاقة بين نضال الشعب الصحراوي ونضال أشقائه في القضية المركزية للأمة ، قضية فلسطين ، وهي حالة كانت الرواية موفقة بها ، ولكأنها موجهة إلى الشعوب المغاربية للتأكيد على ربط الكفاح العربي مع المشرق وقضاياه التي يعاني منها الجميع .

الرواية تمتلك لغة وحبكة درامية متواصلة وسلسة ، وفيها قدرة على الانتقال إلى الأمكنة بسرعة دون أن ينال ذلك من مستوى السرد الروائي ، والحبكة القصصية , ويتابع الروائي غوصه في الكفاح اليومي للصحراويين في الجزء الثالث " شرارة الاحتراق " عبر انفلات حقيقي وإحساس عارم بالحالات الاجتماعية والسياسية للشعب في هذه البقعة من وطننا العربي ، ويبدو أن هذه الرواية كانت وبامتياز تأريخ اجتماعي وسياسي واقتصادي وحضاري لحقبة زمنية معينة ، فكانت استمرارا لمسار الرواية الأدبية التاريخية العربية التي بدأت مع رواية ( زينب ) ل محمد حسين هيكل ، ثم روايات ( طه حسين ) " دعاء الكروان " و" شجرة البؤس " وسواها .. ثم ظهور ( نجيب محفوظ ) برواية " رادوبيس " و " كفاح طيبلة " وهي استمرار لروايات عيسى الناعوري ، ومحمد سعيد الجنيدي ، وعبد الحميد الأنشاصي في روايته التاريخية " المجد المنحوت " عن قصة بناء وحفر مدينة ( البتراء ) .

وعندما يتناول اليوم مصطفى الكتاب الحقبة التي يشير إليها فان هذا التناول جاء على شكل حدث وحبكة قصصية في غالبها حقيقي ، وليس مجرد خيال ، فاستخدم كل جزئيات الحدث ، وأشار إلى أدق التفاصيل بما يجعل القارىء يعود إلى تلك الحقبة ويعيش جوا نيتها متعرفا على مجمل تفاصيلها ، ووقع الزمان والمكان فيها .. كانت الرواية في أجزائها الثلاثة وصف لحياة كاملة بأدق تفاصيلها وأحداثها وأسبابها ونتائجها .

والحقيقة فان علاقة الرواية بالتاريخ في المطلق هي علاقة لازمة ذلك أن الرواية – أي رواية – إذا لم تقترن بشكل ما بالحدث التاريخي فإنها تكون رواية ذهنية أشبه بقصة خيالية لن يكتب لها الاستمرار والخلود .

ويؤكد بعض النقاد على أن علاقة الرواية بالتاريخ عادة ما تأخذ مسارين اثنين : الأول بعلاقته المباشرة والتي تتحدث عن الأمكنة وأسماء الأشخاص ، وتتعامل مع الوقائع التاريخية الموثقة مثل روايات تاريخ الإسلام لجرجي زيدان ، وسيرة عنترة بن شداد ، أما المسار الثاني فهو استلهام الزمان والمكان وإسقاطه على حدث روائي أو إسقاط الحدث عليه ، وغالبا ما يكون ذلك الحدث من خيال الكاتب الذي تبرز براعته الأدبية في صهر الحدث بلغة وحس وعادات وتقاليد ذلك الزمان . ومن خلال تصاعد ذلك الحدث يتم التأريخ الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي داخل الرواية .

ولكن الكاتب لدينا اليوم يبدو أنه قد مزج بين المسارين فأنتج رواية من نوع جديد .. ذلك أن العلاقة بين التاريخ والرواية لا تنحصر في مجال التأريخ للأحداث البارزة المدونة في الكتب ، بل التأريخ للحياة الاجتماعية وللعادات والتقاليد والحب والكراهية وأنماط السلوك التي كانت سائدة في الأزمان الروائية .

وفي الختام .. ولأن العلاقة بين الرواية والتاريخ – حسب النقاد – تقوم على مبدأ أساسي وهو اقتران المتعة بالفائدة في كل عمل إبداعي ، حيث أن التاريخ وحده لا يحقق هذه المعادلة وكذلك الرواية وحدها لا تحققها ، فلا بد من الربط بين التاريخ والحدث الروائي كي تتحقق المعادلة دون طغيان احداهما على الأخرى .. وهذا ما وفق به الروائي مصطفى الكتاب عبر رواية ( أوتاد الأرض ) الملحمة الأدبية التاريخية الممتعة والمفيدة .

عمل أدبي تاريخي من نوع جديد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى