الأحد ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٩

إلى متى أيها الإعلام؟

بقلم: مصطفى خداد

أصيبت أم مغربية وفتاتاها الحسناوان بأنفلونزا الخنازير، وكان أهون عليها أن تموت ولا ترى جميلتاها اليافعتان تعطسان أوتلازمهما دزة من المناديل البيضاء وعلب أدوية مضادة للجراثيم.

انحصر الحدث وهوله داخل البيت القصديري الضيق، وتوالت المصيبة تلوالمصيبة، وخافت الأم سريان الخبر في حي آخر ما ينقصه هوهذا المرض المرعب.

في ذهن الأم عديد من الأسئلة العالقة بدون أي جواب منطقي ومقنع، سمعت من السلطات أن الوضع مسيطر عليه وأنه لا خوف على المواطنين ولا هم يحزنون، فسلمت وآمنت بقول السلطات.

خمسة أمتار ونصف المتر مربع، تفرق بينها جدران من قطع خشب مترهل، تأكل منها الأرضة ولصوص الزيت لدى المغاربة" سراق الزيت "،وتسكنها عناكب الفقر، أوان مكدسة على لوح خشبي مشحم بزيت الوجبات المتصاعد، تثيرك طنجرة سوداء، غطاءها مثقوب يخترقه سلك مصدى يساعد على حملها من على النار وهي تشبه إلى حد كبير طنجرة أيام الدراسة العجيبة، تلفاز يشع منه الضوء، وهوألمع ما يحتويه هذا السجن الرحب، فاخر وفاخم كل الفخامة، تحته مستقبل قنوات فضائي.

ألم يكن من الجدير بهذه الأم أن تستبدل هذا الجهاز بضرورة أخرى تفاديا لعدم التناسق؟

سؤال يطرحه كل غريب زائر، وهوبالنسبة إلى المنطق المغربي بديهي، لكنه بلادة، بل جهل، إنها لم تشتره إلا لأن له ضرورة تدريها وتعيها كل الوعي خاصة وأن لها ابنتان.

اشتد المرض، أخد الكل يسعل، فأنتشر الوباء ليصل الجيران وتتسع رقعته إلى أن أصبح الحي كله بؤرة للأنفلونزا.

طرح السؤال من جديد لكن بشكل جماعي:

ــ من أين أتتنا المصيبة؟

وصل الأمر أخيرا للسلطات، واستنفرت وزارة الصحة والداخلية كل إمكانياتها وطاقاتها لمواجهة الوباء، فعزلت المنطقة كليا وكانت محور وسائل الإعلام المختلفة، أخذوا العينات وضربوا حضرا على المنطقة وشعر السكان بالاهتمام والأهمية والعناية الفائقة لأول مرة.

انهالت الخيرات على الحي وكان لهم ما اشتهوه من طعام وشراب طالما سبحوا في أحلامهم محاولين "درك بعض ما أصبح لهم" دون جدوى.

استبدلت دور الصفيح بالخيام المؤقتة درءا لانتقادات وسائل الإعلام الأجنبية، وتغير حال الحي داخل المدينة، وعلم أعيانها وأكابرها لأول مرة، أن هناك حيا بتلك المواصفات في باحة حديقتهم الخلفية المنسية.

بعد أيام من التنقيب والبحث المضني، توصلت السلطات إلى نتيجة مفزعة للحي قبل الشعب، فقررت كعادتها ألا تذيع الخبر إلى حين إيجاد صيغة لمحاربة الداء، لكن ولأن القرصنة من أبرز السمات التي تقض مضجع النظام فقد تسرب الخبر.

في اليوم التالي، أخذ الجميع يتخلصون من أجهزة التلفاز والاستقبال معا، فكانت فرصة للمتشردين والباعة المتصعلكين والمتسولين الذين لا يأبهون لأي مرض، لأنهم أصلا في وباء يعتقدون أن لا وباء يضاهيه، كانت لهم فرصة تحقيق أحلامهم البسيطة في التسمر أمام الشاشة الزجاجية لمدد غير معلومة، وعيش إحساس العولمة والانتماء للمدنية الجديدة.

شاع إذن، خبر مسؤولية المسلسلات المكسيكية المترجمة، عن الداء، وخرجت وزارة الصحة عن صمتها أخيرا وأكدت الخبر، فجمع وزير الإعلام حقائبه واتجه صوب المطار، واستقل الطائرة فطار، ولم يعثر له بعد ذلك على آثار.

أعطت وزارة الصحة تفسيرا علميا مطولا لم يفهمه أحد غيري، فحواه أن إدمان سكان الحي لهذه المسلسلات هوالسبب في انتقال العدوى، خاصة وأن الجهاز الذي ضبط عند العائلة الأولى، جهاز عالي التقنية والتطور، إذ بإمكانه أن ينقل للمشاهد كامل الشعور ليعش الحدث وكأنه مكسيكي مغربي من بيت صفيحي يصبوإلى الغنى، جهاز يوصل الحزن والبهجة معا، ليتجاوزهما إلى إيصال أنفاس وخفقات أبطال الفيلم، ففيه مجسات تتحسس حرارة الجسم،خاصة لدى الجنس الخشن المشهور باللطيف عند غيري طبعا، لتجعل من المشاهد ذوالقلب المرهف والعقل الساذج عبدا لا يحب الحرية والانعتاق.

فإلى متى أيها الإعلام؟

بقلم: مصطفى خداد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى