رسالة من تحت الماء..
كانت الفتاة غارقة بالبكاء وأتتني رسالتها مستعجلة اياني للحديث عن المأساة في أقرب وقت فما كان مني إلا أن أقول لها بأني جاهز للحديث في أي وقت، فاطمأنت وبدأت تسرد ما جرى.. ’’ذات يومٍ شقي أردت اللهو قليلاً مع صديقتي التي اشترت جهازاً نقالاً مؤخراً لكنها لا تعرف رقم هاتفي، فقمت بإرسال عدة رسائل قصيرة لها وإذا بي أتفاجئ بأن الرقم خاطئ وأن صاحب الرقم شاب، لم أهتم كثيراً بالموضوع لكنه بدأ يتصل كل أسبوع ليلقي السلام ويطمئن على حالي مع أني مخطوبة لشاب آخر، وهكذا بدأت القصة.. وبدأت اعجب به وكان إعجابي به يزداد مع كل مرةٍ كان يتصل معي، وتطورت الأمور لتخرج عن نطاق علاقة صداقة عابرة وكان الحافز هو أنني وجدته مثقفاً وذو شخصية متحضرة وقوية وذلك بعكس خطيبي الذي كنت أراه غير مهتم بشيء سوى التحدث عن موعد الزواج والعلاقات والمناسبات الاجتماعية، أي أنه ذو عقلية تقليدية وغير ذلك من الأمور التي لم أر أنه يجيد التحدث عنها أو انه ملم بها كالسياسة و التاريخ والادب والشعر، وهذه الامور التي افضل وجودها في خطيبي لكنها ليست موجودة ، شعرت بالانسجام التام مع ذلك الشاب وبوجود قواسم مشتركة بيننا مع أن وضعه المادي لم يكن بمستوى خطيبي ، واخذت الامور بالتطور من جهة، وبالتدهور من جهة اخرى إذ أنني أدركت بأني غير مناسبة لخطيبي و تمنيت لو انفصل عنه ، وأثناء ذلك أيضاً أدركت باني مخطئة وأنني ارتكب حماقة كبيرة لكني اعتبرتها اجمل حماقات حياتي، ومرت الأيام على هذا الحال إلى أن طلب مني الانفصال عن خطيبي ، لأن وضعي الحالي لم يعجبه كما قال، كما أن غيرته علي ازدادت مع ازدياد العلاقة متانة وتحسناً بيننا ، فوافقت بلا تردد لأنه كان قد قال لي بأنه سيتقدم لخطبتي بعد طلاقي ، ولم أشك للحظة في كلامه لأنه كان قد مضى على تعارفنا مدة طويلة وكنا قد تحدثنا عن حياتنا المستقبلية بشكل اكثر جدية ، كما أننا تكلمنا عن مكان إقامتنا بعد الزواج وعن أسماء أطفالنا ، بمعنى آخر كان الانسجام بيننا قد وصل إلى حد المناجاة !! وبالفعل تطلقت منه وأحسست بسعادة غامرة لكن بعد أن عشت حالة كئيبة جداً، لأن الطلاق ومهما كان سببه ومسببه فانه سيكون صعباً على فتاة في عقدها الثاني من العمر ، لكن فرحي لم يدم طويلاً بل ازدادت تعاستي وشقائي لأني فوجئت به يختلق الأعذار الزائفة ليعيق التطور الطبيعي لأي علاقة وهو الزواج ، لم أصدق الأمر في البداية وصدمت صدمة كبيرة .. لم اصدق لشدة غبائي الذي دفعني لأن اصبح مطلقة في العشرين من عمرها وذلك لأن نظرة المجتمع إلى المطلقة نظرة سلبية ، لم اصدق الأمر لأني أدركت وبعد حدوث الأسوأ بأني ارتكبت حماقة كبيرة وأني أعيش كارثة حقيقية بعد ما خططت لحياة رائعة ملؤها السعادة و الهناء ، لكن ذلك تبدد وهذا بفضل الأوغاد الذين جعلوا الهاتف لعبتهم اليومية ، وكم ضحكت على نفسي عندما تذكرت ذات مرة تحذيري لصديقتي عن اللعب عبر النقال وأدركت حينها بأني وقعت في الفخ وبأني ارتكبت أسوأ غلطة في حياتي ، لكن حين يهوى القلب يتوقف العقل‘‘ !!
ها نحن نسمع عن زواج عبر الإنترنت و الرسائل القصيرة ، لكننا نسمع أيضاً عن خيانة وطلاق عبره، لا أدري من المخطئ؟! أهو الشاب أم الفتاة أم خطيبها أم انه ذنب شركات النقال أو أنه ذنب التكنولوجيا ؟؟!!
لا أدري من سأناشد ؟ شركات النقال ؟! هل سأطلب منها بأن توقف خدمة الرسائل القصيرة أم انه يتوجب عليها إغلاق أبوابها أو منع المكالمات الغرامية !! ولا أظن أن مناشدة الضمائر الحية إن كانت مستيقظة سيكون بالأمر الحسن ، لا أدري لماذا تتحول وسائل الاتصالات جميعها من الهاتف الأرضي والنقال إلى الإنترنت لوسائل صيد الفرائس العصية على أوغاد الشوارع بدل خدمة الناس و المجتمع ، وتتحول الكلمات إلى بنادق توجه نحو القلوب فتقتل العقل!! وتغتال الفرح المسروق من الزمن الرديء !! لماذا لا نتعامل مع هذه التقنيات بشكل صحي وجدي وإيجابي اكثر؟! هل نحن نستهجن كل شيء جديد ونود لو نحوله لرصاص غادر ؟! أولا يكفينا رصاص" الإحتلالين " ؟!
أولا يكفينا صراعات داخلية وحروب ونزاعات حتى عبر أحدث الوسائل والطرق "العولمية"؟!
إننا نسهل الأمر كثيراً على أعدائنا ونجمّله ونضعه على طبق من كريستال !! ولمتى سنظل معجبين بالتلاعب ببعضنا البعض ؟! ألا يجب علينا الكف عن ذلك ولو لبرهة ؟! لنقف ونسأل أنفسنا أليس من الأوْلى لم شتاتنا عوضاً عن تفريقه ونشر البغض فيه ؟! أليس هذا سبب هزائمنا وضعف شوكتنا ؟!
– هذي رسالة إلى كل من يسمع ، ورجائي الحار لم أشتاتنا وتسليط قوانا على من يستحقها.
– أرجو أن لا تكون رسالتي من تحت الماء .
– أرجو ألا يكون صوتي كالقادم من تحت أعماق البحار والهزيمة معاً !!