جميلة
في برودة المدينة، على رصيف شارعٍ مزدحمٍ بالناس، كان لقاؤنا.
ما أجمل اللقاء فجأةً والقلبُ رهين الانبهار.
هل أنتِ جميلة حقا؟
نعم. أنتِ هي وهي أنتِ. ياااااه، كم أنكِ ما زلتِ جميلة. وجهك المدوّر كالقمر المُشرق، عيناك البنيّتان المرسومتان مثل لوحة فنان، شفتاك الورديّتان المُغريتان بألف حلم... كلّها أنتِ. لكنّ شعرك الآن مغطّى بمنديل أبيض يأبى أن يكشف شعرة واحدة من شعرك الأسود الطويل الذي كان ينسدل ويتراقص على كتفيكِ وذراعيكِ المكشوفتين بتموّجاته الساحرة، يزيد جمالك جمالا.
كم مرّ من الزّمان؟ عشرون عامًا... أم ثلاثون... أم أكثر؟
ما عاد الزّمان يُعدّ بالأعوام. أذكركِ كأنّه كان البارحة، يا جميلة. كأنّ الزّمان توقّف بي يوم سافرتِ بعيدًا عن العيون. تلك العيون الوقحة التي أجبرتكِ على السّفر والغياب خوفًا من الكلام الكثير الذي قيل وتداولته الألسُن الّلعينة فترة طويلة حتى بعد غيابك وابتعادك عن القرية.
هل الجمال نعمة أم نقمة؟ ساءلتُ نفسي وأنا أنظر إلى عينيكِ اللامعتين بإشراقة صباحٍ ربيعيّ. ولا أدري ما الذي دار في خلدك في تلك اللحظات التي نظرتِ فيها إليّ دون أن يتفوّه أحدٌ منا ببنت شفة، لكن العيون قالت كلامًا كثيرًا يسمعه القلب ولا ينساه إلى الأبد. ذلك القلب الذي تفتّح على حبّك من زمانٍ بعيد... ولم تأبهي به. ثم اخترتِ رابح الذي جاء إلى القرية من بعيد، ولم يلبث فيها وقتًا طويلا حتى عاد من حيث جاء، لكنّه كان كافيًا كي يُغيّر كلّ شيءٍ بينكِ وبيني، بينكِ وبين الجميع، بينكِ وبين نفسك.
ما أغرب هذا القلب! لماذا رابح بالذّات؟ كيف استطاع أن يتسلّل إلى قلبك ويستحوذ على كلّ كيانك؟ لا أحد يملك الإجابة على هذا السؤال. فقد ذهب حاملا معه كل الإجابات، وترك وراءه الشّبهات تحلّق فوق سماء القرية.
هل حقا كان بينكما شيء؟
رغم جمالك الباذخ وذكائك ودلالك، لم تكوني من ذلك النوع من النساء. فأنتِ بنت أبيك الأستاذ سائد الذي لطالما احترمه وقدّره الجميع. فماذا كان يمكن أن يحدث؟
كان ذلك حسّان الشاعر الهائمُ بك حبًّا وجنونًا الذي لفّق بك بأشعاره أحقر الأقاويل وأكذب الأكاذيب... حتى ضقتِ بها ذرعًا وهربتِ إلى البعيد مع أهلك الذين آمنوا بك، لحسن حظك، ودعموك إلى أبعد الحدود.
كيف يكون حالك الآن؟ وماذا تفعلين هنا في هذه المدينة الباردة على طول الأيام؟
إنها مدينتي الآن، قلتِ، بعدما فقدنا دفء القرية الوادعة، الظالمة لي ولأهلي، لجأنا إلى برد هذه المدينة الآمنة من الأقاويل التي طالتنا وأذلّتنا حتى كسرتْ قلوبنا وظهورنا وأفقدتنا ماء وجوهنا.
وماذا تفعل أنت هنا؟ تسألين. ويا لهذه المصادفة الجميلة!
حقا. ما أجمل المصادفة حين تجمعنا بغتةً ودون ترتيب، وما أجمل الحبّ حين يأتينا دهشةً دون انتظار أو ميعاد، يعشّش في دواخلنا ولا يرحلُ عنّا مهما رحلتْ عنّا الوجوه وغابت عنا العيون.
مشاركة منتدى
18 نيسان (أبريل) 2021, 22:10, بقلم سمير
أعجبني ما كتبتي...ـاقول شيء بخصوص أسلوبك و أرجو أن تأخذي نقدي على أنّه بنّاء فلكل عالم هفوة و لكل جواد كبوة...
إنّ قراءتي في بعض الروايات الغربية و شيء من الخبرة في الترجمة أكسباني التمييز بين الأسلوب العربي و الهجين في القصة و النثر...في أسلوبك الكتابي شيء من عوالق التراكيب السردية العجمية( الفرنسية و الإنجليزية) لولا أنّ استعمالك لحروف التوكيد مثل أنّ و إنّ...التي تخلوا منها الألسن العجمية و يبقى أثر للتباين في التقديم و التأخير الذي يوحي بابتنائك للعبارات على النسق الغربي و مع ذلك فقد أخفى أثار كل ذلك صدق المشاعر و الأحاسيس التي تحملها معاني الفقرات التي كتبتها...بكل روح نقدية ...سمير من الجزائر