الخميس ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٥
جواهـــر الأدب
قصيدة أبو البقاء صالح بن شريف الرندي المتوفي
لكل شيء إذا ما تم نقصان | |
فلا يغر بطيب العيش إنسانُ | |
هي الأمور كما شاهدتها دول | |
من سرهُ زَمنٌ ساءته أزمانُ | |
وهذه الدار لا تُبقي على أحد | |
ولا يدوم على حال لها شانُ | |
يُمزق الدهرُ حتماً كلّ سابغة | |
إذا نبت مشرفيات وخرصانُ | |
وينتضي كل سيف للفناء ولو | |
كان ابن ذي يزنٍ والغمد غمدانُ | |
أين الملوك ذوي التيجان من يمن | |
وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ؟ | |
وأين ما شادهُ شدّاد في إرم | |
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ؟ | |
وأين ما حازه قارون من ذهبٍ | |
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ؟ | |
أتى على الكل أمر لا مرد له | |
حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا | |
وصار ما كان من ملك ومن ملكٍ | |
كما حكى عن خيال الطيف وسنانُ | |
دار الزمان على (دارا) وقاتله | |
وأم كسرى فما آواه ايوانُ | |
كأنما الصعب لم يسهل له سببٌ | |
يوماً ولا ملك الدنيا سليمانُ | |
فجائع الدهر أنواع منوعةٌ | |
وللزمان مسرات وأحزانُ | |
وللحوادث سئلوا أن يسهلها | |
وما لما حل بالإسلام سلوانُ | |
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له | |
هوى له أحدٌ وانهدّ ثهلانُ | |
أصابها العين في الإسلام فارتأزت | |
حتى خلت منه أقطار وبلدانُ | |
فاسأل (بلنسية) ما شأن (مرسية) | |
واين (شاطبة) أم أينَ (جيان)؟ | |
وأين (قرطبة) دار العلوم فكم | |
مـن عالم قد سما فيها له شان؟ | |
وأين (حمص) وما تحويه من نزه | |
ونهرها العذب فياض وملانُ | |
قواعدٌ كن أركان البلاد فما | |
عسى البقاء إذا لم تبق أركانُ | |
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف | |
كما بكى الفراق الألف هيمانُ | |
على الديار من الإسلام خالية | |
قد أقفرت ولها بالكفر عمرانُ | |
حيث المساجد قد صارت كنائس مـا | |
فيهن إلا نواقيس وصلبانُ | |
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة | |
حتى المنابر ترثي وهي عيدانُ | |
يا غافلاً وله في الدهر موعظة | |
إن كنتَ في سنةٍ فالدهر يقظانُ | |
وماشياً مرحاً يلهيه موطنه | |
أبعد (حمص) تغر المرء أوطانُ؟ |
قصيدة أبو البقاء صالح بن شريف الرندي المتوفي