الثلاثاء ١٠ آب (أغسطس) ٢٠٢١
قراءة في كتاب
بقلم عمرو صابح

الأمية فى مصر.. 1923 – 1952

صدر كتاب «الأمية فى مصر.. 1923 – 1952» للباحثة آية سمير غريب عن سلسلة تاريخ المصريين التى تصدرها الهيئة العامة المصرية للكتاب.

يحتوى الكتاب على رسالة الماجستير الخاصة بالباحثة وهى رسالة علمية تمت مناقشتها في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة.

اعتمدت الباحثة فى دراستها لمشكلة الأمية فى مصر خلال الفترة من عام 1923 حتى عام 1952 على إحصائيات التعليم بوزارة المعارف "التربية والتعليم الآن"، تقارير المعتمدين البريطانيين، تعداد سكان القطر المصري، مضابط البرلمان بمجلسيه "النواب والشيوخ"، الدوريات والصحف الصادرة خلال فترة البحث، العديد من المراجع العلمية و التاريخية العربية والأجنبية.
لم تكتف الباحثة بتناول فترة البحث فقط بل عادت إلى جذور مشكلة الأمية فى مصر منذ بدايات القرن التاسع عشر وقامت بالربط بينها وبين أحوال المجتمع المصري الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

اعتمدت الباحثة على الجداول الإحصائية والأرقام خلال بحثها، وقد خلصت إلى التالي:

 سياسة محمد على باشا التعليمية لم تكن تستهدف نشر التعليم والتوسع فيه بل فقط تجهيز عدد محدود من المتعلمين لخدمة الجيش واحتياجاته والعمل بالمصالح الحكومية، وكان محمد على رافضاً للتوسع فى التعليم ويرى فيه شراً مستطيراً يجعل حكمه لمصر صعباً لأن حكم الشعب المتعلم ليس بسهولة حكم الشعب الجاهل، لذا فقد بلغت نسبة الذين يعرفون القراءة والكتابة من المصريين فى نهاية حكم محمد على باشا الذى امتد لما يزيد عن 4 عقود حوالى 6% من السكان بينما 94% يعانون من ظلام الجهل والأمية.

 إبراهيم باشا ابن محمد على باشا كانت له وجهة نظر مغايرة لوالده فقد كان مهتماً بالتوسع فى تعليم المصريين من أجل الارتقاء بالمجتمع ولكن قصر مدة حكمه لم يتح له تنفيذ خططه.
 عباس الأول وسعيد باشا كانا ضد تعليم المصريين بينما كان الخديوي إسماعيل فى بداية عهده مهتماً بالتوسع فى التعليم وبناء المدارس ولكن إسرافه المادى واقتراضه المحموم من الدول الأوروبية واهتمامه بالمظاهر على حساب المضمون، أدوا لإفلاس البلاد ووقوعها فى براثن العجز المالي مما أدى لانهيار خططه التعليمية، وفى عهد الخديوي توفيق وقعت مصر فى قبضة الاحتلال البريطانى بمباركة من الخديوى توفيق.

 فى عام 1882 عندما احتل البريطانيون مصر كانت نسبة من يعرفون القراءة والكتابة من الذكور تبلغ 3.6% من الذكور، و2.% من الإناث، وقد وضع المحتل البريطانى سياسة للتعليم فى مصر عبر مستشاره دانلوب قامت على التقتير فى الصرف على التعليم.

 فى عام 1907 بلغت نسبة من يعرفون القراءة والكتابة من الذكور 9.7%، ومن الإناث 2.%.

 نص دستور 1923 على حق المصريين فى التعليم، وعلى مجانية التعليم الابتدائي، وفى عام 1925 أعدت وزارة المعارف مشروعاً لتحقيق مجانية التعليم الابتدائي تحت مسمى التعليم الإلزامي، ولكن المشروع فشل فى تحقيق أهدافه بسبب عدم الجدية فى تنفيذه وعدم تخصيص الموارد المالية اللازمة له فى ظل رفض النخبة الحاكمة للتوسع فى تعليم المصريين لأن تعليم أبناء الفلاحين سيؤدي لخروجهم من خدمة الإقطاعيين.

 فى عام 1930 كانت مصر تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم فى عدد الأميين من السكان وقد بلغت نسبتهم 88%.

 ساهمت أزمة الكساد الاقتصادى العالمى عام 1930 فى المزيد من تقليل الإنفاق على التعليم فى مصر مما أدى لتفاقم مشكلة الأمية بين الشعب المصري، فقد قامت الحكومة بطرد الطلاب العاجزين عن دفع مصروفات المدارس.

 عدد المعدمين من المصريين بلغ 11 مليون مصري فى عام 1945 فى شعب تعداده حوالى 16 مليون نسمه.

 فى الفترة من 1937 حتى 1947 هاجر من الريف المصري مليون فلاح للحياة بمدن القاهرة والإسكندرية والقنال بسبب الغلاء وسوء الحال.

 لم يكن حال العمال فى مصر أفضل من الفلاحين فقد بلغت نسبة المتعطلين منهم عن العمل فى نفس الفترة قرابة 376 ألف عامل، أثر كل هذا على تعليم الأطفال فقد لجأت أسر الفلاحين والعمال إلى تشغيل أبناءهم لجلب الأموال خاصة فى ظل عدم وجود سياسة تعليمية محددة للدولة وفى ظل نقص عدد المدارس والمدرسين.

 فى مايو 1944 خلال حكم الوفد، قرر وزير المعارف أحمد نجيب الهلالي تطبيق مجانية التعليم الابتدائي، ولكن القرار لم يتم تنفيذه بسبب عدم وجود الموارد الكافية له، ولمعارضة النخبة الحاكمة فى مصر للتوسع فى التعليم خاصة تعليم أبناء الفلاحين.

 فى عام 1947 بلغت نسبة الأمية فى الوجه القبلي 80.5% من عدد السكان بينما بلغت فى الوجه البحري 76.2% من عدد السكان.

 ارتبطت الأمية فى مصر بسوء توزيع الثروات فى مجتمع سيطر نصف فى المائة من سكانه على 90% من ثرواته عبر طبقة ربطت مصالحها بالقصر الملكي والمحتل البريطاني، كما أدى انتشار الأمية، أصدرت الحكومات المتعاقبة خلال الفترة من 1923 حتى 1952 قوانين لمحو الأمية، كانت جميعها حبراً على الورق لأن حل المشكلة لم يكن مرتبطاً بقانون يصدر بل بضرورة حل مشكلة التفاوت الطبقي فى المجتمع المصري، وهو ما حاربت ضده الطبقة الحاكمة فى مصر وقتها.

 بسبب انتشار الأمية خاصة بين النساء، انتشرت الأمراض فى المجتمع المصري، فى عام 1950 بلغ عدد المصابين بالرمد الحبيبي 14.5 مليون نسمة بما يعادل 90% من المصريين، وعدد المصابين بالبلهارسيا 12 مليون نسمة بما يعادل 75% من المصريين، وعدد المصابين بالإنكلستوما 8 مليون نسمة بما يعادل 50% من المصريين، وحصلت مصر على المركز الأول فى وفيات الأطفال على مستوى العالم، وبلغ عدد الوفيات من المصريين سنوياً 441 ألف نسمة بسبب سوء التغذية وفقر الدم وانعدام النظافة فى المسكن والملبس والغذاء وغياب الحد الأدنى للرعاية الصحية.

 الفلاح المصري كان يشرب من ماء الترع والمصارف، ويعيش فى بيوت من الخوص لا تصلح للآدميين، ولا يمتلك سوى جلباب واحد، ويأكل ما يسد رمقه.

 خلال حكومة الوفد الأخيرة التى تولت الحكم فى نهاية عام 1950 أصدر وزير المعارف د.طه حسين قراراً بتطبيق مجانية التعليم الابتدائي والثانوي، ظل أثره محدوداً بسبب نقص المخصصات اللازمة للتوسع فى التعليم وغياب وجود خطة ثابتة لوزارة المعارف، والإطاحة بحكومة الوفد بعد حوالى عام من توليها بسبب حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، وما تبعه من عدم استقرار فى نظام الحكم وتعاقب الحكومات حتى اندلعت ثورة 23 يوليو 1952.

 عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، كانت نسبة الأمية فى مصر قد بلغت 65 % من الذكور، و86% من الإناث.

 فى الفترة من 23 يوليو 1952 حتى نهاية عام 1970 تم وضع خطة تعليمية شاملة للتوسع فى التعليم لكافة طبقات الشعب المصري كما تم إضفاء الحماية الدستورية الشاملة على حق المصريين فى التعليم، كما أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قانون مجانية التعليم الجامعي فى عام 1962 لكى تصبح كل مراحل التعليم فى مصر مجانية، زاد عدد المدارس فى مصر من 4800 مدرسة في عام 1952 إلى 18 ألف مدرسة في عام 1970، زاد عدد المدرسين والمدرسات من 40 ألف في عام 1952 إلى 250 ألف في عام 1970، زاد عدد الطلاب فى كل مراحل التعليم من 840 ألف طالب فى عام 1952 إلى 5 مليون و500 ألف طالب فى عام 1970.

 الكتاب يمثل بحث علمى شامل وموثق بالأرقام التى لا تكذب ولا تتجمل ولا تزور الوقائع التاريخية، استطاعت الباحثة فيه تقديم صورة بانورامية لما اصطلح على تسميته بالفترة الليبرالية فى مصر، وأسباب تفشي الأمية وارتباطها بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية التى كان يعيش فيها غالبية المصريين.

 هذا الكتاب بمعلوماته وأرقامه وإحصائياته وتحليله العلمى المنهجي هو خير رد على أوهام الشماشرجية والليبرالجية وذيولهم الذين يرسمون لمصر خلال العهد الملكي صورة وردية لم تحدث أبداً سوى فى أوهامهم.

 كتاب جدير بالقراءة والاقتناء.

 الصورة لغلاف الكتاب، الطبعة الأولى صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى عام 2019.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى