

الفنان جمال الغازي

سلسلة «كلمني عنه» - الجزء الثالث – الحلقة 14

الكلام عن الشاعر والمدون والفاعل الجمعوي، والمناضل جمال الغازي
بعض الأشخاص حين تقابلهم، لأول مرة، وفي مناسبات عدة ترجو لو "يَسمن" الزمنُ، ويثقل حتى لا يمر سريعاً، فقط لأنك تحس بأنك رفقة من يمنحك دفءَ راحةٍ- باتت عزيزة- من معرفة، وثقافة، وطاقة كذلك...الأستاذ والشاعر، والمغني جمال الغازي من هؤلاء، حين يحدثك، أو تستمع إليه، تسأل من أين يأتي بهذه الروح المرحة، المصداقية فيها ساطعة، والأدب الجم طاغٍ...
جمال الغازي من الفاعلين والفنانين العصاميين الذين ناضلوا في الناظور منذ عقود، وأسس بقلمه لفنٍ شعري أمازيغي، يحكي همومَ الروتين اليومي للمواطن، سواء في المغرب، أو في المهجر؛ بعد انتقاله للديار الألمانية أكمل مسيرته العملية والفنية، بالوهج نفسه، بل وأكثر.. كما يُعتبر مؤسساً ورئيساً لجمعياتٍ تهتم بأفراد الجالية وتمثيليتهم بالمغرب مُترجماً بذلك انخراطه السياسي في عدة تيارات بالمغرب وألمانيا.
"ثفوشت ن تيوشا"/ شمس الغد، ديوانه الأمازيغي، عبّر من خلال قصائده الخمسة عشر عن أفكاره التي يؤمن بها، وطرح فيه قضايا الإنسان في صراعه مع الطبيعة، ونضاله من أجل الهوية.
اِهتدى جمال، مؤخراً، إلى تكريم خاص لكل من تَعَرّفَهم، أو جالسهم، في مدينة الناظور من خلال تخليد أسمائهم و سيرهم في كتاب ضخم ،يحوي حيوات مجموعة من المثقفين المتنورين، والشعراء، والمبدعين ،ويسرد صفحاتٍ مشرقةً لهؤلاء في الدراسة، والحياة، والعائلة، والعمل ، والنضال، والتأليف... فكانت محطات مهمة من مسارِ كل ضيف ، وقف عنده جمال وقفاتٍ متأنية، و سابرة لأغوار وقائع عاشها هؤلاء ؛ أسمى السلسلة " شخصيات ناظورية تعرفتُ عليها ".
جمال الغازي يجيب عن أسئلتي، تابعونا في هذه الدردشة المفيدة، والجميلة مع جمال.
ماذا تضيف للقراء سي جمال، مما أغفلته في التقديم، في سيرتك الزاخرة؟
ج- ما أضيفه هو أنه حز في نفسي أني لم أتمم دراستي، لأن انشغالي بالسياسة، منذ نعومة أظافري، حال دون ذلك، ولابد من إثارة فكرة النضال التي وهبتُها وقتي كله، أحداث 1984 باناظورلا زالت منقوشة في ذاكرتي، أصبتُ برصاصتين في هذه الأحداث، نجوتُ بأعجوبة، واعتقلتُ أيضاً، مما دفع بي للهجرة إلى أمانيا عام 1990، وهناك واصلتُ نشاطي الحزبي في خدمة الإنسانية ، وأعترف لك أيضاً، في هذه الإضافة البسيطة، هو أن أول حوار أجريتُه كان مع الإعلامي المتميز مصطفى بوزياني، وأنت ، الآن، الشخص الثاني الذي أتلقى أسئلته بصدر رحب ، وأجيب عنها، بكثير من الود.
عَرفك الناس مدوناً له سمعة، حدثنا عن هذه التجربة؟
صدقت، يعرفني الكثيرون بأني مدون، تدويناتي تلقى قبولاً، ويثني عليّ كل من يتتبع مسار هذه التدوينات، أكتبها بحب، وإيمان.
عرفك الناس كذلك شاعراً موهوباً، منحتَ للكلمة الموحية نصيباً من شعور، وإحساس، وذوق.. لماذا جنس الشعر تحديداً؟
ج- لماذا الشعر؟ هذا سؤال مهم، الحق أني لم ألج عالم الشعر الجميل في الأول، لأن بداياتي، وأنا طفل خاصة، كنتُ ميّالا لفن الغناء، والموسيقى صبغتني من الداخل، وملأتني بأساً، فعشقتها، بعد ذلك انخرطت في العمل السياسي، إلى جانب عشقي للموسيقى، فوهبت لهما كل كُلّي.
بعمر السادسة عشر كنتُ أتحسس مفاهيم أكبر من عمري عن الماركسية واللينينية ، لذلك عَرفني الأصدقاء بالعمل السياسي أكثر من كوني شاعراً، وما كان هذا التكوين السياسي لينهض معي لولا أبي الذي كان منتخَباً في ذلك الوقت... ومع انبثاق وظهور مجموعات غنائية بمدينتي الناظور مثل "إصفظاون"، و"إريزام"، و"بنعمان"، ظهرت إلى جانبها مجموعتُنا الغنائية " ثيرلي"، تكونت من جمال الغازي، ونيبو حسن، ونيبو خالد، وحسين السرداني... آثرنا أن نغني أغانيَ ملتزمة؛ في الغناء تأثرت بجدتي وعمتي أيضاً التي كانت تردد أمامي، وفي مناسبات كثيرة، أمثالا ريفية، وأهازيج...
الفن الموسيقي سأقرب مجاله وأنا حَدَث في مدرسة ابن خلدون حيث كان يُطلب مني أن أعيد ما أدندن به، وكنتُ أحظى باستحسان من يستمع لي، صوتي الجميل كان يصيب هوىً في نفوس زملائي في المدرسة وخارجها ..بيدَ أن البدايات الأولى طوحت بي في حضن السياسة، ليتلقفني بعد ذلك الفن الموسيقي، بالتوازي كنتُ أكتب أشعاراً عن موضوعات كثيرة أهمها الصحراء المغربية مما له صلة بالقضية الوطنية التي كنا ندافع عنها باستماتة؛ نحن صغار كنا نبحث عمن يأخذ بأيدينا حتى نُفرغ ما بدواخلنا، وبعد أن اهتدينا لجميعة الانطلاقة الثقافية التي تأسست بالناظور عام 1978، فتحت لنا ذراعيْها، وهناك صقلنا مواهبنا أكثر، بحيث كنا نشارك في المهرجانات التي كانت تُقام بالناظور بإشراف الجمعية، والحق كنت من بين المنخرطين النشيطين جداً داخل الانطلاقة الثقافية، طفا اسمي في لجن شتى، موزعة بين الملصقات، والمالية، والفنية (رفقة محمد لبوزيان، وعمر الحسني، وبولعيون ، وخالد نيبو..، بل كنتُ قائدَ لجنة تسيير مهرجان الأغنية الشعبية( شاركتْ مجموعتُنا" ثيرلي" بالمناسبة في هذا المهرجان).. هكذا نظمتُ الشعر.
العمل السياسي، والأغنية الملتزمة هما عالمان، الماء فيهما، يصبان في وادي الشعر، لم أجد بداً، والحال هذه، من الانتماء للشعر أيضاً، وبالحماس ذاته.
تجربة العمل السياسي والفني في الأغنية الملتزمة شجعت أعضاء كُثر من جمعيات كثيرة من استقطابنا، في الشبيبة التقدمية، وجمعية الانطلاقة الثقافية، ولأني آمنت بالقضية، وأخلصت للمبادئ وهبتُ للعمل السياسي وقتي كله.
الشعر موهبة، وطاقة، وجهد.. كل هذا ترجمتَه في ديوانك "ثفوشت ن تيوشا"/ شمس الغد ...دعني أقف معك عند هذا العنوان الجميل " ثفوشت ..."لماذا اخترت الشمس تحديداً لتمرير معنى الأمل؟
ج- طيب، دعني أحكي لك أمراً...
تَعقّب أثرَ قصائدي في النت باحثٌ أمازيغي، الأستاذ محمد الفارسي، وكنتُ أنشر فيه قصائد كثيرة، في مناسبات عدة، وحول موضوعات متنوعة، ولأنه وجد في كلماتي ما أرضاه، طلب مني أن أبعث له بأشعاري، فتكلف بعد ذلك بنفسه، بكل شيء حتى ترى النور في ديوان، بدءً من جمع أشعاري، وتنقيحها، فكان له ما أراد، وكان لي رقم إيداع لديوان اختيرَ له عنوان "ثفوشت ن تيوشا"/ شمس الغد "،هو مُكون من جزئين، غير أن الأستاذ اكتفى بنشر الجزء الأول فقط.
أركز في قصائدي على الوضوح، مثل الشمس، دون ميلٍ للتكلف، ولا تَعَمّدٍ للغموض، ولهذا الوضوح مبرر تفسره فلسفتي في الحياة المستمدة من نضالي، وهي فلسفة تنويرية، الوضوح فيها ركن مهم.
وأهم ديوان أيضاً في مسيرتي لا بد من الوقوف عنده هو "أناروز ن توذاث"، ديوان شعري مُهدى للمصابين بالسرطان، المرض الخبيث الذي شغلني، وشغل الناس في الناظور، والحسيمة، والريف عامة..
لا بد أن أشير هنا أن الدكتور جواد الزوبع كانت له يد طولى في إخراج هذا الديوان للوجود، بتنسيق مع مركز الأبحاث للدراسات الأمازيغية؛ لقد بات السرطان يُثقل كاهل المصابين به، في هذه المدن، فضلا، عن شظف العيش والفقر.. فكرة الديوان كانت من اقتراحي لأجل المساهمة عبر قناة الثقافة في خدمة الإنسانية، فكانت التبرعات بفكرة سميناها "الحمامة البيضاء "ترأستها لجنة مكونة من البوحميدي، وعبد الواحد خمخام، والبوزيدي حفيظة، وفتيحة بلخير ...
ساهم في الديوان الإنساني "أناروز ن توذاث" شعراء كثيرون (أكثر من ستين شاعراً من الناظور)، فكرة المساهمة بديوان شعر جماعي، للتخفيف من المصابين بالسرطان، نالت إعجاب الجميع، بل الديوان أثار ضجة إعلامية تناولتها أقلام رصينة في صحف، ومواقع وازنة نحو (البيان، الاتحاد الاشتراكي، وهسبريس، والمعهد الملكي...)
حدثني عن رجع صدى ما تنظمه من شعر من طرف النقاد، والأصدقاء؟
أستطيع أن أجزم مطمئناً أن مساري في الكتابة يصيب هوى النقاد، والقراء من الأصدقاء، هم يثنون على ما أكتب، والدليل هو إلحاح الكاتب محمد الفارسي على جمع أشعاري كلها في ديوان شعر، وهي هدية ثمينة منه، كما أشكر الدكتور عيسى الدودي على اهتمامه بكتاباتي، وكذلك المهندس المرحوم حسين.
أجمل أو أغرب، أو أسوأ تعليق عن "شعرك"، أو عملك الجمعوي سمعته من أحدٍ وجهاً لوجه، أو قرأته مكتوباً.
في لقاء إذاعي جميل أطلق علي المذيع الرائع مصطفى بوزياني لقب "جمال بويموناس"، ولعل التسمية مستمدة من همومي الكثيرة، أو تكالبها عليّ، وكذلك إفراطي في التفكير فيما يؤلم الناس، ويشغل بالهم.
مَنْ مِن شعرائنا الرواد، في الريف، الذين تأثرت بهم؟
لي طريقتي في الكتابة، والفضل فيها يعود لشخصيتين هما: جدتي(حنّا)، وعمتي(عَنتي) ، منهما استمددتُ هوس الحكي، والسرد والكتابة.
مشاريعك، مستقبلا؟
لا أكاد أخطط لشيء، كل ما أكتب هو ترجمة لأحزاني، وهمومي، وهموم الآخرين كذلك، لا أهتم بالوقت الذي أكتب فيه، ولا بطقس الكتابة.
أنا بصدد جمع سلسلتي "مريم العذراء"/ مريم ثاعزاشت، هي مستمدة من قصة واقعية، أعبر عنها بطريقتي، في شكل قصة، كذلك أسهر على جمع مجموعة من " فلاشات" موزعة في صفحتي على الفيس بوك، فيها حنين، ونوستالجيا، وذكريات عن الطفولة والشباب، دون إغفال ديوان "أنا روز ن توذاث"، فكرته هي دعم مرضى السرطان بالريف كما قلتُ سابقاً، شارك فيه شعراء كثيرون جداً، وحظي باهتمام يليق بفكرة الديوان.
أما "شخصيات ناظورية تعرفت عليها" فتجربة مهمة حقيقة، انتهيتُ، والحمد لله، من الجزء الأول ، في انتظار أجزاء أخرى.
10.كلمة مختصرة في شاعر المهجر صالح الحوري،
صديق عزيز، ومثقف ومتنور، ورجل وطني، رزين، له بصمة في الثقافة الأمازيغية في المهجر، وفي المغرب، وأحزر أنه سيكون له شأن كبير في المستقبل.
11. شكراً لأنك تحملتني، كلمة أخيرة منك سي جمال.
شكراً لك من الأعماق، ولسلسة "كلمني عنه" في الجزء الثالث منها كل الوهج .