الثلاثاء ١٨ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم لبنى أوعلي

الاختلاف المميز

قصة للأطفال

ذات مرة بينما كانت منيرة سارحة بخيالها تناظر ( تنظر إلى) السماء, سمعت نداء امها، فهرولت مسرعة لتلبي النداء، اخبرتها امها ان تنادي اختها التي تلعب مع اصدقائها خارج البيت وبتردد ذهبت منيرة لتناديها، وما ان خرجت حتى صاح فيها الاطفال ينعتونها بالغريبة، فقط لأنها تمتلك عيونا مختلفة، كانت لمنير عينان لون كل واحدة منهما مختلف عن الاخر ( الأخرى)، وكانت دائما تحس انها غريبة لا تنتمي لهذا المكان، قاطع تفكيرها اختها وهي تصيح في الاطفال ان يدعو اختها وشانها، وهبت تسحب اختها نحو منزلهما وهي تردد "لا تبالي بهم انت مميزة كما انت" لكن منيرة سحبت يدها من يد اختها، وهرولت مسرعة الى غرفتها وهي تبكي.

لطالما تمنت ان ترحل الى مكان حيث تحس انها عادية وان الجميع يعاملونها كأختها، لطالما احست بالاختلاف دائما، وان الجميع يتجنبها، مسحت دموعها وقررت أنها ستصنع منطادا لكي ترحل من قريتها، ظنت أنها بعلبة وبعض البالونات ستتمكن من التحليق عاليا ومغادرة هذه القرية، لطالما اخبرتها أختها أن هذا مستحيل لكنها لم تبالي. كانت تعشق قراءة القصص الخيالية، وتتمنى لو أنها جزء من أحدها، تكون لها قوى خارقة، أو أن تكون أميرة جميلة، وما كانت تحبه أكثر هو فقرة المحادثات بينها وبين أختها لونا قبل النوم، حيث تتناوبان على سرد قصص خيالية لبعضهما البعض، حيث تكون البطلة إحدى الاختين، رغم حبها الكبير لأختها إلا أنها كانت تشعر باختلافهما عن بعضهما البعض.

بدأت منيرة كل يوم تحاول ان تحلق بعيدا بزيادة عدد البالونات في منطادها، لكن الامر لم ينجح، شعرت بالحزن الشديد، وها هي الآن لا تستطيع أن تحقق شيئا. جلست محدقة في السماء، كانت جميلة زرقاء، والطيور بمختلف أشكالها وأنواعها تحلق فيها، تمنت لو أنها عصفور يحلق بحرية عاليا، تمنت لو ان لها جناحين لترحل بعيدا، وبعد تأملاتها الطويلة توجهت الى غرفتها، كان مهربها الوحيد هو القراءة، تشعرها بالسعادة والامان.

بينما هي منغمسة بالقراءة صفحه تلو الاخرى، رأت ضوءا أزرق ينبعث من احدى كتبها في الرف، توجهت نحوه بخطوات بطيئة، حملت الكتاب وفتحته، فاذا بفراشه زرقاء جميله تخرج منه اندهشت منيرة وزادت دهشتها بعد ان تكلمت الفراشة قائلة: مرحبا منيرة، أدعى روري، سررت بلقائك"، "كيف يمكنك التحدث، لا اصدق، ماذا تريدين مني “اردفت منيرة باستغراب، قالت روري" لقد سمعت شكواك وبكاءك وأريد مساعدتك، لطالما تمنيت أن تغادري هذه القرية وهاهي الفرصة، لننطلق يا صديقتي، سوف أكون رفيقتك في هذه الرحلة" سألت منيرة:"رحلة؟ وأي رحلة هذه؟ أجابت روري:" رحلتك إلى مدينة السحاب"، أجابت منيرة مترددة وهي متحمسة أن شيئا خياليا يحدث الان وهذا كان مرادها:" أريد حقا أن أغادر لكن كيف سنغادر؟"، حلقت روري بشكل دائري حول ذلك المنطاد الصغير ليصبح بعدها منطادا حقيقيا جميلا، ابتسمت منيرة وهي لا تصدق ما يحدث، نادتها روري:" هيا ليس معنا اليوم بطوله"، ركبت منيرة والفراشة بجانبها وإذا بالمنطاد يرتفع شيئا فشيئا، وبكل براءة تسمع قهقهات منيرة وهي في غاية الحماس.

"لا اصدق ان هذا يحدث" قالت منيره اجابتها روري "بل صدقي الان سنغادر منزلك وقريتك ونذهب الى مكان آخر"، وبعد مدة من الزمن حط المنطاد على جزيرة، كانت تبدو جميلة هبطت منيرة من منطادها تلحق بالفراشة روري حتى وصلت الى شوارع المملكة المكتظة بالناس فغرت منيرة فاهها عندما رأت ان عددا كبيرا منهم كانوا يرتدون ثياب الاميرات, فساتين كبيرة وأنيقة ويحملن مظلات صغيرة في ايديهن المغطاة بقفازات جميلة, وكان الرجال يرتدون ملابس رسمية ونظرات الغرور على وجوههم، كان المكان يبدو كانه حفلة للطبقة النبيلة فالكل يحاول لفت الانتباه اليه والكل يصطنع الابتسامات في وجوه الآخرين، كان المكان يبدوا كما لو انها في احد القصص الخيالية. وبينما هي تتجول في احياء ( أنحاء) هذه المدينة ونظرات الناس التي تخترقها أولا لأنها تبدو عاديه مقارنة بمظهرهم، وثانيا للون عينيها الغريب، اخبرتها روري ألا تبالي بهم، أومأت منيرة بالإيجاب، و سارتا معا إلى أن لاحظت شابة جميلة بلون شعرها الفحمي و بشرتها السمراء، لاحظت منيرة انها الوحيدة التي تمتلك بشرة سمراء, فالجميع يبدون شاحبين بلون بشرتهم الفاتح، كانت تبدو مختلفة عن الآخرين، فقد كانت ترتدي ملابس عادية جميلة، و تتجول في الشارع بابتسامة بريئة على وجهها غير مبالية بالجميع، قالت روري لمنيرة "هيا لنلحق بها"، "لكن لماذا؟" سألت منيرة، أجابت روري "انها سبب مجيئنا إلى هنا، ولا تطرحي مزيدا من الأسئلة، ستفهمين كل شيء قريبا".

اتجهت منيرة نحو الفتاه التي كانت تناظر (تنظر إلى) ثوبا جميلا في أحد المحلات، حدثتها منيرة وهي تقف بجانبها "انه جميل أليس كذلك؟"، التفتت الفتاة إلى محادثتها وتلاقت نظراتهما فهتفت الفتاة قائلة" يا إلهي عيناك في غاية الجمال"، شكرتها منيرة وقالت "وأنت جميلة أيضا"، أجابت “لست كذلك حقا الجميع يظنون أنني غريبة عنهم"، ولم تستطع منيرة ان تعلق على كلامها فقد احست بنفس الاحاسيس من قبل، قالت الفتاة" اسمي شانا وانت؟" اجابت منيرة "انا منيرة"،" اسمك جميل هل انت وافدة جديدة في المدينة لم أرك من قبل" سألت شانا، "نعم لقد وصلت الى هنا اليوم ولا اعرف شيئا عن هذا المكان" أجابت منيرة، قالت شانا مبتسمه "يمكنك المجيء الى منزلي إذا أردت سأكون سعيدة باستضافتك حقا"، "هذا لطف كبير منك، فأنا أجهل مصيري هنا". سارت الفتاتان نحو منزل شانا، كانت منيرة تبحث عن روري لكن دون جدوى، تجاذبت الفتاتان أطراف الحديث و حكت منيرة لشانا كيف كانت رحلتها إلى هنا، لم تستطع ان تصدق شانا، لكنها كانت مستمتعة بصحبة وحكايات منيرة، وصلتا إلى منزل شانا الصغير، و ما أن دلفت حتى تفاجأت منيرة بجمال المنزل و كل تلك اللوحات الجميلة التي تزينه، سألت منيرة "أهذه رسوماتك" اومأت شانا بالإيجاب فأكملت منيرة "أنت موهوبة جدا"، أجابت شانا "أنا أكسب رزقي من بيع هاته اللوحات، على الأقل هؤلاء الناس لا يستطيعون إخفاء اعجابهم بالفن رغم استحقارهم (احتقارهم) اياي"، فكرت منيرة كيف لهؤلاء الناس أن ينتظروا نظرة استحقار (احتقار) لهته ( لهذه، أو لهاته) الفتاة الجميلة الموهوبة، فرغم لون بشرتها المختلف عنهم إلا أنها جميلة جدا بأخلاقها و دكائها_(وذكائها)، حقا البشر غريبون.

أخبرت شانا منيرة أن هناك مسابقه للرسم في المدينة ردت منيرة "رائع، أظنك ستفوزين بدون شك"، قالت شانا بحزن "لا أريد المشاركة فأنا لن أفوز أبدا ما دمت مختلفة في نظرهم " احست منيرة بالحزن لكلامها كانت تود أن تخبرها في تلك اللحظة بأن مجرد المحاولة سيكون امرا رائعا لكنها تذكرت نفسها وكيف كانت تخشى مواجهة الاخرين, فقط لأنها مختلفة عنهم، اردفت بصوت هادئ "انا حقا أحسدك يا شانا، أحسد قوتك، أحسد طريقتك في مواجهة الأمور، أنت قوية جدا"، ناظرتها (نظرت إليها) شانا و استرسلت في الحديث "لست كما تظنين يا صديقتي، لقد كنت فيما مضى خجلة من اختلافي ألوم نفسي دائما رغم انني اعلم أنه ليس بيدي حيلة، لكن بعد وفاة والدتي و سندي، تغيرت، أحسست أنه سرق مني وقتي و أنا أفكر بالآخرين و لم أركز على الإنسان الوحيد الذي بجانبي، لم أقضي (أقض) وقتي الثمين مع أعز شخص، و كنت مشغولة بترهات الناس، لهذا قررت أنني سأعيش حياتي بطريقتي، و أسعد من حولي، فالحياة لا تستحق الكثير من التفكير"، أعجبت منيرة بكلام شانا، و اردفت" ولهذا يجب أن تثبتي لهم إنك الأفضل، وأنك مميزة".

قررت شانا بعدها المشاركة، وكانت متحمسة بسبب تشجيع صديقتها لها، لهذا قررت ان تكون لوحاتها مميزة مثل صديقتها الجديدة.

بعدها بأيام تجمع الناس في قاعة فسيحة ينتظرون الاعلان عن الرابح، كانت شانا متوترة، وحاولت منيرة التخفيف عنها، وبعد لحظات انفتح الستار، وظهرت لوحة الفائز، لقد كانت اللوحة عبارة عن وجه منيرة بعينيها الجميلتين المختلفتين وابتسامتها البريئة كانت الصدمة ظاهرة على وجه منيرة, لم تتوقع ان شانا ستشارك بلوحة يكون مضمونها وجهها، كانت شانا سعيدة جدا بفوز لوحتها في المسابقة، نظرت بابتسامة هادئة في وجه منيرة، و اتجهت لاعتلاء المنصة، كان الجميع ينظر لها باستغراب كيف لهته (لهاته) الغريبة ان تكون الفائزة، تحدثت شانا قائلة "أعلم أنكم جميعا ترونني مختلفة لكنني انظر لنفسي على انني مميزة، مميزة بلون بشرتي، مميزه بما انا عليه، ولا ابالي باي شيء اخر، في لوحتي شخص آمن بي، شخص مميز اعطاني الحافز لأكون ما انا عليه، وأثبت انه ليس للموهبة لون ولا شكل، وها أنا ذا اليوم أفوز بموهبتي واجتهادي"، التفت الجميع لمنيرة بإعجاب، ولأول مرة تحس ان ما يميزها هو اختلافها، وان ما لديها هو الأهم، أحست بدموعها الساخنة تلامس بشرتها، شعرت أنها كانت جبانة لمواجهة الآخرين لكن شانا أثبتت لها الآن أن الاختلاف يجعلها مميزة، ويجب أن تحب نفسها على ما هي عليه.

بعد خطاب شانا المؤثر والجميل، تقدم امير مدينة السحاب ليقدم الجائزة للفائز، كان معجبا بخطاب شانا الجميل وكيف أنها تحب نفسها على ما هي عليه، ايضا بشجاعتها أحس ان كلماتها غيرت الكثير في عقول هؤلاء الناس، تسلمت الجائزة وهي تمسكها بفخر ملوحة لمنيرة.

بعد انتهاء حفل توزيع الجوائز ذهبت الفتاتان جنبا الى جنب الى المنزل، كانت منيرة هادئة، وفجأة قالت" شانا, أريد حقا العودة الى منزلي، لقد أدركت كم كنت جبانة، لأنني جعلت نفسي مختلفة عن الاخرين، اعطيتهم انطباعا انني اخشى نظراتهم، كان يجب ان اواجه الناس، ان اكون قوية مثلك، ولا أبالي بأحد، لقد اشتقت لأمي وأبي وأختي لونا لطالما كانت هذه الأخيرة السند لي في جميع اللحظات لكنني لم اقدرها، لم أقدر حياتي المليئة بالحب، لأنني جعلت شيئا تافها يسيطر على تفكيري كل يوم، جعلني أنسى الاستمتاع بحياتي مع الاشخاص المهمين لي"، اردفت شانا مبتسمة " انت حقا شجاعة يا منيرة، عند رؤيتك احسست بان لي صديقة لأول مره (مرة)، انت قوية أيضا وتستطيعين تغيير نفسك وبهذا تغيرين كل شيء حولك، سأشتاق لك يا صديقتي"، وفجاه ظهر لون أزرق من بعيد يتقدم شيئا فشيئا، فظهرت روري بعدها بمدة، وظهر بجانبها المنطاد، هتفت منيرة "روري أين كنت كل هذا الوقت؟" اجابتها روري" لقد سمعت أنك تريدين العودة وأنا هنا للمساعدة"، دهشت شانا لأن فراشة تتكلم إذا لقد كانت منيرة تقول الحقيقة.

ودعت الصديقتان بعضهما البعض بحزن، وعادت منيرة لبلدتها. استيقظت في الصباح الباكر على صوت أمها وهي تناديها، هبت فزعة وهي تحدق بأمها قائلة "هل كان كل هذا حلما، لا اصدق" تجاهلت أمها السؤال وقالت" هيا الى الإفطار يا عزيزتي"، لم تستوعب منيره أن هذا كان حلما، أين روري وشانا؟

مرت الأيام، حققت فيها منيرة مرادها اصبحت فتاة مرحة تفتخر بشكلها ومميزاتها، ولا تبالي بالأخرين، تعلمت ان حب الذات هو الأهم، وان اراء الاخرين لا تعنيها في شيء، وباكتسابها لتلك الثقة أصبح لديها الكثير من الاصدقاء، وبالطبع الصديقة الاقرب وهي اختها لونا.

وفي أحد الايام بينما هي تتأمل السماء من سطح المنزل، رأت فراشة زرقاء تحوم حولها، قالت الفراشة “مرحبا منيرة، كيف حالك يا صديقتي"، اندهشت منيرة محاولة استيعاب الموقف، هل هي تحلم مرة أخرى، أكملت الفراشة "انت لست في حلم يا صديقتي، كل هذا حقيقي، فرحت منيرة وحيت صديقتها بحماس، وقالت "كيف حال شانا إذن"،" إنها أميرة مدينة السحاب الآن، لقد تزوجت الأمير" أجابت روري، بفرح قالت منيرة "حقا؟ إنها تستحق الأفضل، أنا سعيدة من أجلها"، أردفت روري مبتعدة "وانت تستحقين الأفضل، لأنك مميزة".

= انتهت =

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى