الدارجة المغربية في سرديات الكاتب العراقي زهير ياسين شليبه
عندما انتهيت من قراءة قصة "موعد ترجمة"، أثارت في نفسي تعجبًا عميقًا، فقد كانت القصة شيقة للغاية ودفعتني لأقول بالعراقي: "تخبّل"! لم أكن أعرف من كاتبها آنذاك، لكنها أثرت فيّ بشكل لم أتوقعه. لذا، كتبت رأيي الصريح في رسالة إلكترونية إلى الدكتور زهير ياسين شليبه، مشيرة إلى أن القصة، على الرغم من بساطتها كما تبدو من عنوانها، تجسد أسلوبًا ساخرًا وشيقًا وتصويرًا وسردًا بارعًا لأنها غير تقليدية. القصة تصور حدثًا واحدًا يعكس قضايا اجتماعية ونفسية وإنسانية بلغة مكثفة ومشوقة، حيث يلتقي القارئ بشخصيات متنوعة مثل الشيخ المغربي والشاب الدنماركي موظف القطار، والعجائز الدنماركيات، وخالته ووالدته وجدته اللاتي يستحضرهن من خلال ذكرياته عنهن. الشخصيات المتنوعة في القصة تمثل نسيجًا اجتماعيًا غنيًا، تمكن الكاتب من استكشاف تعقيدات الحياة والثقافة بطريقة تلامس إحساساتهم بعمق. من خلال الذكريات والمونولوجات، يتجول الراوي بنا في عوالمهم، كاشفًا عن التحديات اليومية والأوضاع السياسية بأسلوب يشبه تقنيات التصوير السينمائي. خلال قراءتي، شعرت كأني أخاطب زهير ياسين شليبه وجهًا لوجه، مؤكدة أن مؤلف القصة متمكن بشكل ملحوظ من فن كتابة القصة القصيرة، محددًا بدقة الزمان والمكان والشخصيات. بطل القصة، الذي يحاول بشتى الطرق الوصول إلى موعد الترجمة بدون تأخير، ينقلنا عبر معاناته من الأرق والإرهاق بطريقة تجعل القارئ يتعاطف معه بشدة. وصوله في النهاية إلى البلدية بلا موعد مسبق كما تهيّأ له، لكن ليجد نفسه مطلوبًا لترجمة أخرى حالة اضطرارية، هو تذكير بأن الصدف أحيانًا تقود إلى مسارات غير متوقعة. هذا الحدث يكشف عن المفارقة الرائعة في الحياة وكيف يمكن أن تتحول اللحظات العادية إلى نقاط تحول كبرى. القصة، بكل ما فيها من أحداث وتفاصيل وتصوير حيوي، لم تكن مجرد تسلية بل درسًا في التعاطف والفهم المتبادل من خلال أحاديثه الشيقة مع الشيخ بالدارجة المغربية ومزاحه معه ونظراته للعجائز الدنماركيات. أخيرًا، أشكر زهير ياسين شليبه على هذه التجربة الأدبية الغنية التي أثرت فيّ عميقًا وأكدت لي مرة أخرى أن الكتابة ليست فقط فنًا بل جسرًا يعبر به الإنسان إلى قلوب الآخرين وعقولهم. "موعد ترجمة" لم تكن مجرد رحلة عبر الصفحات، بل كانت رحلة عبر النفس والزمان، تخللتها طيات من التفكير والعبرات التي لا تُنسى. من الجدير بالذكر أن "موعد ترجمة" لم تكن مجرد قصة تتناول الأحداث اليومية، بل كانت عملاً أدبيًا يستكشف العمق النفسي والثقافي للشخصيات بطريقة تدعو القارئ للتفكير والتأمل. الطريقة التي تتعامل بها القصة مع موضوعات مثل الهوية، الانتماء، وتقاطع الثقافات قدمت لي نظرة متعمقة عن كيفية تأثير الثقافة في تشكيل الذات. كانت هذه الجوانب بمثابة جسور تربط بين عالمي الخاص والعوالم المعروضة في النص. في كل مرة كنت أتأمل في الحوارات والوصف الدقيق للأماكن والأشخاص، كنت أشعر بأن الكاتب ينقلنا، نحن القراء، إلى مركز الحدث، ليس فقط كمراقبين بل كمشاركين فعالين في السرد. هذه التقنية السردية لا تسمح للمرء بأن يظل محايدًا؛ بل تجبره على التفاعل مع الأحداث والشخصيات، مما يعزز الاتصال العاطفي مع القصة. التفاصيل الثرية والمشاهد المصورة كانت تعكس ليس فقط المهارة الأدبية للكاتب ولكن أيضًا قدرته على استخدام اللغة كأداة للتعبير عن مجموعة معقدة من المشاعر والأفكار. كل جملة كانت تبني وتضيف إلى الصورة الكبرى، مما جعل النهاية، على الرغم من بساطتها الظاهرية، تحمل وزنًا عاطفيًا وفكريًا كبيرًا. هذا التأثير العميق للقصة عليّ لم يكن متوقعًا، لكنه ترك في نفسي أثرًا لا يُمحى. القصة، بتناقضاتها وتقلباتها، كانت تعكس الحياة نفسها، مع كل تعقيداتها وجمالها. مما جعلني أتأمل في الدور الذي يلعبه الفن والأدب في تشكيل تفكيرنا وإدراكنا للعالم من حولنا. بعد قراءتي لهذه القصة، أصبحت أكثر تقديرًا للقصص القصيرة كوسيلة لاستكشاف القضايا الإنسانية العميقة في سياقات مكثفة وموجزة. إنها تذكير بأن الأدب لا يحتاج إلى الإطالة ليكون مؤثرًا؛ بل يمكن للكلمات المحسوبة والمشاهد المنتقاة بعناية أن تحرك العقل والروح على حد سواء.
والآن لنقرأ ماذا يقول كاتب قصة "موعد ترجمة" الدكتور زهير ياسين شليبه:
صحيح، انا ارسلتها لك مدعيًا انها لشخص آخر معجب بكل ما يكتبه، قلت عنه باللهجة العراقية ساخراً "كلمَن نغفته بحلقه حلوه.
وشرحتُ معناه، يعني، يصعب على المرء أحياناً ان يرى عيوبَه!
كتبتُ قصة "موعد ترجمة" بدون التفكير بأي خطة مسبقة للكتابة! مثل رسّام يبدأ برسم لوحته، يضع الألوان عليها، الوجوه، المكان، الزمان، ثم يقوم بتشكيلها، يتركها يومين ثلاثة، اشهر، سنة، عدة سنين، حتى بعد نشرها مختصرة، يعود إليها، يتعمّق بها، يكتب بإسهاب كموسيقي يعزف الكمان، بالذات الكمان!
ليس فيها احداث، مجرد حكي بحكي، سرد، لكنه مليء بتنوع الزمان والمكان من خلال الناستولجيا، العودة إلى أهله، والدته، خالتها، ابنة عمها التي هي خالته أيضًا!! كيف حدث ذلك؟ امرأة عجوز خضراء العينين، يقارنها بالأوروبيات المتزينات بأبهى الملابس بينما هي تلبس الأسود دوماً! يستحضرها في خياله ويدعها تخرج معهن، تحدثهن بالإشارات عن زوجها او طليقها، تقول لهن: حمار! بالإشارات طبعًا!
والسارد الشارد الراوي (صورة الكاتب) يتطلع اليهن من نافذة القطار قلقًا على خالته!
نجد هنا عدة مستويات من شخصيات نسائية! وطبعًا يقابلها الأمر نفسه من حيث اللغة: الإشارات! واللهجات العراقية في مونولوج عن امّه والمغربية في محاوراته مع الشيخ المغربي والفصحى وطبعًا اللغة الدنمركية عندما يتحدث مع موظف القطار وكتب الترجمة والبلدية!
السخرية والتهكم جنبًا الى جنب مع حالك القلق وحركة القطار والناس الرائحين والغادين في ممر القاطرة وتغير الوقت ومراقبته باللحظات خوفًا من التأخر عن الموعد المقرر ، كلها عناصر شد وجذب مقصودة من الكاتب في السرد المليء بتفصيلات قد تتطلب المزيد من التركيز. هذه القصة ليست قصيرة تمامًا، فهي اطول من القصيرة نوعما، إنها الفصل الاول لرواية قد تُكتب في المستقبل!