التبادل الثقافي والغزوالثقافي
رؤية في ثقافة المجتمعات العربية والغربية
بين القبول والرفض
تقديم:
يمكن اعتبار هذه المقالة ضمن سلسلة من المقالات كرستها لوضع سياسة وإستراتيجية وطنية لتكريس دور الثقافة المستمدة أصولها من المعرفة والعلم من أجل فهم الظواهر المعاصرة التي تحيط بنا من تغيرات في الأفكار والاهتمامات بين المجتمعات واستحداث مفاهيم تدل عن جوانب عصر جديد يرتكز على العلم والتكنولوجيا في بناء مفاهيمه وفي تعامل الأفراد فيما بينهم أوالجماعات ، ومن هنا ترتكز الثقافة في بناءها ليس على الفن والتراث التقليدي الزخرفي الشكل وإنما على العلم والتقانة في توعية الأفراد وتنمية قدراتهم الفكرية، الثقافية والعلمية، ولوكان ذلك بشكل غير مباشر، حيث نجد أن الثقافة في خصائصها التغير والاستمرارية، وإذا تشبثنا في دعم الثقافة التي تؤطر وتهدف للحفاظ على الوضع في إطار بناء ثقافي يهدف إلى المتعة الفنية فإننا نحقق الأهداف التي وضعناها بدون أن تكون هذه الأهداف ذات مسعى ايجابي أما إذا كانت الثقافة التي نهدف إليها نابعة من العصرنة الابتكاري المدعومة بالفنون الحديثة والغريبة في نفس الوقت من رقص وغناء، فسنحصل على جوانب ثقافية ذات أبعاد ممتدة ولكن بجوانب جد سلبية تسعى إلى تطوير ما لا يمكن الإفادة والاستفادة منه ، وهذا الأمر لا يحتاج لدراسة لنفي تبنيه كمنهج ثقافي تنموي ، لذا يبقى علينا طرح السؤال ما هي الطريقة الأمثل في بناء مشروع ثقافي حضاري ؟ وما هي المؤسسات التي تساهم في صناعة ثقافة تقدمية ؟ وما يمكن تقديمه من أجل الرقي بالحضارة انطلاقا من الإمكانات المتوفرة ؟
قبل البدء في طرح جوانب الموضوع سنقوم بتحديد مفهوم الثقافة كوسيلة محورية في بناء مشروع حضاري وباعتبارها المعبر الحقيقي عما وصل إليه الفرد من تقدم فكري، فمن خلالها يتم رسم المفاهيم والتصورات كما يتم تحديد القيم والسلوك لدى الأفراد والجماعات.
ارتبطت الثقافة بالوجود الإنساني ارتباطاً متلازماً تطور مع الحياة الإنسانية وفقاً لما يقدمه الفرد من إبداع وإنتاج في شتى المجالات، فالثقافة عند تايلور هي "المنظومة المعقدة والمتشابكة التي تتضمن اللغات والمعتقدات والمعارف والفنون والتعليمات والقوانين والدساتير والمعايير الخلقية والقيم والأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية والمهارات التي يمتلكها أفراد مجتمع معين"، فالثقافة هي المحرك الأساس للفعل الإنساني، ومعيار الحضارة لدى الأمم ورقيّها مرتبط بتقدمها الثقافي بكل دلالات اللفظ ومحتوياته، وهذا ما تشهد به المدنية المعاصرة فالأمم المتقدمة في عالمنا هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب الثقافة في كافة جوانبها الإنسانية والعلمية وأن تحول وعيها الثقافي إلى فعل عام تتقدم به على غيرها ، على الرغم من الخلل الذي يلف بعض جوانب ثقافتها .
فالسيطرة العالمية المعاصرة على المجتمعات تعدى السيطرة العسكرية أوالاقتصادية فقط بل هي نسيج من السيطرة الثقافية ، إذ أصبحت نمطية الحياة لدى بعض الشعوب صورة متكررة لشعوب أخرى في فعلها الثقافي على الرغم من أنها لم تخضع لاحتلالها العسكري أولهيمنتها الاقتصادية .
كان عالم الاجتماع روبرت بيرستد أكثر وضوحاً حين عرّف الثقافة بأنها "هي كل ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أونقوم بعمله أونتملكه كأعضاء في مجتمع".
ولعل علماءنا العرب والمسلمين سبقوا في دراسة ارتباط الثقافة بالمجتمع منذ عصور مضت يقف في مقدمة ركبهم مؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون مروراً بعدد كبير من علماء الاجتماع ولعل أبرزهم في السنوات الأخيرة المفكر الجزائري مالك بن نبي وعالم الاجتماع علي الوردي وغيرهم .
إن ارتباط الثقافة بالمجتمع ارتباط متلازم ، إذ لا يمكن أن نفهم مجتمعاً إلا بفهم ثقافته ، كما لا يمكن أن نفهم ثقافة أي مجتمع إلا بفهم المجتمع ذاته ، سوء كان ذلك في جوانبه الثابتة كالأديان والقيم الأخلاقية ، أم في جوانبه المتطورة والمتغيرة كالإبداع والفن والأدب والإنتاج العلمي وغيرها من الأفعال الثقافية المتطورة والتي هي أسرع تغيّراً ومواكبةً للمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع .
وإذا كانت الثقافة تتبوأ هذه المكانة في حياة الأمم والمجتمعات والأفراد ، فإن المؤسسات الاجتماعية الرسمية والغير رسمية هما البوابتان اللتان تلج الثقافة من خلالهما إلى الفرد قبل المجتمع.
ونجد في الواقع أن هنالك إذا أمكن القول مؤسسات وهيئات اجتماعية تقوم بممارسة عملية النقل أوالتبادل الثقافي في الدول العربية بصفة عامة وبالجزائر بصفة خاصة ويمكننا تصنيف هذه المؤسسات في إطار مهامها وأدوارها في التصنيف الأتي:
المؤسسات الاجتماعية:
إن من مؤسسات المجتمع المؤثرة ثقافياً المراكز والأندية الثقافية والأدبية والجمعيات الاجتماعية التي تنتشر في بعض الأقطار، إذ تشكل هذه المراكز والأندية مصدراً تثقيفياً لعامة أبناء المجتمع ولطلبة وطالبات المؤسسات التربوية والتعليمية من خلال البرامج الثقافية والأدبية كالمحاضرات والندوات والمؤتمرات وكذا نشر الكتب والدوريات والمجلات وغيرها من البرامج التي تُقدم وتم تنفيذها سواء كان ذلك في ذات المركز أوالنادي أوالجمعية، أويتم تقديمها في المؤسسات وفق برامج مشتركة بينهما.
لقد أصبح للمؤسسات المجتمعية دور كبير في الثقافة التربوية وأصبح من الضرورة أن يتكامل ما تقدمه هذه المؤسسات مع ما تقدمه المؤسسات التربوية والتعليمية .
إن طلاب المؤسسات التعليمية وطالباتها يأتون إليها وهم محملون بكثير من القيم الثقافية التي تلقوها من مؤسسات المجتمع ومكوناته المتعددة ، وتستمر معهم هذه القيم في مرحلة دراستهم ، بل تزداد رسوخاً من خلال تأكيد الدراسة على هذه القيم أوأنها تتعرض للتهذيب والتوجيه من خلال ما يتلقاه الطلاب والطالبات على يد أساتذتهم وفي مؤسستهم التعليمية والتربوية .
ولعل أبرز مؤسسات المجتمع تأثيراً في الثقافة ، هي المؤسسات الدينية كالمساجد والمراكز الدعوية وهيئات الإفتاء ووزارات الشؤون الإسلامية وغيرها من المؤسسات الدينية التي ترسم إطاراً محدداً لكثير من التصورات والثقافات التي يتلقاها الطلاب والطالبات ، ويمتد تأثيرها إلى كافة أطياف المجتمع ، ولقد توسع هذا الدور وأصبح مصدراً ثقافياً مهماً خاصةً في جوانب معرفة الأحكام الشرعية ككثير من أمور العبادات والمعاملات والحياة وتزكية النفس وتهذيبها ، ولبيان مواقف الإسلام من القضايا العامة أوللرد على الشبهات والتحديات التي تواجه المسلمين أولغيرها من مكونات الثقافة العامة للفرد . وقد تزايد دور هذه المؤسسات في السنوات الأخيرة من خلال استخدام وسائل جديدة كالأشرطة المسجلة أوأشرطة الكمبيوتر المدمجة أوالكتيبات الصغيرة أواستخدام شبكة الإنترنت بل استخدام الرسائل الهاتفية القصيرة .
إن كثيراً من الطلاب والطالبات يبنون آراءهم ويتخذون مواقفهم من خلال التأثير الثقافي لهذه الوسائل مما يعني أهميته دورها في رسم السلوك والقيم لدى هؤلاء الطلاب والطالبات ، خاصة وأن هذه المؤسسات تحظى بالرضا والقبول لدى متلقي رسالتها الثقافية لارتباطها بالمشروعية الدينية المعتمدة على النصوص والأدلة الشرعية .
الأسرة : إن الاهتمام بالأسرة يعني الاهتمام بكل مجتمع ، فإذا أنشئت هذه الأسرة على أسس وقواعد ثابتة راسخة من القيم والفضائل فإنها بذلك تبني المجتمعات بلبنات قوية متماسكة لا تؤثر فيها عواصف الزمن ولا متغيرات الأحداث . أما إذا أهملت الأسرة دورها في التربية والتقويم فإن أفراداً في المجتمع يتخرجون من هذه الأسرة لا يمكن أن يساهموا في بنائها بل يكونون عوامل هدم وتخريب ولا يمكن أن تنشأ المجتمعات بمثل هذه العناصر الهزيلة .
وقد اهتمت الشعوب والأمم بتكوين الأسرة على قواعد ثابتة حتى تستطيع أن تربي أجيالاً قوية ، ولعل أهم أدوار الأسرة في تكوين الثقافة التربوية يبرز في الاهتمام بالجانب الأخلاقي والسلوكي وفي تعليم الأبناء الفضائل والمبادئ الخلقية الرفيعة وإرشادهم إلى السلوك المستقيم ، وهي من أهم الواجبات التي يمكن أن تقوم بها الأسرة فهي التي تستطيع أن تترجم المعاني الخلقية إلى أفعال وسلوك بممارستها لهذه الأفعال أمام الأبناء فيكتسبون منها ذلك ولا يمكن لأي مؤسسة أوفئة أومحضن تربوي أن يقوم بدور الأسرة ، وإذا حدث ذلك فإنما هوخلل في الأدوار لا بد من معالجته . ولعل أبرز جوانب التربية الخلقية هوالقدوة من خلال الوالدين ، حيث أنهما يعتبران النموذج والقدوة أمام الأبناء.
كما يبرز دور الأسرة في الاهتمام بالسلوك الاجتماعي حيث يعيش الأبناء في مجموعة بشرية معينة وعليهم أن يتعرفوا على هذه البيئة حتى يستطيعوا أن يعيشوا معها ويتجاوبوا مع ما تطلبه منهم ويستطيعوا أن يأخذوا منها ما يحتاجون إليه ، ولذلك لا بد للأبناء من سلوك اجتماعي يتعاملون به مع الآخرين ، وهذا السلوك إنما يأتي بصورة رئيسية من الأسرة التي تدربهم وتعلمهم على ذلك.
وتأتي تنمية الجانب الثقافي كدور آخر للأسرة ، فهوجانب مهم في حياة الإنسان الذي يراد له أن يكون إنساناً سوياً ، وبالتالي لا بد له من ثقافة ومعرفة يتلقاها في صغره حتى يكبر عليها وينشأ محباً لها عاملاً بها .
فمن خلال الأسرة تتكون القيم والمفاهيم الثقافية الأولى للفرد ويستمد منها معرفته الثقافية بدءاً من معاني المفردات والكلمات إلى الحكم على الأشياء بالصواب والخطأ .
ولعل أهم الأدوار الثقافية للأسرة مراقبة ما يقدَّم للأبناء من خلال وسائل الإعلام ، فالأسرة لا تستطيع أن تمنع ما يقدَّم في هذه الأجهزة إلا أنها تستطيع أن تراقب ما يقدَّم لأبنائها من برامج إعلامية ، لأن في بعض هذه البرامج ثقافة وفكراً لا تتفق مع ما تهدف إليه الأسرة من التربية السليمة لأبنائها.
والأسرة ـ كذلك ـ مرجع لثقافة الطلاب والطالبات ، فما زال كثير منهم يلجأ إلى أسرته للتعرف على ما يحتاجه من ثقافة معينة أومعلومة جديدة خاصة إذا كانت هذه الأسرة تعنى بالثقافة .
إلا أن دور الأسرة بدأ يتراجع لصالح مؤثرات أخرى كوسائل الإعلام والمؤسسات المجتمعية ، فبسبب التحول الاجتماعي الذي طرأ على أطوار كثير من مكونات المجتمع ووحداته فقد أصبحت الأسرة مشدودة إلى مؤثرات كثيرة ، مثل طول ساعات العمل للوالدين أوأحدهما والاهتمام بقضايا حياتية كتوفير مصادر الدخل والعلاقات الاجتماعية ، واقتصار حجم الأسرة على الأسرة النووية بما لها من دور محدود ، وتراجع الدور الواسع والمؤثر للأسرة الممتدة ، ودخول عوامل مؤثرة جديدة داخل الأسرة وهي جهاز التلفزيون أوالكمبيوتر ، كل ذلك أثر على هذا الدور فأصبحت ساعات التواصل بين الأسرة محدودة أوقليلة ، وأصبح الأبناء يبحثون عن إجابة لتساؤلاتهم في أجهزة الإعلام كالإذاعة والتلفزيون وشبكة الاتصالات وشبكة المعلومات وغيرها من مصادر المعرفة ،
وقد أدى ذلك كله إلى إضعاف دور الأسرة في تكوين الثقافة التربوية للأبناء .
المؤسسات التربوية:
إذا كانت المؤسسات التربوية تهئ لطلابها وطالباتها الخطط والبرامج التعليمية والتدريبية لما لهذه الخطط والبرامج من أهمية في تحصيل الطلاب والطالبات للمواد العلمية التي جاءوا لدراستها ، فإن هناك جانباً آخر لا يقل أهمية عن ذلك ، ألا وهي مصادر الثقافة التربوية لدى هؤلاء الطلاب والطالبات ، إذ أن ما يقدم داخل قاعات الدرس والمختبرات والمعامل لا يمثل إلا جزءاً من عملية التربية التي يجب أن يتلقاها الطلاب والطالبات ، ولعل أبرز مما تعنى به المؤسسات التربوية هورفع المستوى الثقافي لطلابها وطالباتها من خلال توفير فرص التثقيف وإيجاد رؤية تثقيفية نقدية لديهم حتى يستطيعوا أن يتعاملوا مع المؤثرات الثقافية في المجتمع ، وذلك من أصعب المهمات أمامها إذ أن تشكيل الرؤى الثقافية يتم قبل من خلال مؤثرات كثيرة ، وتأتي هذه الرؤى ـ في بعض الأحيان ـ محملة بكثير من المعوقات التي تحد من دور المؤسسة التربوية في تكوين التصورات والأفكار الثقافية لطلابها وطالباتها ، إذ يأتي هؤلاء وقد تأثروا بمؤثرات كثيرة لعل من أبرزها الأسرة والمدرسة والأصدقاء وغيرهم .
المكتبات :ما زالت المكتبات بصفة عامة والمكتبات في المؤسسات التعليمية بصفة خاصة مصدراً أساسياً من مصادر الثقافة التربوية للطلاب والطالبات ، فهي مصدر علمي يسند المقررات الدراسية والتدريبية حيث يجد فيه الطلاب والطالبات مبتغاهم من المصادر والمراجع التي يحتاجونها لدعم دراستهم التخصصية أوأبحاثهم العلمية ، وتسعى المؤسسات التعليمية إلى أن تكون مكتباتها ملبية لاحتياج الباحثين فيها سواء كانوا أساتذة أم طلاباً ، ولذا فإنها تقوم بتطوير مكتباتها ورفدها بالدراسات والأبحاث والكتب الجديدة ، وقد يسرت وسائل التكنولوجيا سبل الاستفادة العلمية من المكتبات خاصة مع توفر الكتاب الإلكتروني أوالمكتبة الإلكترونية التي لا تحتاج إلى انتقال مكاني أوساعة زمنية محددة للاستفادة منها .
وإذا كانت المكتبة مصدراً علمياً أساسياً للطلاب والطالبات فإنها مصدر ثقافي لهم كذلك إذ أنها تخرج من كونها مصدراً مسانداً للعملية التعليمية لتصبح مصدراً للثقافة من خلال ما تحتويه من كتب ومراجع ومصادر مختلفة إلى جانب احتوائها على المجلات العلمية والصحف والبرامج السمعية والبصرية ، فهي بذلك جزء من دعم النشاط الثقافي العام ومصدر لثقافة الطلاب والطالبات .
لكن المتتبع لدور المكتبات في المؤسسات التعليمية يجد أن الاستفادة منها كمصدر للثقافة ما زال محدوداً ، إذ ما زال طلاب وطالبات المؤسسات التعليمية يعتقدون أن دور المكتبة مقصور على توفير المراجع والمصادر العلمية وأن مصادرهم الثقافية لا مكان لها في هذه المكتبة ، ولعل مرجع ذلك إلى (تقليدية) الدور الذي تقوم به بعض المكتبات ، إذ يقتصر دورها على توفير الكتب دون القيام ببرامج وأنشطة تخرج بها من هذا الدور إلى الدور الثقافي العام بحيث تشجع الطلاب والطالبات على الاستفادة منها ومن برامجها ، وترجع بعض الأسباب إلى الطلاب والطالبات أنفسهم ، ومن ذلك :
أ . عدم إدراك الطلاب والطالبات للثقافة كمكوّن أساسي لحياتهم الشخصية ، إذ لا يتوقف دور الطالب أوالطالبة بعد تخرجه على المادة العلمية التي درسها ، بل يمارس دوراً واسعاً في الحياة يتطلب منه إحاطة شاملة بشؤونها ، ومن لم يتسلح بالثقافة العامة والمعرفة إلى جانب التأهيل العلمي والتدريب فلن يستطيع أن يقوم بدوره في الحياة كما ينبغي .
ب . تراجع مكانة القراءة كمدخل للثقافة ، فكثير من الطلاب والطالبات لا يقرءون إلا المقررات الدراسية أوما يكلفهم به أساتذتهم من واجبات ، لكن القراءة والمطالعة كرغبة وهواية لم يعد لها ذلك الدور المهم على الرغم من توفر الوسائل المساعدة في ذلك .
إن كثيراً من الطلاب والطالبات لديه الرغبة في القراءة لكنه لا يعرف كيف يبدأ وماذا يقرأ ولا يعرف أساليب القراءة وكيفية الاستفادة مما قرأ ، إلى غير ذلك من المعوقات أمامه التي يحتاج معها إلى توجيه وإرشاد يمكنه من الاستفادة من المكتبة .
ج . غياب الاهتمام الثقافي العام والتثقيف الذاتي ، إذ أدى تطور الحياة السريع وتشتت الاهتمام في جوانب كثيرة من الحياة وانصراف الإنسان إلى الاهتمام بحياته ومصادر رزقه وضياع كثير من الأوقات ، وغياب الاستعداد للعمل الثقافي وتراجع هذا العمل إلى العزوف عن الشأن الثقافي ـ بصفة عامة ـ لصالح مظاهر اجتماعية أخرى ،إن المراقب لحال طلاب وطالبات لا يجدهم يختلفون كثيراً عن واقع المجتمع الذي يعيشون فيه ، وهم في ذلك غير ملامين ، فهم نتاج مجتمعهم أوبيئتهم ، وقد تأثروا به وتعودوا على ما عودهم عليه ، ومن هنا فإن الشكوى من ضعف المستوى الثقافي لكثير من للطلاب والطالبات ليس إلا تعبيراً عن المستوى الثقافي العام .
وقد كشفت دراسة أخرى (حوّاس1999) حول المستوى الثقافي للطلاب ، نتائج مقلقة ،إذ أن معظم الطلاب لا يقرؤون الصحف المحلية مطلقاً ، في حين بلغ متوسط ساعات الجلوس أمام التلفاز 6 ساعات يومياً ، وكشفت الأسئلة التي تتعلق بالشخصيات العامة عن جهل الطلبة بأسماء شخصيات لها دور وطني بارز ، فمثلاً عرف الكثيرون المفكر التنويري عبد الرحمن الكواكبي على أنه صحافي مصري ، وسعد زغلول بأنه شاعر سوري والشاعر التشيلي ( بابلوينرودا ) بأنه أديب مغربي وهكذا . ولكن الأمر اختلف عند ما تعلق السؤال بمسألة تلفزيونية أوسينمائية ، إذ تم السؤال عن جنسية الممثلة الأمريكية " شارون ستون" وعن فيلم "غريرة أساسية " كأشهر أفلامها إذ كانت أجوبة أكثر الطلاب صحيحة ، وأنحى الطلاب باللائمة على أساتذتهم في ذلك ، وعن مسؤوليتهم في أنهم يلقّنونهم معلومات غير صحيحة تدل على جهلهم بالحقائق التاريخية ، وأعطى أحدهم مثالاً بأستاذه الذي لا يعرف أن سورية استقلت عام 1946م . وفي مصر تقدم لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري أكثر من ( 2000 ) من خريجي الجامعات للعمل مذيعين ومترجمين ومحررين ، ولم ينجح واحد منهم في الاختبار رغم أن الأسئلة كانت تدور حول المعلومات العامة فإن إجاباتهم حملت العجب العجاب منها أن انجلترا عاصمة بريطانيا ومنابع نهر النيل تبدأ من دلتا مصر والسد العالي أنشئ بعد حرب أكتوبر 1973 ، تركيا دولة عربية ونجيب محفوظ من رواد الواقعية في السينما المصرية!! ، أما في الكويت فالأمر لا يختلف كثيراً حيث أجرت صحفية الرأي العام الكويتية استطلاعاً على مجموعة من الشباب لقياس مستوى ثقافتهم فتبين أن لديهم معلومات جيدة عن الممثلين واللاعبين وعروض الأزياء والموضة ، وبسؤالهم عن كوفي عنان اعتبره59% من العينة حارس مرمى منتخب الكاميرون ، وبعضهم اعتبره منظراً شيوعياً ، بينما لم يتعرف على عمله الحقيقي كأمين عام للأمم المتحدة ( السابق ) سوى 23% ، أما روجيه غار ودي فأجاب 16% من أفراد العينة أنه لاعب في منتخب فرنسا 1998 م ، بينما لم يتعرف عليه سوى 23% من الشباب ، أما الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس فقد اعتبرته الأغلبية أنه شقيق الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين (17) .
ولا تختلف الصورة ـ كثيرـ في أي أومؤسسة تعليميةعربية عما ورد في مثل هذه الاستبيانات .
جماعة الأصدقاء : يشكل الأصدقاء مصدراً للثقافة التربوية بالنسبة لزملائهم خاصة لأولئك الذين لا يجدون مصدراً للإجابة على تساؤلاتهم التربوية والثقافية ، فقد أصبح "عالم" الأصدقاء بالنسبة لكثير من الفتيان والفتيات موئلاً مهماً للإباحة لهم بمشكلاتهم ، وهومهم ، خاصة وأنهم يجدون فيهم الثقة المناسبة والمقاربة في العمر والقدرة على التجاوب معهم دون تعنيف أوإساءة كما يحدث ـ أحياناً ـ من بعض الوالدين أوالمعلمين ، ولذا يلجأ بعضهم إلى أصدقائهم للاستفادة من آرائهم وأفكارهم وحلولهم للمشكلات التي تواجههم ، خاصة أولئك الأصدقاء الذين يملكون قدراً من المعرفة يميزهم عن أقرانهم ، أويملكون قدرات قيادية يستطيعون من خلالها قيادة زملائهم وأصدقائهم .
إن جماعة الأصدقاء تمارس ـ أحياناً ـ أدواراً تتجاوز دور المدرسة أوالأسرة ، يقول (وارنر) و(لنت) : "إن العضوالمراهق أوالمراهقة في جماعة الأصدقاء ، قد يقف من أسرته موقف التحدي ويعارضها ، في سبيل المحافظة على كرامة رفاقه واحترامهم ، في حالة تعارض ميول الجماعتين" (18) .
وإذا كان الأصدقاء يشكلون مصدراً للثقافة التربوية فإن بعضهم ـ قد ـ يشكل مصدراً للانحراف خاصة تلك المجموعات التي تلتقي على القيام بأعمال منافية للأخلاق أومخالفة للقانون ، مثل تعاطي المخدرات أوالانحرافات السلوكية أوجرائم السرقة أوحتى مشاجرات الطرق ، ومن هنا تأتي أهمية وخطورة الثقافة التربوية التي يتلقاها الطلاب من أصدقائهم ، ولذا نجد التعاليم الإسلامية تحض على حسن اختيار الأصدقاء ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثل الجليس الصالح وجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك أوتشتري منه أوتجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أوتجد منه ريحاً نتنة" (19).
إن كثيراً من جماعات الأصدقاء تنشئ لها ثقافات خاصة وعلاقات مقيدة ، إذ يكون تأثيرها أكبر من المؤثرات الأخرى ، لأن التفاعل داخلها يتم اختيارياً وبإرادة حرة عكس ما عليه التفاعل داخل الأسرة أوالمدرسة الذي يكون متصفاً بالإلزام ، كما أن الاندماج داخل جماعة الأصدقاء يتم بحرية وسهولة ، ويستطيع الفرد داخلها أن يعبر عن ذاته وميوله وانفعالاته بيسر وحرية ، بينما يتم ذلك داخل الأسرة والمدرسة تحت إشرافهما وفي كثير من الأحيان بإجازتهما ، إضافة إلى أن جماعة الأصدقاء تشعر الفرد باستقلاليته الشخصية وقدرته على اختيار عناصر المجموعة ، وعلى الرغم من السلبيات التي قد تعتري جماعة الأصدقاء إلا أنها تسهم في الإثراء الثقافي والمعرفي لأعضائها إذا أحسن الواحد منهم اختيار المجموعة التي ينتمي إليها، أوكانت هناك قيم إيجابية مشتركة بين المجموعة .
وقد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة من هواتف نقالة ذات قدرات تكنولوجية عالية وشبكات المعلومات وطرق الاتصال التكنولوجية من تعاظم دور الأصدقاء في التأثير الذي تقوم به مجموعاتهم ، ولعل المنتديات على شبكة الإنترنت تمثل نموذجاً لما يمكن أن تؤثر فيه وسائل الاتصال الحديثة من أدوار لمجموعات الأصدقاء ، ففي دراسة حول اتجاهات الشباب الخليجي نحووسائل الإعلام الحمود وآخرون أجاب 35 % من العينة التي تم استقصاء آرائهم بأنهم يشاركون المنتديات على شبكة الإنترنت بصفة دائمة ، كما أجاب 25 % أنهم يتابعون ذلك أحياناً ، أي أن الذين يتابعون هذه المنتديات يبلغ 60 % من عدد المشاركين . والمتتبع لهذه المنتديات يجد أنها قد طورت علاقة الأصدقاء من علاقة مباشرة إلى علاقة واسعة ممتدة لا يمكن أن توضع لها حدود ولا يتوقف تأثيرها على مستوى معين أوفئة معينة ، بل يمكن أن تمتد إلى مساحات واسعة من التأثير ، ولا أدل على ذلك من أن 26% ممن تم استقصاء آرائهم في الدراسة السابقة أجابوا بنعم حين تم سؤالهم عن تأثير المنتديات في نشر ثقافة التفرقة الطائفية أوالقبلية، كما أجاب 47% بـ أحياناً ، أي أن الذين يرون أن المنتديات تسهم في نشر هذه الثقافة هم 73% مما يشير إلى أهمية دراسة ظاهرة الصداقة الإلكترونية !!.
المؤسسة الإعلامية: ومن أهمها:
وسائل الإعلام والاتصال : تعتبر وسائل الإعلام من أكثر وسائل التأثير في الرأي العام وتحديد اتجاهاته ، بل أصبحت هذه الوسائل مصدراً أساسياً للثقافة العامة لكافة فئات المجتمع ، فقد امتد تأثيرها إلى معظم أفراد المجتمع من خلال ما تقدمه من محتوى يحمل مضامين متعددة تلقى قبولاً لدى هذه الفئات ، فبين برامج موجهة للأطفال والأسرة إلى برامج تعنى بالشأن السياسي والاقتصادي والرياضي والفني ، تتوزع المادة الإعلامية التي تبثها القنوات الفضائية بكل ما تحمله من مضامين ، بل بدأت بعض وسائل الإعلام في التحول إلى إعلام متخصص في مجال محدد ، فهناك قنوات فضائية مخصصة للأطفال وأخرى للأسرة وثالثة للصحة رابعة للبيئة ، كما اتجهت قنوات أخرى للاهتمام بالثقافة سواء كان ذلك بتخصيص برامج ثقافية على خارطتها الإعلامية أوأن يكون محتوى القناة الفضائية ثقافياً بحتاً وجود أي برامج الأخرى ، وما يقال في القنوات الفضائية يمكن أن يمتد إلى الإذاعة والصحافة ، أما الإعلام التكنولوجي كشبكة الإنترنت والوسائط التكنولوجية فقد تجاوزت جميع الأدوار لتصبح أحدى مصادر الثقافة الإعلامية المهمة بما تتميز به من تجاوز لكافة العوائق سواء كان ذلك في الوقت الذي تبث فيه المادة الإعلامية أومجالها الجغرافي أومجالات رقابتها ومنعها .
إن وسائل الإعلام التكنولوجية المعاصرة تشكل أهم التحديات أمام الثقافة ، فهي بين استجابة لمتطلبات هذه الوسائل وقدرة على الاستفادة منها ، وبين الحد من بعض آثارها السلبية التي لم تعد خافية على أحد ، ولذا فإن الثقافة الإعلامية تتم صياغتها من خلال عدد من الوسائل أبرزها:
يشكل البث الفضائي (التلفزيون والإذاعة) أبرز مصادر الثقافة الإعلامية ، وتكمن خطورته في عدم القدرة على الحد من تأثيراته السلبية على الرغم من الجوانب الإيجابية التي لا يمكن إنكارها ، والتي تشكل مصدراً جيداً للثقافة الإعلامية ، لكن التأثيرات السلبية هي الغالبة على ما تقدمه القنوات الفضائية المرئية منها والمسموعة ، فمتابعة لكثير من القنوات الإذاعية والفضائية يمكن أن يخرج منها المتابع بحصيلة وافرة من الآثار التي تخلفها المواد الإعلامية التي يتم بثها ، خاصة تلك المضامين التي تحملها المواد الإعلامية وتكون متناقضة مع المضامين التربوية التي يتلقاها الفرد من المجتمع ، علما بأن أكثر المتأثرين بهذه المواد الإعلامية هم جيل الشباب وخاصة الطلاب والطالبات . فالمواد الإعلامية التي تقدمها القنوات الفضائية ترتبط بأساليب تشويق وجذب تفتقر إليه مصا ر الثقافة التربوية ، فالصورة والصوت تترافقان ـ عادةً ـ مع مؤثرات تسيطر على إدراك المشاهد ووعيه ، وتبث إليه بصورة غير مدركة قيما ومفاهيم ونماذج للحياة يتلقاها المشاهد أوالمستمع بحواسه ثم يختزلها في عقله الباطن لتتحول بعد ذلك إلى سلوك وعادات قد لا تتفق مع ما عليه المجتمع من قيم وأعراف .
لقد تطورت أدوات الإعلام السمعية والبصرية تطوراً واسعاً وسريعاً ليس على مستوى الإمكانيات المادية بل على مستوى المحتوى الإعلامي الذي تقدمه ، فمنذ دخل التلفزيون إلى حياة الإنسان على يد عالم الفيزياء الأمريكي (الروسي الأصل) فلاديمير كوزما زوريكين ، عام 1924 شهدت البشرية نقلة نوعية في مجال الاتصال ، ازدادت تطوراً مع التقدم العلمي الذي وصلت إليه البشرية في عصرنا الحاضر ، وازداد بالمقابل تأثيرها على الفرد والأسرة والمجتمع .
إن معظم الدراسات العلمية تشير إلى أن مدى تأثير وسائل الإعلام على تكوين ثقافة الفرد وسلوكه ، خاصة السلوكيات السلبية في حياة كثير من الشباب فقد جاء في إحدى المجلات :(أن الفضاء العربي ازدحم في وقت قصير نسبياً بنحو140 قناة فضائية وتزايدت نسب مشاهدة الجمهور لهذه الفضائيات وتفيد إحدى الدراسات العلمية الحديثة أن نسبة 69 % من الجمهور العربي يشاهدون الفضائيات لمدة أربع ساعات يومياً وأن 31 % منهم يشاهدونها لمدة ثلاث ساعات يومياً و34.5 % لمدة ساعتين و15 % لمدة ساعة واحدة يومياً على حين بلغت نسبة نمومقتني أطباق البث 12 % سنوياً و40 % من هذه الفضائيات تتبع الحكومات العربية والبقية تعتبر مستقلة ظاهرياً فقط ، وتمثل البرامج الإخبارية في هذه الفضائيات حوالي 5 % فقط .
وأكد استبيان أجرته مجلة (ولدي) على 57 من آباء والأمهات و65 من الأبناء في كل من ( الكويت والسعودية والإمارات ) أن :الأبناء من سن 3 أعوام إلى 18 عام يشاهدون " الفيديوكليب ، منهم 3’92. % من الأبناء يتابعون باستمرار " الفيديوكليب "و7.7 % فقط من العينة من لا تحرص على متابعتها وأن 39 % من الأبناء تعجبهم كلمات الأغنية و31 % يشاهدونها لجمال المغني / المغنية والراقص والراقصة و26 % منهم يجذبهم إخراج الأغنية وعلاقة المرأة بالرجل فيها و25 % يتابعها لما تحتويه من إثارة وتشويق .
وتأتي التأثيرات الثقافية على الشباب من انفتاح الفضاء أمام قنوات مختلفة منها ما يسهم إسهاماً إيجابياً ، ومنها ما يؤدي إلى انحراف فكري وسلوكي لدى بعض الشباب ، ولم يعد من الممكن السيطرة على ما تبثه القنوات الفضائية العربية منها والدولية ، خاصة في ظل تراجع وضعف القنوات الرسمية ، ففي استفتاء أجراه موقع (arab polls) للاستفتاءات العربية أشار 53,3% ممن تمّ استقصاء آرائهم أنهم لا يثقون في الصحافة والتلفزيون الحكومي في بلدانهم , كما أشار 20% فقط أنهم يثقون بها، بينما توزعت بقية النسبة تقسيمات أخرى ، وعند سؤالهم عن القنوات التي يتابعونها تبين أن معظمها قنوات غير حكومية ، مما يشير إلى أن ما يتلقاه شبابنا ومن بينهم طلاب وطالبات المؤسسات التربوية من الثقافة ليس بيد المؤسسة الرسمية ـ في الغالب ـ وأن مكونات هذه الثقافة ليست ـ بالضرورة ـ هي المكونات الثقافية السائدة في المجتمع ، وهذا ما يفسر بعض مظاهر التقليد التي تنتشر بين طلابنا وطالباتنا ، فهي انعكاس لما يتلقونه من ثقافات متعددة ، وليس هذا شأن شبابنا فقط ، فقد أصبحت الظاهرة عالمية ، وغير مقتصرة على مجتمع دون غيره ،
وتشير دراسة أخرى (البياتي 2006) إلى أن 21% من المشاهدين يشاهدون التلفزيون ساعة ، و27,5% يشاهدونه لمدة ساعتين ، و22,5% يشاهدونه لمدة ثلاث ساعات ، أما الذين تزيد مدة مشاهدتهم عن 3 ساعات فهم 29% ، أما نوعية البرامج المفضلة لدى الشباب فهي 4,5% البرامج الإخبارية و4% التربوية والتعليمية و9,5% المسرحيات و10,5% الدينية و14% الرياضية و26% للأغاني والموسيقى و8% للأفلام العاطفية و11% لأفلام العنف والجريمة و4,5% للبرامج الثقافية و8% لأفلام الرعب
أما عن دور التلفزيون في إضعاف العلاقات الأسرية فإن 57,5% أجابوا بأن التلفزيون يتسبب في ذلك ، كما أجاب 51% بأن التلفزيون أكثر تأثيراً في الشباب من الأسرة ، كما أجاب 66% بأن للتلفزيون تأثيرات سلبية على قيم وعادات الشباب .
وتشير دراسة الحمود وآخرون 2007 إلى إن 31% من شباب الخليج العربي يتابعون برامج تلفزيون الواقع أوالتصوير الحي مثل برامج ستار أكاديمي وسوبر ستار والوادي
وفي دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) حول معدلات تعرض الأطفال العرب للتلفزيون إلى أن الطفل قبل أن يبلغ الثامنة العشرة يكون قد أمضى أمام شاشة التلفزيون 22,000 ساعة ، في حين يقضي 14,000 ساعة في قاعات المدرسة ، هذا إذا علمنا أن نسبة الذين يشاهدون التلفزيون ما بين سن الثامنة والخامسة عشر بلغت 99,9 % وأن هؤلاء الأطفال يقضون جزءاً كبيراً في مشاهدة التلفزيون دون رفقة من أهلهم
ولعل أطرف الأرقام تشير إلى أن أطفال اليوم حين يبلغون عامهم السبعين يكونون قد قضوا سبعاً وعشرين سنة أمام شاشة التلفزيون.
وإذا كانت هذه الأرقام تشير إلى عظم الدور الذي تقوم به القنوات الفضائية فإن تأثيرها يأتي مساوياً لهذا الدور، فقد نشرت إحدى الصحف(24) تقريراً حول تأثر عنف التلفزيون جاء فيه
" أجرى أحد المواقع الإلكترونية الكندية والمسمى ijp استطلاعا لآراء 100 شاب كندي يعيشون في مدن مختلفة من كيبيك وياسينت ولاحظت من خلال طرح عدة أسئلة ،الأسباب المولدة للعنف لدى الشباب والتأثير القوي للتلفزيون، كأحد العوامل التي تفرز العنف لدى الشباب. وكانت الأسئلة تنحصر في إطار التلفزيون وما ينتجه من أفلام تحرض على العنف وتبعث عليه فكان السؤال الأول على الشكل التالي: إذا كنت تحضر أفلام العنف ، هل هذا يجعلك تقوم بحركات عنيفة تقلد بها ما شاهدته عبر التلفزيون؟ وجاءت إجابات الشباب بنسبة 58% نعم و42% لا. وكان الاستنتاج أن أفلام العنف تولد لدى الشباب غريزة التقليد، فيقلد بطل الفيلم بحركاته وبما يقوم به من أعمال عنيفة، وتدمير وقتل وحرق. أما السؤال الثاني فكان يتعلق بحالة العنف في العالم ، هل ما نشهده اليوم في العالم من أعمال عنف لدى الشباب سببه التلفزيون ؟ فأجاب 62% من الشباب بالإيجاب و38% منهم بالنفي، فتبين من الأجوبة أن الشباب يعترفون بالتأثير الجامح للتلفزيون علي. ولمعرفة ميول الشباب تجاه الأصناف المتعددة للأفلام كانت النسبة الكبرى لأفلام العنف دون غيرها من الأفلام حيث بلغت النسبة المئوية 42% يحبذون أفلام العنف في حين أن محبي الأفلام الكوميدية كانوا 6% وأفلام الحب كانت حصتها 26% ، وأفلام الرعب كان معجبوها يشكلون 26% من مجموع الشباب الذين أجرى عليهم الاستفتاء. وهذه النسب تدل على أن الشباب يفضلون أفلام العنف ، إذ بإمكاننا أن نجمع النسبة المئوية لأفلام العنف مع النسبة المئوية لأفلام الرعب فنحصل على 68% من الشباب الذين يفضلون مشاهدة أفلام العنف. ولعل من أهم الآثار التي تخلفها المواد الإعلامية المستقاة من القنوات الفضائية هوتأثيرها على الهوية ، إذ أن كثيراً مما تبثه هذه الفضائيات يأتي من الدول الأجنبية بكل ما تحمله من قيم ومفاهيم وأسلوب حياة ، بل إن كثيراً مما ينتج ويقدم محلياً إنما هوصورة مكررة ومشوهة لما تقدمه الفضائيات الأجنبية ، فهناك قنوات عربية لا تقدم إلا مواداً أجنبية بكل ما تحمله من تصورات ومفاهيم وقيم تختلف أوتتناقض في كثير من جوانبها مع مقومات الهوية التي يتبناها المتلقي للرسالة الإعلامية .
وإلى جانب هذا هناك التأثيرات السلوكية التي تخلفها القنوات الفضائية ، فقد أصبح لها تأثيرات سلبية كما تشير إلى ذلك الإحصائيات والدراسات ، ففي دراسة البياتي 2006 أجاب 66% أنهم يرون أن للتلفزيون آثار سلبية على عادات وقيم الشباب ، كما أجاب 3 % أنه (التلفزيون) يؤدي إلى انتشار الجريمة ، وأجاب 14 % أنه يؤدي إلى الكسل والتراخي و2 % إلى شيوع الرذيلة، وأجاب 22 % بأن التلفزيون يؤثر سلباً على المستوى الدراسي ، لكن 59 % أجابوا بأن التلفزيون يتسبب في كل تلك الآثار السلبية ، وفي سؤال آخر أجاب 80 % إلى أنه يؤدي إلى شيوع الاستهلاك في حياة الفرد والأسرة ، وفي إجابة أخرى ذكر 26,5 % أن التلفزيون يشيع ظواهر الموضة وقص الشعر ، وأجاب 9,5 % أنهم يقلدون نجوم التمثيل والأفلام والمسلسلات في سلوكهم ، وأجاب 8,5 % أنهم يتأثرون بالمفردات والكلمات والألفاظ السلبية من خلال التلفزيون، وقد أجاب 55,5 % بأنهم يعتقدون أن التلفزيون يؤدي إلى كل تلك الظواهر السلبية .
ومن التأثيرات السلبية الثقافية ـ التي تخلفها وسائل الإعلام ـ هوالتأثير على اللغة العربية إذ تحولت هذه اللغة لدى بعض أبنائها إلى لغة هجينة خليط من لغات شتى حتى أصبح كثير من طلاب المؤسسات الجامعية وطالباتها لا يحسن التعبير باللغة العربية أوالكتابة بها
وقد شعرت كثير من الدول بخطورة التأثير الثقافي على لغتها وثقافتها ، فهذه وزيرة الثقافة اليونانية السابقة ملينا ميركوري تشتكي من مداهمة الثقافة الأمريكية ، وفي فرنسا صرح وزير الثقافة أنه خائف من وقوع الشعب الفرنسي ضحية الاستعمار الثقافي الأمريكي بل إن رئيس وزراء كندا الأسبق بيار ترودويشتكي من تأثير الثقافة الأمريكية على الشعب الكندي علماً بأن كندا هي الأقرب ثقافياً إلى أمريكا بحكم الجوار الجغرافي .
وإذا كانت هذه هي الآثار السلبية للقنوات التلفزيونية الفضائية ، فإن الجانب الآخر يجب ألا يغيب عن أي باحث ، فلا شك أن للتلفزيون آثاراً إيجابية لعل من أبرزها دوره في زيادة مدركات المشاهد خاصة الأطفال أوالشباب حيث يتعرف هؤلاء على كم كبير من المعلومات والأفكار والآراء مما يوسع من إدراكهم ، فالفضائيات تقدم كثيراً من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها بل استخدامها في العملية التربوية ، هذا إضافة إلى أن مشاهدة التلفزيون تزيد من قدرة الأطفال على التذكر والاستيعاب وتنمي لديهم الخيال والابتكار كما تسهم في بناء شخصيتهم من خلال إعطائهم حرية الاختيار والرقابة ا لذاتية وتعزز لديهم الاستقلالية والقدرة على إبداء الرأي والرغبة في الحوار من خلال محاكاة ما يقدم في التلفزيون .
أما تأثيره الإيجابي على المؤسسة التعليمية فإنه يختصر لها كثيراً مما تقدمه ، فالبرامج التعليمية والتربوية التي تقدمها بعض الفضائيات يمكن أن تكون مصدراً معرفياً جيداً للعاملين والمؤسسة التعليمية ، كما يمكن الاستفادة من المادة العلمية في العملية التعليمية واعتبار بعض البرامج العلمية والتربوية مرجعاً مفيداً للأساتذة والطلبة على السواء ، لكن ذلك كله مرتبط بحسن استخدام ما تقدمه الفضائيات ، وبحسن التوجيه لمتلقي الرسالة الإعلامية من الطلاب والطالبات .
وسائل الإعلام المطبوعة : تمثل الصحافة أ والإعلام الورقي أوالإعلام المقروء الضلع الثالث في مثلث مصادر الثقافة الإعلامية ، فمنذ اخترع جوتنبرغ عام (1436 ـ 1438هـ) المطبعة شهد العالم تحوّلاً واسعاً في هذا المجال ، إذ ازداد عدد المطبوعات واتسع انتشارها وتكررت نسخها وتوفرت لكل من يطلبها ، وقد عرف العرب المطبعة أول مرة عام 1734 م في لبنان ثم جاء نابليون بحملته الشهيرة حاملاً المطبعة معه إلى مصر عام 1798 م ، ثم انطلقت مسيرتها بعد ذلك في كافة البلاد العربية لتسهم في إيجاد نهضة ثقافية واسعة كان للإعلام نصيب فيها ، حيث انتشرت الصحف والمجلات في البلاد العربية وتطورت مع تطور الآلة حتى أصبحت صورة جديدة عما كانت عليه الصحافة عند بدايتها ، سواء كان ذلك من حيث المحتوى أم الشكل أم الأدوات المستخدمة في ذلك ، والإعلام الورقي من صحافة ومجلات ، هي من أقل وسائل الثقافة الإعلامية تأثيراً على جيل الشباب وخاصة من كان منهم في المراحل التعليمية ، إذ أن اهتمامهم بالشأن العام الذي ـ هومحور ما تدور عليه الصحافة ـ قليل ، ولذا فإن اهتمامهم يتجه ـ غالباً ـ إلى الصحافة المجتمعية أوالمرتبطة بالقضايا التي تهتم الشباب في هذه المرحلة من العمر مثل المجلات الاجتماعية والفنية ـ وخاصة بالنسبة للفتيات ـ أوالمجلات الرياضية ومجلات السيارات والأجهزة الإلكترونية وغيرها ـ بالنسبة للفتيان ـ وهذا ما تشير إليه الدراسات المتخصصة ، ففي دراسة وطفة أشار إلى أن 20 % فقط من الشباب يقرؤون الصحف يوميا ، و 28 % يقرؤونها أكثر من مرة أسبوعياً ، و14 % يقرؤونها شهرياً ، و31% يقرؤونها عرضياً ، أما 5,9 % فلم يبدوا رأيهم(31) .
وفي دراسة أخرى لمحمود وآخرون 2007 فقد أشارت الدراسة أن 34% من شباب الخليج العربي يتابعون الصحف اليومية و61 % يتابعونها أحياناً و 5% لا يتابعونها .
لكن النتيجة الأخرى تبين السبب في عدم متابعة الشباب للصحف اليومية ، إذ أجاب 5 % فقط ممن تم استقصاء آرائهم بأنهم يصدقون أويؤمنون بما يقرؤونه في الصحيفة اليومية ، بينما أجاب 89 % بأنهم يصدقون ذلك أحياناً ، أما 6 % فإنهم لا يصدقون ولا يؤمنون بما في الصحف اليومية ، وهذه نتيجة تبين السبب في قلة إقبال الشباب ـ خاصة الطلاب والطالبات ـ على متابعة الصحف اليومية ، كما يبين مدى تأثير ذلك على تكوين الثقافة الإعلامية لديهم .
تكنولوجيا الاتصالات : فتحت ثورة المعلومات عصراً جديداً للبشرية يقارن بعصر الثورة الصناعية التي غيرت كثيراً من أوجه النشاط الإنساني ، وجاءت ثورة المعلومات لفتح آفاق جديدة للمعرفة والثقافة ، وأصبح الإنسان قادراً على التواصل مع الآخر دون حواجز أوموانع ، وتعددت مصادر المعرفة التي يمكن أن ترفع السوية الثقافية للمتعاملين معها ، ولعل أبرز وسائل الاتصال الحديثة تأثيراً في ذلك هي الوسائل التقنية كشبكة الإنترنت والبريد الإلكتروني e.mail والرسائل الهاتفية النصية s.m.s. التي تجاوز دورها كوسيلة للاتصال إلى مصدر من مصادر الثقافة والمعرفة ، فشبكة الإنترنت أصبحت مصدراً مهماً للوصول إلى المعلومات سواء كانت معلومات متخصصة أم عامة ، وسواء كانت مقروءة أم مسموعة أم مرئية ، مع تيسير سرعة الوصول إلى المعلومة وسهولة الحصول عليها وتعدد هذه المعلومة ، وتزداد المادة المطروحة على شبكة الإنترنت يوماً بعد يوم فهناك اليوم ملايين الكتب والدراسات والمقالات والأبحاث التي يمكن للإنسان الاستفادة منها بسهولة ويسر ، وتجاوز الإنسان بذلك الجهد الكبير الذي كان يبذله للحصول على هذه المعلومة في وقت واحد ومكان واحد .
وإذا كان هذا شأن شبكة الإنترنت بصفة عامة ، فإن استفادة الطلاب والطالبات ـ بصفة خاصة ـ تأتي في مقدمة المستفيدين منها ، نظراً لحصولهم ـ في الغالب ـ على تأهيل وتدريب علمي يمكنهم من الاستفادة من هذه الشبكة بصورة جيدة وسهلة ، كما أن مهاراتهم التقنية أكبر من غيرهم ممن لم يتوفر لهم حظ التعرف على هذه التقنية ، وهذا ما نجده في الفرق بين طلاب المؤسسات التربوية وعامة الناس بل وبعض آبائهم في استخدام شبكة الإنترنت ، ففي دراسة حول استخدام الطلبة لشبكة الانترنت العاني 2006 أجاب 75.4 % أنهم يستخدمون الشبكة لمدة تتراوح لبن 1ـ2 ساعة ، بينما أجاب 17 % أنهم يستخدمونها مبين 3ـ ساعات ، وأجاب 3.8% أنهم يستخدمونها أكثر من 5 ساعات ، وفي دراسة أخرى الحمود وآخرون 2007 أجاب 26% أنهم يستخدمون شبكة الانترنت أقل من ساعة بينما أجاب 30 % أنهم يستخدمونها ما بين 1ـ2 ساعة ,أجاب 26% أنهم يستخدمونها مابين 2ـ4 ساعات ، أما الذين يستخدمونها أكثر من 4 ساعات فإن نسبتهم تبلغ 18 % ويلاحظ أن الذين يستخدمون شبكة الانترنت من الشباب لأكثر من ساعة تبلغ نسبتهم 74% مما يشير إلى أهمية ودور هذه الشبكة وتأثيرها في تكوين وعي الطلاب والطالبات ، وقد ساعد على ذلك الانتشار الواسع لهذه الشبكة في الجامعات والمؤسسات والبيوت والمقاهي والأماكن العامة بحيث لم يعد هناك معوق يقف دون استخدام هذه الوسيلة التي أصبحت مصدراً للتثقيف العلمي والسياسي والاجتماعي والصحي والاقتصادي وغيرها من صور الثقافة التي يحتاجها الإنسان في حياته.
ولعل من مميزات شبكة الإنترنت هوانفتاحها على ثقافات العالم وتنوع محتواها مما يفتح آفاقاً واسعةً أمام المتعامل معها.
وتزداد أهمية شبكة الإنترنت من خلال استخدامها وسيلة للاتصال عبر البريد الإلكتروني e.mail أوبوابات التواصل بين المستخدمين للشبكة ، وإذا كانت الشبكة الأم تضم معلومات لا يستطيع المتصفح لها تغيير المادة المعروضة أمامه ، فإن البريد الإلكتروني يحقق تلك الرغبة للتعامل معها من خلال ما يرسله من معلومات أومواد علمية أوثقافية عامة أورسائل شخصية أوصور أوملفات مسموعة أومرئية أوغيرها من المواد ، ومما ساعد على ذلك أن مزايا استخدام البريد الإلكتروني سهلة ورخيصة ؛ فالمتعامل لن يضطر إلى مراعاة فروق التوقيت أوالمسافات الجغرافية ، كما أن الاستخدام أقل تكلفةً وأقل جهداً ؛ فهي لا تحتاج إلى التعامل مع مكان معين أوشخص بعينه ، كما أن حجم ما يتم إرساله ليس محدوداً بل يمكن استخدام أعداد كثيرة من الرسائل والمعلومات لإرسالها وفقاً للطاقة الاستيعابية للبريد الإلكتروني ، ولقد أحدث البريد الإلكتروني ثورة في العملية التعليمية ، فقد أصبح وسيطاً بين الأساتذة والطلاب والطالبات حيث يمكن التواصل بينهم لإرسال الواجبات الدراسية أوالتكليفات أوتقديم الأسئلة وتلقي الردود عليها ، أوحتى لاستخدام البريد الإلكتروني أوشبكة الإنترنت ـ بصفة عامة ـ للتواصل بين المجموعات خلال الدروس الإلكترونية أوالساعات المكتبية ، كما أن الشبكة يسّرت للطالب والطالبة التسجيل في المساقات الدراسية لطلبة الجامعات أوتغييرها أوتقديم الامتحانات غير المباشرة وتلقي نتائج الامتحان أوغيرها من أشكال التواصل غير المباشر ، وإذا كان هذا شأن الطلاب والطالبات فإن أعضاء هيئة التدريس أكثر استفادةً وذلك في تواصلهم مع طلابهم أومع الإدارات المختلفة في المؤسسة الجامعية أوالتواصل مع زملائهم في الجامعات والمعاهد والمؤسسات المختلفة .
لقد أحدثت شبكة الإنترنت "نقلة مهمة في آليات التعليم والتعلم، فهي تعمل على توفير الخدمات التربوية بصورة أسرع وبتكلفة أقل، هذه المكاسب تعود إلى إعادة النظر في فلسفة العمل التربوي ومناهجه وآلياته، والعمل على دمج قواعد المعلومات التربوية وتكاملها. كما أنها تطور نظام الإدارة التربوية والمدرسية وتعمل على إيجاد علاقة جديدة بين العاملين في الحقل التربوي وبعضهم البعض من جانب، وبينهم وبين الشركاء التربويين والمستفيدين من الخدمات التربوية من جانب آخر.
وبفضل هذه الشبكة " فقد ظهرت اليوم بوادر نقل الثقافة من جيل إلى جيل آخر بدون استخدام الورق . ولدى البحث في الإنترنت يجد القارئ مواد كثيرة تحت عنوان صفوف بلا أوراق. وفي هذا الخصوص تشير كامبن إلى مثل هذا التطور التكنولوجي من حيث أن استخدام التكنولوجيا المتقدمة أوجد صفوفاً دون أوراق . فالمحاضرات تُلقى والواجبات البيتية تُؤدّى، والامتحانات تجرى جميعاً على الآلة المبرمجة بدون استخدام الأوراق ، ويحصل الأساتذة على التغذية الراجعة المباشرة من الطلاب ويزودونهم بنتائجهم على الآلة المبرمجة مباشرة دون استخدام الأوراق . وهم يقتصدون في الكثير من الوقت الذي كان يصرف في تسجيل المحاضرة على الأوراق. كما أن المحاضرة يتم إعدادها باستخدام الباور بوينت على الآلة المبرمجة مع الكثير من الصور والرسوم البيانية التي تثير الدافعية لدى الطلاب ، والتي تمكّن الطلاب من تركيز انتباههم دون مشتتات ودون الحاجة إلى صرف جهود من أجل تسجيل الملاحظات ، إذ يرسل المحاضر فحوى محاضرته إلى بريد الطلاب الإلكتروني. كما يحصل الذين لا يستطيعون الحضور إلى الدرس على كامل المحاضرة بوساطة الإنترنت. ولا تطلب بعض المدارس التي تطبق نظام التدريس بدون أوراق شراء الكتب الدراسية، وبدلاً من ذلك تقدم كل شيء على الإنترنت.
وبجانب ذلك يجمع بعض الأساتذة بين الصفوف التي دون أوراق والطريقة الكلاسيكية التي تستخدم فيها الأوراق في أداوالامتحانات والواجبات المنزلية فقط ، وتبرز جوانب إيجابية عديدة للصفوف التي بدون أوراق ، ويزداد اهتمام الطلاب ويصل إلى الذروة باستخدام التكنولوجيا المتقدمة ، ويحصل الطلاب على درجاتهم في الامتحانات والواجبات المنزلية مباشرة دون أي تأخير ، ويوفر استخدام الآلة المبرمجة للأساتذة الوقت للانشغال بأمور أكثر أهمية ".
وإذا كانت هذه الاستخدامات تتم من خلال شبكة الإنترنت والبريد الإلكتروني فإن البريد الإلكتروني أصبح مصدراً للتثقيف العام بما يتلقاه الطلاب والطالبات من رسائل متعددة المصادر ، فبين مقالة ورسالة وحكمة وموقع وخبر ومعلومة صحية أواجتماعية أوتربوية أوغيرها تتواصل الرسائل الإلكترونية مقدم خدمة تثقيفية واسعة على الرغم من الآثار السلبية التي يمكن أن تخلفها بعض الرسائل التي تصل على البريد الإلكتروني كالرسائل الإعلانية أوالرسائل الخادعة باسم الكسب السريع أوالثراء المالي ، أوالرسائل غير الأخلاقية أوالأخبار الكاذبة أوالإشاعات أوغيرها من الطرق السيئة لاستخدام هذه الوسيلة التقنية ،
فقد ذكر موقع عالم التقنية الإلكتروني نقلا التقارير التي نشرها مؤخراً موقع فيريس أن أكثر من 45 % من رسائل البريد الإلكتروني ما هي إلا عبارة عن رسائل دعائية ( spam ) يتم إرسالها إلى مستخدمي البريد الإلكتروني حول العالم دون استئذان. وتتسبب هذه الرسائل حسب الموقع بخسائر سنوية بمئات الملايين من الدولارات رغم كافة المحاولات للتصدي لها ووضع العقبات في طريق وصولها إلى صناديق البريد، والمشكلة الأكبر هي أن تلك الرسائل تصل أيضاً إلى الأطفال والكثير منها يضم محتوىً له ضرر كبير على الأطفال واليافعين ، في هذا الإطار قامت شركة (سيمانتك)العاملة في ميدان حماية البيانات بإجراء استطلاع للرأي بغية التعرف على مدى الأخطار التي تشكلها تلك الرسائل على الأطفال وموقف الأطفال من تلك الرسائل وكيفية التعامل معها. وقد أظهر الاستطلاع أن ما نسبته 80% من الأطفال الذين يستخدمون البريد الإلكتروني يستقبلون رسائل بريد إلكتروني دعائية كل يوم وبخاصة خلال فترات العطلة حيث يقضي الأطفال الكثير من الوقت في تصفح الإنترنت. وبعض تلك الرسائل تتضمن محتوىً لا ينبغي عليهم أن يطلعوا عليه، وشمل الاستطلاع 1000 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 7 و18 عاماً وتطرق لبعض المواضيع التي تتعلق بتجارب الأطفال مع الرسائل الدعائية وموقفهم من تلك الرسائل. وعندما سئل من شملهم الاستطلاع عن طبيعة الرسائل التي تصلهم، أشار 80 % منهم إلى أنهم يستقبلون رسائل تدعوللمشاركة بمسابقات وسحوبات معنونة بعناوين رنانة مثل ’’اربح وحدة بلاي ستيشن2’’ أو’’اربح رحلة إلى هاواي مدفوعة التكاليف’’. و62% منهم يتلقون رسائل تتعلق ببناء علاقات الصداقة والدردشة عبر الإنترنت تحمل عناوين مثل ’’تعرف على أجمل الفتيات عبر شبكة الإنترنت’’. أما 61% منهم فأشاروا إلى تلقيهم رسائل تروّج لبضائع وسلع تجارية و55% تلقوا رسائل دعائية لمنتجات التخسيس والحمية تحمل عناوين مثل ’’تخلص من 15 باوند من وزنك خلال يومين فقط’’، و51% أيضاً تلقوا رسائل تروّج لمنتجات ومستحضرات دوائية كالفياغرا وغيرها. و47 % تلقوا رسائل تحمل وصلات إلى مواقع إباحية تضم صوراً وأفلاماً لا يجب أن يطّلعوا عليها ، والمشكلة تكمن في أن معظم الأطفال لا يتجاهلون تلك الرسائل ويفتحونها مدفوعين بالفضول الذي تحركه لديهم العناوين الرنانة لتلك الرسائل، فوفقاً للاستطلاع يقوم واحد من كل خمسة من هؤلاء الأطفال (ما يقارب 21 %) بفتح تلك الرسائل والقيام الكثير من هؤلاء الأطفال بالطبع ينزعجون من تلك الرسائل ولا يناقشون الموضوع مع أهاليهم، وقد أشار 51% من هؤلاء في الاستطلاع إلى أن هذه الرسائل تزعجهم، إلا أن 13% منهم أشاروا إلى أن مثل تلك الرسائل تثير فضولهم ويطلعون عليها، وحتى عندما يطلعون على محتوى تلك الرسائل فإن 38% منهم لا يطلعون أهاليهم على ذلك ،ومن ناحية أخرى أشار الاستطلاع المذكور إلى أن الكثير من الأطفال ليس لديهم فكرة وافية عن ماهية تلك الرسائل، كما أن واحد من كل ثلاثة لا يعلمون ما إذا كانت تلك الرسائل مفيدة لهم أم لا، وما إذا كان ينبغي عليهم فتحها أم لا. إضافة لذلك، هناك 22 % من المشاركين في الاستطلاع أشاروا إلى أن أهاليهم لم يناقشوا معهم مسألة البريد الإلكتروني أوأية تعليمات مرتبطة بتلك الرسائل فيما يتعلق بطرق التعامل مع الرسائل الدعائية غير المرغوبة.
وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن معظم الأطفال يملكون عناوين بريد إلكتروني خاصة بهم، كما أن أكثر من 50 % منهم يتفقدون بريدهم الإلكتروني باستمرار دون أي رقابة من أهاليهم، حتى أن 76 % من هؤلاء يملكون أكثر من عنوان بريد إلكتروني واحد. وعندما سئل هؤلاء الأطفال الذين شاركوا في الاستطلاع عن عدد المرات التي يتفقدون فيها بريدهم أشار 72 % منهم إلى أنهم يتفقدونه عدة مرات كل يوم. وعند ما سئلوا عما إذا كانوا يتفقدونه بحضور أحد الوالدين، أشار أكثر من 30 % منهم إلى أنهم لا يولون ذلك أي اهتمام، كما أن 16 % منهم أعربوا عن عدم رغبتهم في إطلاع أهاليهم على الرسائل التي تصل إلى بريدهم الإلكتروني. ولما تم سؤالهم ما إذا كانوا يستأذنون أهاليهم عندما يريدون إعطاء عنوان بريدهم الإلكتروني لأحد الأصدقاء أوأحد مواقع الإنترنت فقد أجاب 46% منهم بـ’’لا’’.
الدراسة التي أجرتها ( سيمانتك ) أظهرت أن الأطفال يدخلون إلى الإنترنت بكثافة أكبر خلال أشهر الصيف بعد أن تغلق المدارس أبوابها. وعندما تم سؤالهم عن عدد الساعات التي يقضونها في تصفح الإنترنت، أشار 44 % منهم إلى أنهم يستخدمون الإنترنت لمدة ساعتين تقريباً كل يوم. أما الذين يستخدمون الإنترنت لأكثر من ساعتين في اليوم فوصلت نسبتهم إلى 23 %. وأشار 75% من هؤلاء الذين يقضون أكثر من ساعتين في اليوم في استخدام الإنترنت إلى أن معظم هذا الوقت يقضونه في قراءة وإرسال البريد الإلكتروني.
لكن أخطر التأثيرات على مستخدمي البريد الإلكتروني هي الرسائل والاستخدامات غير الأخلاقية، ففي تقرير أجري على طلاب المدارس في بريطانيا تبين أن واحداً على الأقل من كل 10 قد استخدم رسائل البريد الإلكتروني أوالرسائل الهاتفية النصية في التهكم على الآخرين. ويقول تقرير بثته إذاعةBBC - 5 إنه تصعب مواجهة أومنع الاستخدام المسيء لمثل تلك الوسائل الحديثة حتى على الآباء والجمعيات المهتمة وفي المدارس.
لكن هذه السلبيات والمخاطر لا يمكن أن تقف عائقاً دون الاستخدام الأمثل لشبكة الإنترنت والبريد الإلكتروني خاصة إذا خضعت هذه الشبكة لمراجعة وتنقية من الجهات المشرفة على تقديم الخدمة .
ومن وسائل التثقيف العامة لدى طلاب المؤسسات التربوية والتعليمة وطالباتها، الرسائل الهاتفية النصية s.m.s. ، فقد وفرت هذه الخدمة الإلكترونية وسيلة سهلة وبسيطة للتواصل بين الناس ، وقد زاد الإقبال عليها في السنوات الأخيرة كوسيلة تثقيفية أيضاً إذ تصل رسائل من مصادر عامة كالمؤسسات التعليمية والمؤسسات الحكومية والشركات وغيرها معرّفة بنشاطها أوبرامجها أوأخبارها ، كما تصل رسائل شخصية مباشرة كالرسائل التي يتبادلها الناس يوم الجمعة والمناسبات تحمل توجيهات دينية أوأدعية أوحث على أداء فريضة أونهي عن سلوك سيء أوغير ذلك من الرسائل القصيرة التي أصبح لها تأثير واضح على متلقيها ، وقد تستعمل هذه الرسائل كذلك في المناسبات العامة أوالخاصة كالتهنئة بحلول شهر رمضان أوالعيدين أوالتهنئة بالمناسبات الخاصة كالزواج والنجاح والسفر وغيرها ، كما تتضمن بعض الرسائل تعريف بالأنشطة التي تقوم بها المؤسسات التعليمية كالمحاضرات العامة والندوات والمؤتمرات وغيرها مما يشكل مصدراً تثقيفياً جديداً بدأ يلج إلى ساحة المؤسسات التعليمية ، كما يمكن الاستفادة تربويا من هذه الوسائل .
الخاتمة:
ان التركيز والاهتمام بالمدرسة والأسرة، في تدعيم وتعزيز الثقافة الوطنية، في الجزائر بصفة خاصة وفي الدول العربية بصفة عامة يتطلب وبحسب المعطيات الحالية، الاهتمام بإيجاد خطة أوإستراتيجية عربية للعلم والتقانة، بما في ذلك نشر العقلية العلمية والتقانية في الأوساط الاجتماعية المختلفة. وهذه الخطة في ما نعتقد لابد أن تقام على ثلاثة أسس مترابطة، متفاعلة مع بعضها بعضا، وهي:
الأساس الأول: تشخيص وتقييم الواقع العلمي والثقافي العربي، بكل سلبياته وإيجابياته وتحدياته، دون مجاملة أوحديث الإنجازات. ومن ثم رسم سياسة ثقافية وتربوية تعالج النواقص، وتبني أساس العلم والتقنية للجيل الحاضر، وجيل المستقبل.
الأساس الثاني: إعادة النظر في مفهوم الخصوصية الثقافية، والهوية الثقافية العربية، وتحويلها من خصوصية صورية تراثية، إلى صورة فعلية دينامية حية تتفاعل مع الحاضر، وتتشكل ويعاد تشكيلها من داخل الممارسات الفعلية اليومية، ومن خلال العمل والمعاناة والابتعاد عن إدراك الخصوصية في شكل مجرد صحوة للماضي، أوصور وروايات الماضي. فالهوية الثقافية مصنوعة، ويعاد دائمًا صنعها عبر المكان والزمان إلى الأبد
الأساس الثالث: لخطة نشر العلم والتقانة في الوطن العربي، فهوبناء شبكة من المؤسسات العلمية والتقانية، التي تهتم بأبحاث التطوير والتطبيق والنشر والتداول، والمرتبطة بحاجات المجتمع العربي وظروفه ومعطياته الاقتصادية الاجتماعية، وعلاقاته الدولية. وتتبع هذه الشبكة شبكة أخرى من العلماء، والفرق العلمية في مختلف الجامعات وهيئات البحث العلمي، تعمل لإنتاج المعرفة العلمية، وتطبيقها بالتعاون والتنسيق مع الهيئات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. وضمن مقدمة هذه الشبكة لابد من استحداث شبكة أوقاعدة معلومات علمية تخدم المجتمع، وتنشر المعرفة العلمية والتقانية للجميع، وبحسب المستويات التعليمية والثقافية والمهنية لمختلف شرائح المجتمع.
ذلك لننقل عملية الغزوالثقافي إلى عملية تبادل وبذلك ننتقل في علاقتنا مع الأخر الغربي من العلاقة السلبية المبنية على خلق حاجز شفاف يشوبه الكثير من الغموض في عملية التعامل فنحن لسنا بطفيليين أولصوص أوديكتاتوريون فلن نسرق منهم سلبياتهم دون أن نرى ما فيها من عيوب ولن نأخذ منهم تقنياتهم مقابل مواردنا التي أنهكتها عمليات الاستخراج والاستنفاد ولن نترك أبنائنا في أيديهم ليصنعوا منهم جيل ألقابهم عربية وغير ذلك فهم ليسوا بعرب , لن نسلم لهم أجسادنا ونغمض أعيينا لكي لا نرى ما يصنعونا بها ، ولن نمد لهم أيدينا طلبا للمعونة وهم لها لقاطعون بدون رحمة ،بل سنكون ايجابيين في عملية تبادل نخط أصولها وقوانينها وفق شريعتنا وقيمنا ن سنتبادل بالأخذ والعطاء بتصفية وتحليت ما يأتينا ورفض ما يضرنا والاهتمام بما يفيدنا ،وبذلك سنقيم حضارة ليس لناظرها ببعيد.
ياسين خضر البياتي ـ التأثيرات الاجتماعية المحتملة للتلفزيون على الشباب ص128
أنظر، جورج لارين، ( 2002 ) ، الإيديولوجيا والهوية الثقافية الحداثة وحضور العالم الثالث، الطبعة الأولى، ترجمة د. فريال .( حسن خليفة، القاهر، منشورات مكتبة مدبولي ص 27