الثلاثاء ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
من كتاب العزف على الوتر الحساس
بقلم سهير فضل عيد

حوار مع الموت

الحياة والموت عنصران لا يمكن أن يفترقا عن بعضهما ويجمع بينهما قواسم مشتركة.

فالسعادة والحزن مشاعر موجودة في الحياة والموت ولكن لماذا يعشق الناس الحياة على الرغم من قسوتها وعلى الرغم من أنهم باتوا يعرفون معظم أسرارها ويكرهون الموت الذي لا يعلمون عنه شيئاً هل لأن الحياة مكان رحب وسيع والقبر مكان بالكاد يتسع لصاحبه؟

***

ذات يوم وأنا أجلس تحت شجرة الزيتون وأمر الموت يشغلني كثيراً , آلاف الأسئلة تدور في رأسي.

لماذا يخاف الناس الموت ويحاولون نسيانه؟

لماذا يهربون منه كلما اقترب منهم؟

لماذا يشعرون بكراهية تجاه ذلك المصير؟

هل تنتهي الحياة بالموت؟

أيسمعني الموتى؟ أيشعرون بنا؟ هل من مات سعيداً بمغادرة دنياه؟ ما هو شكل الموت؟ هل هو قبيح لهذه الدرجة؟ هل يشبه شخصيات الرعب التي نشاهدها في الأفلام؟ وإن كان لا فَلِمَ الخوف منه إذاً؟

لماذا ولماذا وغيرها من الأسئلة الكثيرة....؟؟

وبينما أنا كذلك تراءى لي رجل من بعيد , صوبت نظري تلقاء ذلك الرجل فإذا به يقترب مني ,كان رجلاً طويل القامة , عريض المنكبين , قوي البنية , جميل الهيئة نوعاً ما , وربما كان وسيماً كانت عيناه باكيتين.

مرّ الرجل من أمامي دون أن يراني, لكنني ناديته واستوقفته لأعرف سبب بكائه وحزنه , التفت إليّ عندما سمع صوتي قائلاً ماذا تريدين؟

أجبت: أريد أن أعرف سبب بكائك؟

قال: دعيني وشأني فإن الوقت ليس وقتك ولم يحن الزمن بعد كي ألقي برحالي عند عتبة بيتك.

قلت: مهلاً أيها الرجل , أيمكنني أن أسألك من أنت؟

قال: لا داعي لأن تتعرفي علي , فأنا مكروه من جميع الناس.

قلت: لا يا سيدي.. أنا تعودت أن أحب الجميع فأخبرني من أنت؟

قال: ستخافين مني وتهربين.

قلت: كلا أعدك.

قال: أنا الموت.

قال ذلك وبدأ يرقب انفعالاتي وماذا يمكنني أن أفعل بعد أن أخبرني ! لم أهرب ولم أخف كثيراً , ربما شعرت بشيء من الرهبة حيث إنني تصورت أنه أقوى مني، وبعد أن تقلبت بداخلي مشاعري وانفعالاتي وامتزجت وكأنها تطبخ على نار هادئة , خرجت نتيجة هذا الطبخ ابتسامة تمثلت على شفتي وداخل عيني.

قال: أراك تبتسمين؟!

قلت: قبل أن تأتي كنت أفكر بك وبحالك وما يؤول إليه شكلك وعندما رأيتك ظهرت أمامي رجلاً جميلاً بعض الشيء وحزيناً فلم أخف منك بل وتمنيت مساعدتك لتتخلص من دموعك , ولما عرفت أنك الموت شعرت – لا أكذب – بشيء من الرهبة لكنها ما لبثت أن تخلت عني.

أريد أن أسألك , طالما أنك لست قبيحاً لماذا إذاً يكرهك الناس ويهربون منك؟

قال: أما عن شكلي فكل ٍ يراني حسب أعماله , فلو كانت أعمال المرء خيراً لرآني جميلاً ولأحبني ولو كانت أعماله شراً لرآني قبيحاً وكرهني. أما لماذا يهربون مني؟

لأنني هازم اللذات ومفرق الجماعات وأبعد الحبيب عن حبيبه والأهم من ذلك أن أناس هذا الزمن لا يمتلكون الطموح فهم استكفوا بحلاوة الدنيا وما عاد هناك دافع يجعلهم يطمحون للآخرة.

والمضحك في هذا كله هي محاولات هربهم مني فمنهم من يبحث عن الطبيب بعد فوات الأوان ومنهم من يدفع الآلاف لأخصائيي التجميل ليعود بعمر العشرين بعد أن بلغ الستين.

قلت: أيها الموت لماذا لا تخبرنا بموعد قدومك كي نستعد لك؟

الموت: أولاً لأن الله كتب على نفسه الرحمة , فلا يُصاب الإنسان بالخوف والهلع طيلة حياته وبالتالي لا يعرف كيف يعيش. ولأن الله لا يدخل الجنة من يؤمن لحظة وفاته أو قبلها بيوم أو يومين.

قلت: ولكنني لا زلت غير مقتنعة بأسباب خوف الناس وهروبهم منك. فإن كان عمل الخير هو الشرط الوحيد ليحبك الناس فليس أسهل من ذلك.

الموت: كلا يا ابنتي , إن الحسنات كالنهر الجاري الذي يفيض ماؤه عن مكان جريانه وذلك النهر يمر بسلاسة من بين أرجل كل الناس فمن أحب الحياة وأعطاها ثقته فإنه يصعب عليه الانحناء ليغرف بيده من ذلك النهر, أما الذي لا ينسى مكر الدنيا وسكان أوكارها فإنه ينكب على النهر يشرب ولا يرتوي أبداً رغم أن كليهما عطشان ولكن الأول يهوى الكسل والثاني يهوى التعب.

دعيني الآن فإن هناك شخصاً بانتظاري.

قلت: أيحبك ذلك الشخص؟

الموت:الآن لا أعلم ولكن عندما نتقابل وجهاً لوجه ونلقي التحية على بعضنا يتضح كل شيء.

ثم سألني أتحبينني بعد أن عرفت حقيقتي؟

نظرت إليه ولم أُجبْ, شيء بداخلي منعني من الإجابة لا أعرف ما هو؟

نظر إليّ وابتسم بعد أن شاهد صمتي ثم قال يا ابنتي أنا والحياة وجهان لعملة واحدة وأنا والإنسان كالصديقين المتحاربين!

ثم أنشد:

حياةٌ بعدها موتُ

وبعد الموت آخرةُ

وفيها يكشف البشرُ

وتركني ورحل.

***
انتهى

يناير/ كانون الثانى 2002


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى