الجمعة ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧

باهي صالح وكرة الثلج

صدر مؤخرا عن دار الهدى للطباعة والنشر بعين مليلة - الجزائر - رواية كرة الثلج للكاتب باهي صالح وهي من الحجم الكبير وتستحق عناء القراءة وهذه بضعة سطور منها:

"بدأ اهتمامه ينصبّ على أحد الملتحقين الجدد، لفت انتباهه حسن خلقه وهدوء طبعه وسرعة تكيّفه مع محيطه، لطالما آمن أنّ الصّداقة شيء عظيم ومطلب إنسانيّ وأن ّحياة الرّجل بدون صديق كالزّهرة بلا رحيق وكالنّهار بلا شمس، لكم تمنّى تذوّق طعم الصّداقة، كم حلم بشخص يتحدّث إليه دون نفاق أو مواربة ولا تربطه به غير رابطة المودّة والتّفاهم بعيدا عن أيّ مصلحة أو غرض دنيوي زائل، ميثاقها الثّقة ونبضها التّناغم والانسجام، شخص لا يخيفه ولا يخاف منه ومهما امتدّ العمر وتوالت الأحداث المفرحة والمحزنة فإنّه دائما بقربه وإلى جانبه، لا يتخلّى عنه في السّراء والضّراء، لا ينقطع عنه ولا يفارقه مهما حدث، لا ينساه ولا يتناساه مهما حصل، مخلص في الحضور والغياب وعند الشّدّة لا يتردّد أحدهما في الذّود بنفسه وماله عن صاحبه ومن سبق منهما إلى القبر فإنّ الآخر يعيش على ذكراه ويصاحب أهله وأولاده ويخلص صحبتهم ومن مات أوصى عائلته بصحبة صديقه والعناية بشؤونه وطلب أن يكون قبره إلى جوار قبره..

كانت هذه المعاني تملأ قلبه ويرنو إلى تذوّق طعمها ولعلّ من انصبّ عليه اهتمامه يكون الأنسب لترشيحه لصداقته؟ بعد التّفكير مليّا والأخذ والرّد مع نفسه وتقليب الأمر على كلّ الأوجه قرّر أن يبادر ويبذل البرهان على أهليّته وكفاءته..؟

بعد الدّوام وبعد أن رصد الهدف وأيقن أنّه متيسّر ومتفرّغ اتّجه نحوه وحين اقترب مدّ يده مسلّما: السّلام عليكم، أظنّ أنّنا تعارفنا سابقا؟

بلى هذا صحيح..جابر..إه؟ ردّ نصير مصافحا وفي صوته دفء وهدوء. استشعر جابر من صاحبه الرّزانة والثّقة وقوّة الشّخصيّة، ليس تعاليا وتكبّرا لأنّه لا يأبه كثيرا بالأشخاص من حوله بل لأنّها طبيعته وتركيبته ممّا أكسبه موهبة متفرّدة في التّأثير والإيحاء..

سبقت خروجهما إلى المقهى القريب زخّات مطريّة خفيفة بلّلت الطّرقات وانعكست عليها أضواء الشّوارع والسّيارات والمحلاّت الّتي لا زالت مفتوحة وتكسّرت عن مهرجان من ألوان الطّيف المتراقصة المتلألأة المبهجة للنّفس والعين ومواتية لجلسة مأمولة من الأنس والمودّة، كانت السّاعة قد تجاوزت السّادسة والنّصف مساء، طلبا كلاهما مشروبا غازيّا، تناولا مواضيع مختلفة، كانت فرصة للتّعرّف والاستئناس شعر جابر خلالها بأنّه وجد من يبحث عنه وعليه أن يتشبّث بلقيته بيديه وأسنانه؟

أخيرا وجد ما يكسر ويخفّف من ثقل الرّتابة والملل الّلذان لازماه منذ توظيفه وربّما ستعرف حياته منقلبا جديدا وطعما مختلفا، ما إن استلقى فوق سريره حتّى وضع نصب عينيه مقاربة جديدة.. رأى أنّ حياته معتمة فارغة وأنّ صداقة حميمة ستضيئها وتملأها، شابك يديه تحت رأسه ليحلم.. انسابت الخواطر والأحلام الورديّة كجدول الرّبيع الرّقراق، حدّث نفسه بأشياء عن الصّداقة والأمل والمستقبل، شيء ما في نصير يسحره ويجذبه كالمغنطيس، قوّة غامضة يشعر بانبعاثها من خلاله تأسره وتسلب منه إرادته، شيء يذوّبه ويحيله إنسانا آخر، حركاته، إيماءاته، طريقة حديثه، قدرته على الإقناع، هدوءه، لا مبالاته بمن حوله، كلّها أشياء لمسها وأذهلته ولم تترك لديه شكّ في أنّه الإنسان المناسب لكي يتّخذه صديقا..؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى