الجمعة ١٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم موسى إبراهيم

بائعات الكلام الرخيص

يبدو أنني وضعتُ نفسي في مأزقٍ أدبي، وزججتُ بها خلف قضبان الفلسفة المستحدثة في تبرئة الأدب الساقط أو الأدب الرخيص عندما بدأتُ التفكير ملياً في نشرِ مقالي الأول في عالم الصحافة، وربّما أنه لن يتجاوز هذه الصفحة وقد لا يتجاوز حتى شاشتي هذه، لكن- والحقّ يُقال- أنني أهوى المصاعب والمشاكل والمآزق والنقد والحت والتعرية.

تتعرى أمامَ عيونِ الرجال لكن بأدبٍ مكتوب لا مرئيّ - معاذ الله - فهي مولعةٌ بالأدب الذي يستجدي ويستنزف مشاعرهــم، ترسم صورة كاملة للجسد، وللمواضع الجنسية وللمساجلات العشقية وللطرق المتبعة في إثارة الذكورة عند أشباه الذكور، لكن بأدبْ وبكلمة قد تطـــــــــوووولُ واوُها أو بــــــاؤُها أو آآآآهُها، وفي النهاية تُختَتَمُ أشباهُ القصائدِ والمقالات والخواطرِ والبرقيات والبوحيات والمقروئات بالحاءِ باءِ كاف، وكأنّ الحبّ أيها السادة أمسى كلاماً يفصّلُ جدسَ المرأة ومعالمَ أنوثتها ثمّ - وبعد ما كان - تنهي بتحية للقارئ الملوّع المندهش أمامَ هذا العرض الأدبيّ الرخيص، فقراءة النصّ لا تأخذ الكثير من وقته ولا تحتاج حتى لتحميل من مواقع مشبوهة أدباً، ولن يخاف دخول الزوجة، الأمّ أو الصغار أثناء ممارسته هذه القراءة، فالشاشة تعجّ بالكلمات، والصور تختفي وراءَها تماماً.

الأدب الرخيص لم يأتِ عبثاً من لا شيء، فمن يؤمن بنظرية الكينونة، وحتمية الوجود قبل الوجود، سيفهم تماماً ما أعنيه عندما أطلق بسبّابتي على بائعاتِ الأدب الرخيص وأشعرهنّ بأنّ الرسالة قد وصلت وكفى استهتاراً بعقولهم أولئك الأشباه، عندما نريد أن نكتب في الأدب علينا أن ننتقي مفرداتٍ وأفكاراً ترفعُ من قدر هذه اللغة (لغة القرآن)، وعلينا أن نعكس للعالم أجمع صورة إيجابية تفخر بها جالياتنا العربية والمسلمة في العالم الساقط أخلاقياً، علينا أن نحترم القارئ ونكتسبَ احترامه بالأدب الراقي الماتع، بالحبّ الشاعريّ لا بالجنس المختبئ وراء الكلمات.

إنهُ من المؤسف جداً أن أقرأ في كثيرٍ من الصحف اليومية والمواقع العربية المحترمة جداً بضاعة لهذهِ وتلك، بضاعة تُباعُ فيها الشهوة والمتعة بشكلٍ آخر يستجدي مشاعرنا ويستنزف عقولنا، بربّكَ عزيزي القارئ، هل تستطيع أن تمنع مراهق لا يتجاوز السابعة عشر من قراءة نصّ أدبي رخيص؟ أو أنّك ستقوم بعمل (فلترة) على النصوص حتىّ؟! وأيّ برنامجٍ هذا الذي سيكتشف صور الجنس الفاحشة التي تختبئ وراء الكلمات؟

علينا أن نتعاون على تفهّم حالنا الآن، علينا أن نقرأ التاريخ كما يجب، أطلق الناس لقب شاعر المرأة على الشاعر الراحل نزار قبّاني، ولكنّه - والله يشهد - ما وصلَ بشعرهِ لما وصلت إليهِ تقنيات بائعات الأدب الرخيص العالية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى