السمكة الذهبية
على الرصيف وقف أحمد ووالدته يشاهدان الشاطيء المنتعش بأريج الصباح والرمال المستحمة بماء البحر والصيادين المنتشرين بالمكان، يلقي كل منهم بسنارته (بصنارته) وبجواره حقيبة من القش أو فروع النخيل يضع فيها ما يرزقه الله به من خير البحر، الماء لونه يتدرج ما بين الازرقاق الذي يمنح الروح سلاماً والخضرة التي تنعش القلب والبنفسجي الفاتح الذي يمتد لعمق البحر.
2
كانت أم أحمد تأتي إلى هذا المكان في منطقة الماكس بالأسكندرية حيث تشتري من الصيادين مباشرة ما يجود به البحر.
كانت تقترب من أحدهم و يتفقان أن صيد الطرحة القادمة تكون لها ويحددان الثمن، أيا كان وزن هذا الصيد قليل أو كثير، ويلقي الصياد سنارته وهو يسمي باسم الله متوكلاً عليه وقد نذر الطرحة القادمة لهذه السيدة
3
وقفت أم أحمد تبحث عن بائع بعينه تعرفه لكي تتجه إليه وهي تمسك أحمد بيدها.
كانت عينا أحمد ترقبان طيور النورس وهي تحوم في الفضاء والقوارب الصغيرة وهي تدور في المكان، ويعود للصيادين وكل منهم مشغول بسنارته على الشاطيء حينما أبصر حافظة نقود على الأرض فأشار لأمه إليها.
4
قالت الأم:
مؤكد هي لأحد الصيادين وقعت منه.
نزلت مع أحمد ووقفت تراقبه وهو يسأل الصيادين، فاذا بأحدهم يتهلل وجهه فرحاً وهو يراها تعود إليه بعد أن فقد الأمل، ويشكر أحمد كثيراً، وحينما انتبه لوجود أمه معه نذر صيد الطرحة القادمة لهما مجاناً هدية منه.
5
ألقى الصياد السنارة ( الصنارة) ووقف ينتظر فاذا بالسنارة تهتز شدها سريعاً، خرجت وبها سمكة ذهبية لم تر العين أروع منها، قدمها لأحمد باسماً وهو يقول:
– رزق ساقه الله اليك وألقى السنارة من جديد.
6
أمسك أحمد السمكة متعجبًا من بديع شكلها فاذا بها تستحلفه بالله أن يطلقها، سمعها بوضوح فلم يصدق أذنيه، سألها
هل تكلمت؟
قالت: نعم وأرجوك أن تطلقني حالاً
7
نظر أحمد إليها وهي في يده تنظر إليه في رجاء وقد بدا عليها القلق، فكر أن يطلقها كما طلبت، لكنه تذكر أنها رزق ساقه الله إليه، الصياد لم يقصدها بذاتها، ولكن الله سبحانه قدر أن تصل إليه، عاد يسألها:
– لماذا أطلقك؟
8
قالت له إنها لديها مهمة عليها أن تؤديها، وبعدها تعود إليه.
بدت على وجهه الدهشة، سألها:
– هل تعودين حقاً؟
– بشرط ألا تحدث أحداً بحديثنا
ألقاها في الماء فاذا بها تغوص فوراً وتختفي عن الأنظار.
9
حدقت الأم وحدق الصياد فيه، كيف يفرط في رزقه بهذه السهولة، وازدادت دهشتهما حينما أصر على الصمت.
ظل يحدق في صفحة الماء. سألته أمه لماذا، قال:
انتظر السمكة
ازدادت دهشتها.
10
أرادت الأم مغادرة الشاطئ لكن أحمد أصر على البقاء، قال لها إنه يثق في عودة السمكة كل الثقة، ولم يقل لها شيئا آخر تنفيذاً لوعده للسمكة.
وقفت الأم تنتظر، وراقب الصياد الأمر وهما في شك من عودة السمكة.
دهش الجميع حينما رأوها تطفو على الماء وتقترب من أحمد.
11
شكرته السمكة على معروفه.
سألها عن حكاتها، قالت:
عندي أمانات للأصدقاء وكان يجب ردها إليهم، لذلك عدت
شكرها أحمد لأنها حفظت العهد وردت الأمانات.
وأطلقها من جديد، شكرته على معروفه وغابت عن العيون
قالت أمه وهي تحمل دهشتها:
لماذا أطلقتها ثانية؟
قال بهدوء:
لأنها حفظت العهد
وسار مغادراً وهو يحمل ابتسامة رضاء
= انتهت