العبقري حمدان
جمال محمود صالح حمدان" أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين، ولد في قرية "ناي" بمحافظة القليوبية بمصر في 4 فبراير سنة 1928م.
ونشأ في أسرة كريمة طيبة تنحدر من قبيلة "بني حمدان" العربية التي نزحت إلى مصر في أثناء الفتح الإسلامي.
كان والده أزهريا مدرّسًا للغة العربية في مدرسة شبرا التي التحق بها ولده جمال، وحصل منها على الشهادة الابتدائية عام 1939م.
وبحكم نشأته كان من الطبيعي أن يخرج حمدان حافظا للقرآن تجويده وتلاوته، مما كان له أكبر الأثر على أسلوبه الأدبي والفكري المبدع.
وبعد الابتدائية التحق جمال حمدان بالمدرسة "التوفيقية الثانوية"، وحصل على شهادة الثقافة عام 1943م، ثم حصل على التوجيهية الثانوية عام 1944م، وكان ترتيبه السادس على القطر المصري، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا، وكان طالبا متفوقا ومتميزا خلال مرحلة الدراسة في الجامعة، حيث كان منكبا على البحث والدراسة، متفرغا للعلم والتحصيل.
وفي عام 1948م تخرج في كليته، وتم تعيينه معيدا بها، ثم أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا سنة 1949م، حصل خلالها على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة "ريدنج" عام 1953م، وكان موضوع رسالته: "سكان وسط الدلتا قديما وحديثا"، ولم تترجم رسالته تلك حتى وفاته. بعد عودته من البعثة عمل مدرسًا بجامعة القاهرة، ولفتت دراساته الأنظار، خاصةً كتاباه (دراسات عن العالم العربي) و(جغرافيا المدن)، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1959م وعمره لم يتجاوز31 سنة.
إلا أن الحادث الأهم في حياة الدكتور "جمال حمدان"- والذي دفعه إلى الانعزال عن المجتمع في شقته بـ (الدقي)، التي تتكون من غرفة واحدة - حين تقدم لنَيل درجة أستاذ مساعد، وأقرت اللجنة العلمية هذا الترشيح مع أستاذ جامعي آخر؛ حيث كانت هناك درجتان تقدَّم لهما أربعة من العاملين بالتدريس بالجامعة.
ورأى "حمدان" أن مساواته بزميله إهانة له ولإنتاجه، وأنه كان يجب أن تقوم اللجنة بوضع ترتيب بين المرشحين يوضِّح أهمية أبحاث ودراسات كل منهما.. فتقدم باستقالته التي لم تقبلها الجامعة إلا بعد عامين كان خلالهما مسئولو قسم الجغرافيا يحاولون إثناء "حمدان" عن قراره دون جدوى.
ومنذ ذلك الحين فرض "حمدان" على نفسه عزلةً اختياريةً عن الناس؛ حيث لم يكن يستقبل أحدًا في منزله، وتفرَّغ لدراساته وأبحاثه حتى جاء يوم 16 إبريل 1993م.
حيث عثر على جثته والنصف الأسفل منها محروقاً.
اعتقد الجميع أن د. حمدان مات متأثراً بالحروق, ولكن د. يوسف الجندي مفتش الصحة بالجيزة أثبت في تقريره أن الفقيد لم يمت مختنقاً بالغاز, كما أن الحروق ليست سبباً في وفاته, لأنها لم تصل لدرجة أحداث الوفاة.
يرجح الطبيب أن تكون الوفاة بسبب صدمة عصبية, ولكن الناقد فاروق عبد القادر لفت الأنظار إلى أنه كان (جمال حمدان) يمارس اليوجا يوميا، فليس من المنطقي أن يموت بصدمة عصبية نتيجة حريق.
كما أن مشهد الحريق بدا بسيطا، اتضح ذلك من آثار الحريق على جدران الشقة، وهذا لا يسبب صدمة عصبية لشخص عادي, فما بالك بشخص يمارس اليوغا بانتظام ليقهر رغبات الجسد, خاصة وأنه اختار العزلة في آخر سنوات عمره. قالوا بعض المحللون أن أنبوبة الغاز انفجرت فيه بعد أن أذابت النيران خرطوم الأنبوبة, لكن عثر على أنبوبة الغاز في حالة سليمة, بل وخرطومها أيضاً في حالة سليمة للغاية.
وقيل أن النيران أمسكت به عند قيامه بإعداد الطعام لنفسه, لكن ثبت في التحقيقات أن د. حمدان أرسل بواب العمارة قبل الحادث بساعة ليحضر له بعض الأطعمة ليقوم هو بتجهيزها. من ناحية أخرى نفهم أن البواب المسؤول ضمنياً عن حراسة العمارة لم يكن موجوداً في موقعه عند وقوع الحادث, مما يسهل مهمة دخول وخروج أي شخص غريب.
وسؤال آخر يطرح نفسه المنطقي عندما يواجهنا حريق في الشقة أن نسارع بالهرب خارجاً. والسؤال هنا هو: ألم يحاول د. حمدان الهروب من النيران, أم أن هناك شيئاً أعاقه ومنع هروبه مما أفضى لوفاته؟ معلومة أخرى وهي أنه لا يوجد من شعر برائحة الغاز قبل رائحة "الشياط". والمنطقي أن تزكم الأنوف برائحة الغاز طالما أن تسرب الغاز كان سبباً للحريق.
وهنا أصابع الاتهام تشير إلى المخابرات اليهودية، وخاصة وقد اكتشف المقربون من د.حمدان اختفاء مسودات بعض الكتب التي كان بصدد الانتهاء من تأليفها, وعلى رأسها كتابة عن اليهودية والصهيونية, مع العلم أن النار التي اندلعت في الشقة لم تصل لكتب وأوراق د. حمدان, مما يعني اختفاء هذه المسودات بفعل فاعل
ومن المعروف أن جمال حمدان صاحب السبق في فضح أكذوبة أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، واثبت في كتابه "أنثروبولوجيًا اليهود" الصادر في عام 1967، بالأدلة العملية أن اليهود المعاصرين الذين يدعون أنهم ينتمون إلى فلسطين ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية "الخزر التترية" التي قامت بين "بحر قزوين" و"البحر الأسود"، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات "آرثر كويستلر" مؤلف كتاب "القبيلة الثالثة عشرة" الذي صدر عام 1976.
وتعرف موسوعة ويكبيديا الألكترونية جمال حمدان بأنه واحدا من ثلة محدودة للغاية من المثقفين المسلمين، الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم من اجل خدمة قضايا الأمة، حيث خاض من خلال رؤية استراتيجية واضحة المعالم معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين.
ترك جمال حمدان للفكر العربي والإسلامي 29 كتاب و79 بحث ومقالة، أشهرها كتاب (شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان)، ومات ولم يتزوج.
مؤلفاته العربية التي نشرت باللغة العربية هي: دراسات في العالم العربي 1958، أنماط من البيئات 1958، دراسة في جغرافيا المدن 1958، المدينة العربية 1964، بترول العرب 1964، الاستعمار والتحرير في العالم العربي 1964، اليهود انثروبولوجياً 1967، شخصية مصر 1967، استراتيجية اللاستعمار والتحرير 1968، مقدمة كتاب (القاهرة) لديزموند ستيوارت ترجمة يحيى حقي 1969، العالم الإسلامي المعاصر 1971،بين أوروبا وآسيا دراسة في النظائر الجغرافية 1972، الجمهورية العربية اللليبية دراسة في الجغرافيا السياسية 1973، 6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية 1974، قناة السويس 1975، أفريقيا الجديدة 1975،موسوعة (شخصية مصر - دراسة في عبقرية المكان) 4 أجزاء 1975 - 1984.
حتى هذه اللحظة لم يعلم أحد سبب الوفاة ولا اين اختفت مسودات الكتب التي كانت تتحدث عن اليهود، ويقول عنه أنيس منصور في عموده المنشور (الأهرام 19/ 4/ 1993م): "عاش غريبا ومات وحيدا، يرحمه الله.. مات وحده، مات كما تموت الشهب محترقا في السماء.. لا أحد رآه ولا أحد عرف كيف صرخ وكيف بكى.. وإنما سقط رمادا أضيف إلى تراب مصر.. يا أرض مصر قد مات فيلسوفك وشاعرك والشاهد على عبقريتك"