الاثنين ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٢
بقلم سلوى أبو مدين

اّن أن تبتعد

قبل عشرة سنوات انتقلت إلى بيت جديد ، كان يقطن أمامي أحد الجيران لم يكن بيننا أي تعارف أو لقاء فقط حين أراهم عند مدخل المبنى ألقي عليهم التحايا ..
ذات يوم فُتح الباب لأتبين طفلاً صغيرا لا يتجاوز العام والنصف من عمره ، قادته قدماه إلى بيتي لا أنسى تلك اللحظات مد عنقه نظر إلىّ ثم مضى حيث الصالة الواسعة ومنها إلى إحدى الغرف كأنه يبحث عن شيء ! كنت أتبعه بنظري وكلي دهشة ، وقفت أتأمله جلس فوق سجادة خضراء وكأنه ينتظر مني أن أعطيه شيئاً
فكرت ملياً ماذا أقدم له ؟
تناولت علبة الحلوى وأعطيته واحدة أمسكها بيده الصغيرة وأخذ يتأملها ثم سرعان ما فتحها وأخذ يأكلها .
لحظات وإذ بصوت ينادي أحمد ، أحمد ، كان شقيقه الأكبر يبحث عنه ما أن رأه حتى أمسك به وصحبه إلى بيتهم ثم قدم لي اعتذاره بادرته بابتسامة.
سرعان ما مضت السنوات والطفل الصغير كبر وأخذ يرتاد المدرسة ، نادراً ما كنت أراه على سلالم المبنى فألقي عليه التحية وأتأمل وجهه وابتسامته العذبة .
في المساء من خلف الجدار أسمع ضحكاته تملأ المكان فتارة يصفق وأخرى يحتج ويغضب وهو يلعب بجهاز (البلاي ستيشن)
وعندما يغيب صوته لأيام يرتديني القلق .
كثيراً ما سافر مع أهله حيث مدينته التي اعتاد على زيارتها في موسم الإجازات .
كبر الطفل الذي كان يبكي على السلالم حين يغضب من أخوته ، الآن في الثانية عشر من عمره ، أصبح يساعد والده واخوته في كل شيء .
علمت بالصدفة أنهم سوف ينتقلون إلى سكن اّخر ، ذاك اليوم وقفت سيارة كبيرة أمام المبنى وأخذ العمال بحمل أثاثهم ، انتظرت مدة كي أراه أو أسمع صوته لكنه لم يأت .
بعد أيام قليلة حضر ، كان منهكا في مساعدة والده وأخيه في حمل ما تبقى من الأثاث ، وصل مُبلّل الثياب من شدة الحر ، وسرعان ما أحضرت إليه زجاجات ماء بارد فتحت الباب بهدوء ثم ناديت باسمه أجاب : ( هااا)
ناولته الزجاجات فشكرني بلطف ، كان يضع على عينيه نظارة سميكة ذات لون أحمر .
أغلقت بابي بكامل دموعي حاولت منعها لكنني فشلت . حين يصمت كل شيء الإ من صوته ، شغبه ، قهقهته ، لتعيد إلى ذكرى ليالي الشتاء البارد .
كانت تلك الليلة الأخيرة التي رأيته فيها وغاب في منعطفات الحياة حيث مكان أّخر .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى