الفلسفة التبسيطية
تغيرت تماما عندما تغيرت نظرتي للحياة والوجود، والفضل يعود لاكتشافي الفلسفة التبسيطية، كان ذلك في بداية عقدي الثاني. قبلها كنت أقرأ وفي داخلي سؤال عن جدوى الفلسفة.
في داخلي ثمة ايمان غامض مجهول، يرى في الفلسفة أرقى مستويات التفكير البشري، ولكني لم أعرف جدوى الفلسفة، وكيفية الاستفادة منها في الحياة اليومية. فالفلسفة مثل أي شيء آخر، ليست مجرد مادة للجدل والتنابز العقيم.
أننا نعيش في عالم من الظواهر والمنظومات والتشكيلات الكلية، دول ومؤسسات وحروب وصراعات لا أول لها ولا آخر، وكل مشكلة في جانب منها تتناسل في سلسلة مشاكل تزداد تعقيدا وغموضا ومتاهة، حتى تبدو بلا حل. وكأن التطور يعني التمشكل. ما دور العقل والخبرات المتراكمة في الحال هاته؟..
بيد ان النظر من الخارج والانزلاق على السطوح لا يقود إلى فهم حقائق الأمور، وبانعدام الفهم يستحيل الحل. فالحقيقة ليست معقدة في ذاتها، الحقيقة ليست غامضة، الحقيقة مجردة. أما الشكل والظاهرة والمنظر العام فهو غامض، لأنه يخفي الحقيقة ويلعب الزمن والانسان دورا في تراكم الغبار والأصباغ والالتواءات على سطح الظاهرة، فيضيع الحابل في النابل.
الحل يكمن في الكيمياء التحليلية. تجزئة الأجسام إلى مركبات، والمركبات إلى جزيئات، والجزيء إلى ذرات، والذرات إلى نويات، والنويات إلى بروتونات ونيوترونات، لنقف على جوهر الوجود.
عندما يعالج الطبيب حالة مرضية معينة، فهو لا ينظر إلى أعراض المرض الخارجية في حد ذاتها، وانما يعتبرها مدخلا وعلامة على وجود خلل داخلي. فالعقاقير والأدوية تتناول الانزيمات والخلايا الداخلية لأعضاء الجسم الداخلية، التي يؤدي اضطراب عملها ونسب مكوناتها إلى ظهور عوارض المرض الخارجية.
المرض داخلي، والحل يجب أن يبدأ من الداخل. هذا دور الطبيب الحقيقي، الناجح.
عامل الميكانيك ومصلح الساعات، يهتم بآليات ماكنة السيارة، والكترونيات الساعة الدقيقة. والخلل الحقيقي يكمن في جزء نفصيلي من الجهاز الداخلي، أو علاقة التماس بين جزءين منها.
بالتأكيد ثمة مصلحون غشاشون أو نصابون، يقومون بحلول ترقيعية شكلية تجعل صاحب المشكلة زبونا دائما، وبالتالي يحقق لهم ديمومة من المكاسب. وهذا ينطبق على الطبيب التاجر، والسياسي التاجر المنافق، ومعظم العاملين في مجلات الشأن العام.
فالصدق والاخلاص والمسؤولية عملة في طريقها للانقراض.
في الطب الانجليزي، لا يعنى الطبيب بسبب الألم، ويحل المشكلة بتقديم دواء مسكن. كل الادوية المسكنة تتضمن اثارا جانبية مضاعفة. وبعد استمرار المريض على الدواء لمدة، يعود للطبيب وهو يعاني من ألم في مكان آخر. ويتم معالجة المشكلة بدواء يتضمن مضاعفات جانبية. وهكذا!.
هذا لا يعني عدم وجود تشخيص وتحليل، ولكن ذلك لا يغير من واقع الحال، وانما يزيد من عدد الأدوية المضاعفة. وهكذل يكون المريض البسيط بمراجعته الطبيب الانجليزي، قد تحول الى زبون مستمر، وحالة مستمرة في التعقيد. ونظرا لاشتراك اغلب الأدوية في التأثير على الاعصاب أو وظائف الدماغ، يعاني المريض العادي من أعراض الاحباط والكآبة ومشاعر نفسية سلبية، أورغبة في التدمير والانتحار. فيتحول من انسان عادي تعرض لطارئ، إلى شخص سلبي غير نافع في الانتاج الاجتماعي.
يقال في المثل الشعبي، أن المشكلة إذا خرجت من مجالها، استحال حلها. والمشكلة العائلية عند دخول طرف ثالث ورابع وعاشر تنتهي إلى كارثة. والسر إذا تحول إلى كلمة ووصلت الأذن، سوف يشيع في المجتمع.
وهذه وظيفة مواقع الاتصال الاجتماعي وسيولة الاعلام المجاني. هذا ما يجعل العالم يعيش في اخطبوط سرطانات متناسلة وإشكاليات عقيمة تنشر الصداع والاحباط وتنتج طبقات من الانتهازيين الطفيليين المستفيدين من المتاجرة والمزاودة بجراح الآخرين ومآسيهم.
فيزداد حجم الفقراء والمعوزين والمحبطين والقتلى والمنتحرين ونسبة الأمراض النفسية والعقلية والبيولوجية، يقابلهم موجات جديدة من التجار والمترفين والطفيليين المنتفخين بدماء الضحايا وحسني النوايا والسذج والضعفاء.
عالم اليوم هو بكلمة واحدة، عالم أغنياء وعالم فقراء، عالم أقوياء وعالم ضعفاء، عالم تنانين وديناصورات وعالم حشرات يداس عليها بالاقدام. عالم البنوك الدولية والشركات العابرة للقارات.
بلايين البشر ممن لا يكادون يحظون بلقمة نظيفة أو سكن حميم أو شارع آمن أو نقطة كرامة. والسبب في كل ذلك، هو منطق المتاجرة والمراوغة والابتزاز والهروب من الواقع وتدليس الحقائق.
أي مشكلة صحية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو دولية، إذا تم تحليلها إلى خيوطها الرئيسة بصدق واخلاص ونزاهة، فسوف يتم القضاء على كل المشاكل في العالم.
من وجوه تعقيد ومَشكلة عالم اليوم، تفكيك الوحدات الاجتماعية والمجتمعية البسيطة والمحلية وربطها بالاخطبوط العالمي.
فالعملة المحلية ليست مستقلة كعملة وطنية. والسياسة المحلية ليست مستقلة كسياسة وطنية عن السياسات والتدخلات الاقليمية والدولية.
ولا وجود اليوم لمعظم البنود والمواثيق الدولية التي قامت عليها منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الانسانية التي وقعت ضحية الاخطبوط العالمي وانحرفت عن مسارها وتعمل بجنون عكس ادعاءاتها الاعلامية، ونصوص قانونها ونظامها الأساسي.
فأين هو اليوم حق تقرير المصير واحترام حق الشعوب في اختيار طريقها، وما هو تطبيق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، في السياسات الدولية والاقليمية اليوم التي تنشب كل دولة أظافرها في جلد وقلب دول أخرى تكالبت عليها نوائب الزمن وجعل منها فرائس اقليمية ودولية.
ان المبدأ الذي يحكم بشرية اليوم(*) بجملة واحدة هو: من لم يكن ذئبا، أكلته الذئاب. ولذلك تحاول حتى الفيران أن تستذئب وتستأسد وتزرع لها أنيابا صناعية في السيرك العالمي.
لا غرو.. ان الفلسفة غريبة ومستنكرة اليوم.. كثيرون يستهجنونها ويسفهونها ضمن منظور أشمل لحرف العقل البشري عن التفكير السليم أو التجرؤ على لمس جرح الحقيقة.
عاملان يتحكمان اليوم في الواقع العالمي: الاعلام والعنف(*)، اخطبوط اعلامي واخطبوط عنفي همجي.
وظيفة الاعلام تزويق العنف وتسويغ مبرراته بشعارات ديماغوجية براقة وتسويقه باسم الدمقراطية وحقوق الانسان من بلد لآخر، ومن قرية إلى قرية، ولا تهم الأسباب، دينية أو اقتصادية أو اجتماعية.
المهم ما تستحلبه من أموال دم وتدمير بلدان ومجتمعات وسوقها أسيرة في سوح العبيد العالمي. الامبراطورية لا تكون امبراطورية بغير حروب وهزائم وعبيد، وافتراس السمك الكبير للأسماك الصغيرة.
ما الذي يمنع المجتمعات المحلية من الالتفات لنفسها وتنظيم أمورها وحل مشاكلها بنفسها(*)، دون أن تسمح بالتدخلات الخارجية من جيران وما يسمى قوى ومنظمات دولية بعدما انكشفت غاياتها وأساليبها وتواطؤها مع امبراطورية الشر.
لماذا لا يجتمع بلدان أو ثلاثة وتتعاون فيما بينها وتبدأ في وضع مسافة بينها وبين التبعية الأجنبية وسطوة املاءات صندون النقد الدولي ومجلس الأمن الدولي المكشوفة الغايات. ولماذا لا تجتمع بلدان العالم الثالث وتحتج وتصدر بيانا دوليا مدروسا يؤكد حقوقها الوطنية والانسانية ويفضح حقيقة السياسات الدولية التي زعزعت الأمن والاستقرار العالمي والاقليمي والمحلي في كل أطراف الأرض ما عدا أميركا الشمالية وغرب أوربا.
أليس تشرذم الخراف يغري الذئاب بافتراسها(*).
لماذا وقع أطفال وناشئة اليوم كالعميان على منتجات الاعلام وتكنولوجيا الاتصالات الالكترونية، يستهلكون منتجاتها المسمومة، ويصدرون فضائهحم المصورة على مواقع الاتصال الاجتماعي، ويزيدون مجتمعاتهم تفككا وبلداتهم ضعفا، وأنفسهم تحللا.
ان الانسان بحاجة لعائلته، وبحاجة لوطنه، وبحاجة لمحيطه الاجتماعي الثقافي؛ وكل هذه حاجات أساسية!.
وقد أثبتت مشاريع الهجرة(*) فشل الاندماج والتكافؤ الانساني. وما يزال المهاجرون غرباء في مواطنهم الجديدة رغم مرور عقود وأجيال على كثير منهم. وكل الحوافز الشكلية لم تملأ فراغ العائلة الأصلية والوطن الأول وحميمية الأهل.
يعيش المهاجرون حالة من الاغتراب والتفكك والتهميش، جيلا بعد جيل، وكثيرون لم تعد الظروف تسمح بعودتهم لمجتمعاتهم الأصلية سيما بعد الانهيارات المجتمعية واثار السياسات الدولية.
فالسياسات التي كانت وراء تهجير الانسان من وطنه، عملت على تعويق عودته لبلده، وفق ما يشبه سياسة الأرض المحروقة. وأوضاع كثير من بلدان التهجير مستمر في التردي والانحطاط، بينما تحول العنف والحرب إلى ظاهرة يومية في بلدان كثيرة، كما في العراق مثلا.
ان قراءة الوضع العالمي عير معقدة، ولا صعبة الحل.
المشاكل بسيطة، والحلول موجودة، ولكن البشر تغيروا. ثمة غياب للرجل القوي، غياب للنزاهة والوطنية والحنكة والقوة المجتمعة في شخص واحد. وفي كل بلد يسود عدد الخونة والجواسيس والانتهازيين على الأغلبية النائمة.
وعندما يظهر شخص وطني قوي شريف(*)، يجتمع عليه بنو جلدته لكسره وتهميشه وتخوينه لخدمة الاخطبوط العالمي واستمرار الفساد والخراب المحلي والاقليمي. (الأنانية) هي الدين الامبريالي الجديد، وكتابها المقدس هو (المال)!.
• جملة الطروحات والمقررات الغربية في العصر الحديث وسيما في اعقاب الحروب تخدم مبدأ (البقاء للأقوى) العسكري والسياسي، ومبدأ (دعه يعمل، دعه يمرّ!) الاقتصادي. الأول مشتق من الدارونية/(1859م)؛ والثاني مشتق من ادم سمث [1723- 1790م] في كتابه: ثروة الأمم/ (1776م)، وجون كينز [1883- 1946م] في: النظرية العامة للاستخدام: النقود والفائدة/ (1936م).
• عالم اليوم اقترن بظهور وانتشار مفاهيم ومؤسسات العلاقات العامة/(public relation) والتي تعني استخدام الدعاية الاعلامية للتحكم في الرأي العام وتوجيهه لخدمة سلعة أو فكرة محددة لربّ المال. فهي نشاط تسويقي يستنفد علم نفس المستهلك والذائقة الاجتماعية للجمهور لرواج منتج رأسمالي، على أسس ميكافيللية تبيح وتسوغ تجاوز كل العوائق المادية والاخلاقية، لتحقيق الكسب المالي والتراكم المادي. وقد ظهرت أول جمعية علاقات عامة في أميركا عام (1924م) وهي اتحاد تجاري مهني ينظم العلاقات بين المؤسسات التجارية وجماهير المستهلكين. وفي عام (1978م) ظهرت الرابطة العالمية لجمعيات العلاقات العامة. ولا تنفك بذرة العلاقات العامة عن دعايات الحروب الستراتيجية، عبر توظيفها لأغراض تجارية بوسائل لا ينقصها التضليل والقسر والخداع. وفي (2016م) أصدرت شركة (sprk) مجلة عربية الكترونية باسم (PR) لترويج فن علاقات المنفعة العامة. ومن المتوقع ان يبلغ حجم صناعة العلاقات العامة حدود العشرين بليونا مع اقتراب العام (2020م). ومنذ السبعينيات اتفقت جامعة شيكاغو مع نظائرها في طوكيو والقاهرة على افتتاح اقسام دراسية لترويج مفاهيم العلاقات العامة، على أسس علمية وتكنولوجية اعلامية، ومن يومها تزايد دور تكنولوجيا الاتصالات والتواصل لأغراض شخصية وسياسية وتجارية، ومنذ عام (1994م) فرضت الخارجية الأميركية على أوربا استخدام تكنولوجيا الكومبيوتر في نشاطها الاقتصادي، وفي العام (2000م) كان قرار التحول الالكتروني الكامل للانشطة الحكومية والتجارية والعامة. ان توحيد العالم وتوصيله ببعضه، يعني اخضاعه لنقطة سيطرة مركزية، وجعله مكشوفا لرقابة المركز، ومن غير أية حصانات أو وسائل حماية مادية أو معنوية. وبينما تتخفي أقطاب الرأسمالية والمال والسياسة خلف استار من الغموض والدعايات الضبابية والأجهزة الوسيطة، بعيدا عن امكانيات المراقبة والمعارضة والمحاكمة، تفرض على الجميع التحلي بالشفافية أو اتهامها بامتلاك أسلحة ممنوعة وانتهاكات حقوق الانسان وتشكيلها تهديدا للأمن الرأسمالي، مما أصبح سيناريوهات مكررة ومفضوحة للملأ.
• انظر: وديع العبيدي- في علم اجتماع الجماعة.. عن الانسان والانتماء والاغتراب- ف50.
• (مت 26: 31): [لأنه مكتوب: أنني أضرب الراعي، فتتبدد خراف الرعيّة!]. انظر التطبيق السياسي للصليبية الأميركية في تصفية معارضي هيمنتها من قادة بلدان عدم الانحياز.
• حسب تقرير الامم المتحدة لعام (2017م) بلغ عدد المهاجرين حول العالم (258) مليون نسمة، بزيادة عن (220) مليون نسمة لعام (2010م)، و(173) مليون نسمة لعام (2000م). ومصادر الهجرة على التوالي لعام (2017م) هي: أسيا/(80) مليون نسمة، أوربا/(78) مليون نسمة، أميركا الشمالية/(58) مليون أميركا، أفريقيا/(25) مليون نسمة، أميركا الجنوبية والكاريبي/(10) مليون نسمة، أوكسانيا/(8) مليون نسمة. ومن جهة الموطن لمهاجري العام (2017م)، كان (106) مليون نسمة من مواليد أسيا، (61) مليون نسمة من مواليد أوربا، (38) مليون نسمة من مواليد اميركا اجنوبية والكاريبي، (36) مليون نسمة من مواليد أفريقيا. ومن جهة البلدان الطاردة للسكان احتلت الهند المرتبة الأولى: (17) مليون نسمة، تليها المكسيك: (13) مليون نسمة. الفدرالية الروسية: (11) مليون نسمة، الصين: (10) مليون نسمة، بنغلادش: (7) مليون نسمة، سوريا: (7) مليون نسمة، باكستان: (6) مليون نسمة، اوكرانيا: (6) مليون نسمة. وفي اجمالي الهجرة لعام (2017م) كانت نسبة الاناث (48%) منهم، بانخفاض عن معدل عام (2000م)/ (49%). ويذكر ان عدد طلبات اللجوء في العالم خلال العام (2016م) بلغت (25.9) مليونا. كان توزيعهم الرئيسي في تركيا/(3.1%)، الأردن/(2.9%)، فلسطين/(2.2%)، لبنان/(1.6%)، باكستان/(1.4%).
• الأب اسبيردون فياض/(مواليد اللاذقية/سوريا: 1964م): ثمة اليوم محاولة عالمية لقلب المفاهيم والقيم الأخلاقية والانسانية. مثال: شخص مستقيم موظف يقوم بواجباته على أحسن وجه، يقال عنه: (لا يعرف تدبير نفسه!). بينما شخص يرتشي ويسرق، يقال عنه: (برافو.. شاطر يعرف يدبر حاله). على مدى الزمن كانت الفنون أداة مؤدبِبة، مثقِفة، مربية، الموسيقى، الشعر، المسرح، كلها غايتها الانسان. نحن علينا اليوم رسالة: أن نعيد القيم، نرجع الأسماء بأسمائها، لنظهر هذه اقيم الأخلاقية الانسانية بكل أعمالنا. بدل الغش، نظهر الصدق/(إعادة المفاهيم لمكانها الطبيعي)!- قناة البنت السورية: تقديم د. حنان الحايك