حارس المقبرة
ترتسم الابتسامة على وجهه الجميل رغم تعجب الجميع و حيرتهم، كيف لشاب في مقتبل العمر يحمل شهادة الماجستير في الفلسفة بأن يقبل بوظيفة حارس للمقبرة..؟؟
لم يجب صديقي عن سؤالي الوحيد هذا رغم إلحاحي الشديد، في هذا اليوم سوف أفجر ما في داخلي من دون تردد و من دون خجل، سوف أسأله كيف قبلت على نفسك بأن تعمل حارسا للمقبرة..؟؟
غربت الشمس و ودعت جمالها و خيوطها الذهبية و رحبت بسواد الليل الحالك ،تقدمت نحو المقبرة و الخوف يحيط بي فمنذ أن ولدت و أنا أسمع كل قصص و روايات
الرعب تأتي من المقابر و بالتحديد في مثل هذا الوقت حينما تغرب الشمس.
وصلت إلى المقبرة و جسدي يرتجف من شدة الخوف و شعرت بأن قلبي سوف يخرج من مكانه، يلاحظني صديقي فيتقدم نحوي و يرحب بي.
يؤشر صديقي بيده للغرفة التي يسكن بها فيدفعني الفضول لتلبية دعوته بالدخول، لقد كانت غرفته دافئة فدعاني للجلوس على الأرض و أنا نفذت ما قاله لي لأنني أريد تحطيم حاجز الخوف في داخلي.
بدأ صديقي بالحديث و السؤال عن أخباري و حياتي الاعتيادية، و بعد الانتهاء من كلامه و إجابتي أنا لكل أسألته وجدت أن الوقت قد حان لكي أقول السؤال الذي يدور في داخلي.
قالت له و الابتسامة العريضة تملأ وجهي:
– كيف قبلت على نفسك بأن تعمل حارسا للمقبرة..؟؟
صمت لمدة دقيقة:
– سوف أجيبك و لكن أنقل جوابي للكل.
يبدأ صديقي بالكلام و كلي آذان صاغية لما يقولوه حتى أشبع شغفي لمعرفة الحقيقة:
– هنا المكان أمين و ترى الجانب الجميل من الناس هنا تجد من يأتي و يبكي على أمه و من يتذكر زوجته الحنونة و العاشق الذي يندب حظه لأنه لم يرتبط بمحبوبته، هنا نجد كل المشاعر الصادقة و نرى الجانب الجميل من كل إنسان بعيدا عن الكذب و النفاق و الخداع.
أرد على صديقي و أنا لم أشبع فضولي وحبي لمعرفة الحقيقة:
– جوابك لي لم يكن كافيا ..؟؟
– نعم لقد ذكرت نقطة واحدة فقط أما النقطة الثانية فهي أن عملي هذا لن ينافسني فيه أحد و مهما فعلت لن تجد من يفتح فمه معك فالناس سوف تبتعد عني بسبب عملي هذا، أما النقطة الثالثة فهي أنني محتاج للمال لكي أساعد أسرتي و كذلك أحتاج لكي أجد مكانا هادئا لكي أكمل دراستي بعيدا عن هموم الحياة و هنا افضل مكان.
اكتملت الصورة أمامي و فهمت كل شيء، و علمت الآن لماذا صديقي فرح لأنه يعمل هنا فالأموات الذين يحتضنهم التراب لا يؤذون كما يفعل الأحياء.