داخل كل أسرة يوجد أزمة اسمها مراهق متمرد
«النمو البركاني» هو الوصف الاقرب للحالة التي يعيشها المراهقون في العالم العربي في الوطن العربي، والصراعات النفسية التي تعتمل بداخله ما هي إلا ضريبة مرحلة ما قبل النضج والتصالح مع النفس. ولأننا في عصر التقنية فإن الأسرة اليوم تجد نفسها في مأزق لا تحسد عليه، إذ أصبح لزاما عليها البحث عن ادوات عصرية وجديدة للتعامل معه وكسب وده، خاصة أن البيت العربي لم يعد مكانا مغلقا على من فيه كما كان في السابق، كما أن ابناء اليوم يختلفون عما كان عليه آباؤهم، لذلك تزداد حدة الصراع بين الاجيال، وهذا ما يشير اليه الدكتور فكري عبد العزيز، استاذ الصحة النفسية، بقوله :«على الاسرة ان تحترم خصوصية هذه المرحلة وتتعامل معها بنضج، خاصة ان الابناء يتلقون العديد من الرسائل التوجيهية في وقت تحتدم فيه المعركة بين الحضارات، وظهرت فيه قيم جديدة تحاول ان تفرض نفسها بقوة تحت مسميات راقية وبراقة، تداعب نقاط الضعف لدى الشباب، مثل الحريات وحقوق الانسان وغيرها من الالفاظ التي تحمل مفاهيم قد تكون مغلوطة، أو حق يراد به باطل كما يقولون، وتدفعه إلى رفض القيم القديمة لمجرد الرفض واثبات الذات».
ويتابع الدكتور فكري عبد العزيز أن «على الآباء ان يتفهموا جيدا طبيعة المرحلة التي تفرض تعاملا خاصا يستوجب الكثير من الحنكة والمرونة، وربط علاقة صداقة بينهم وبين الابناء تقوم على المناقشة الحكيمة العقلانية التي لا تخلو من حب وتفهم. لأن الحوار والمصارحة هما الوسيلة الوحيدة لعبور مخاطر هذه المرحلة».
وقد اكدت الدراسات العلمية التي أجريت في هذا المجال ان اكثر من 80% من مشكلات المراهقين في العالم العربي تقع نتيجة محاولة اولياء الامور إملاء سيل من التقاليد والعادات في شكل نصح مباشر مصحوب بالتهديد والتحذير، وهو ما يدفع الابناء الى الهروب الى عالم خاص يشكلونه حسب اهوائهم. كما اكدت دراسة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر ان 75% من المراهقين ما بين سن 11 و 19 سنة، اليوم لا يؤمنون بقضية وطنية، ولا تهمهم شؤون مجتمعاتهم ولا يشعرون بأي انتماء إليها..
وفي هذا الاطار تشير الدكتور سلوى قدري، استاذة علم الاجتماع، الى اهمية ايجاد القدوة، لأن الابناء في هذه المرحلة يميلون الى التقليد بشكل كبير، لذلك بدلا من ان تنحصر القدوة في نجوم الفن والكرة، لابد من تقديمهم إلى نماذج ايجابية أخرى، يكون لها تأثير أكثر عمقا، إضافة إلى تشجيعهم على القراءة والاطلاع وتنمية قدراتهم على الانتقاء، «للأسف يفتقد الشباب في عالمنا العربي الى القدوة ولا نجدهم ينبهرون بشخصية سياسية أو دبلوماسية أو علمية، مثلا، ولا يهتمون بعالم الثقافة والفكر والادب، فكل اهتمامهم ينصب على النجوم، والدليل على ذلك الشعبية الكبيرة التي تحظى بها برامج صنع النجوم».
أما الدكتورة مي شهاب الدين، رئيسة قسم السياسات والرأي العام بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، فترى ضرورة تكامل مؤسسات المجتمع في التعامل مع مشاكل المراهقين، فكما هناك مسؤولية على الآباء هناك دور تلعبه المؤسسة التعليمية من خلال أساتذتها الذين يجب أن يكونوا قدوة لتلاميذهم، وهو الأمر الذي لا يتأتى إلا بحسن المعاملة والتفاهم في جو ديمقراطي تسوده فكرة الآخر والانفتاح علـى بـاقي الــثقافات.
وتقول الدكتورة مي شهاب الدين: «الانغلاق ليس حلا، بل الافضل ان ننمي لديهم القدرة على الاختيار، ورفض ما لا يتفق مع تقاليدنا وقيمنا بانفسهم، هذا مع وضعهم تحت ما يسمى بـ«المجهر الرقابي» إذ لا بد ان يراقب الآباء الابناء، وينتبهوا إلى اهتماماتهم وعلاقاتهم وسلوكياتهم والتعامل معها بحكمة ووعي. فالرقابة هنا يجب ان تكون بحذر شديد، من دون أن تخنقه، حتى يشعر بالامان النفسي والثقة بالاسرة، ولا يضطر إلى الهروب خارجها بحثا عن هذا الأمان والاستقرار النفسي».
ويبقى التركيز على توعية الاباء بأهمية أن يكونوا قدوة لأبنائهم، بأن ينتبهوا إلى تصرفاتهم وسلوكياتهم قبل أن ينتقدوا سلوكيات وتصرفات أبنائهم.
إذ لا يصح ان يلقن الاب ابنه درسا عن اضرار التدخين وهو يدخن سيجارته، وليس من المنطقي ان نعلم الابناء احترام الآخر أو السلوك القويم من دون ان يحترم الزوج زوجته، ويعاملها بطريقة دونية، قد تتمثل في أبسط الأمور التي يعيشها الطفل أو المراهق يوميا، وبالتالي تترسخ في ذهنه وتؤثر عليه وعلى سلوكياته فيما بعد.
عن الشرق الأوسط