

أنا مغرمٌ بالشعرِ لستُ بشاعرٍ
عبد الستار نورعلي
أدعوكَ ربِّي، حيلتي بدعائي | أنا في رحابكَ، لا تردَّ رجائي |
أنشرْ جناحي بينَ أنفاسِ المدى | لأفكَّ قُفلَ القلبِ عنْ إنشائي |
أطلِقْ عناني، كي تخطَّ أناملي | مكبوتَ ما في النفسِ منْ أصداءِ |
إمنحْني رَعْشةَ مبدعٍ ومُصوِّرٍ | لَهَبَ القريضِ، رهافةَ الشعراء |
أنا مغرمٌ بالشعر، لسْتُ بشاعرٍ | حتّى و إنْ غنّى الكلامُ ندائي |
مازلْتُ طفْلاً حابياً في روضهِ | تلهو بيَ الأزهارُ عَذْبَ غناءِ |
ما كلُّ ردّادِ الأغاني مطرباً | ما كلُّ نظّامٍ منَ الشعراءِ |
الشعرُ صعبُ المرتقى ودروبُهُ | حِممُ المشاعرِ وانطلاقُ فضاءِ |
معنىً يُقانصُهُ بجُودِ قريحةٍ | لهبٌ، نسيمٌ مُطفئُ الإعياءِ |
نبضٌ لقلبٍ عاشقٍ مُستوحِشٍ | يهبُ القصيدَ فتوةَ الصحراءِ |
ينبوعُ ماءٍ دافقٍ بنميرهِ | يسقي العِطاشَ لذاذةَ الإرواءِ |
ورغيفُ خبزٍ طازجٍ متوهّجٍ | غذّى الجياعَ عصارةَ العلماءِ |
* * *
عازَفْتُ نايَ الشِعرِ بالأضواء | وسكبْتُ ما في الروحِ مِنْ صهباءِ |
جُبْتُ الشِعابَ صعابَها وسهولَها | فسُقيْتُ إعراضاً وصمتَ جَفاءِ |
لكنّما الإصرارُ غايةُ موردي | وسقايتي منْ سيرةِ العظماءِ |
فسكنْتُ داخلَ أحرفي ورداؤها | عَصَبُ الأزقةِ، غضبةُ الفقراءِ |
والماءُ والأنسام ُ، وجهُ مدينتي | والحقُّ، والانسانُ خلوَ الداءِ |
أمّا التي يعدو الخَليَُ بظلِّها | لا ترتوي منها بغيرِ شقاءِ |
فافتحْ كتابَ العشقِِ كم من عاشقٍ | ذاقَ المرارةَ منْ هوى الحسناءِ! |
واقرأْ لقيسَ وديكِ جنٍّ والذي | شدَّ الرحالَ لموطنِ الغرباءِ |
لا تعذلوهُ فقد أصيبَ بحتفهِ | وسلوا الخليلةَ قسوةَ الضرّاءِ* |
* * *
ها إنَّ سبعيناً بحسنِ عطاءِ | لاحتْ بيارقُها بأفقِ سمائي |
سبعونَ مسرعةً تقرِّبُ خيلَها | صوبي تزيدُ توقُّدي وعنائي |
ما ضرّني مِنْ عابراتِ سنينِها | ما قد يُعيبُ الجلدَ تحتَ ردائي |
ما أزهرَتْ لغتي بغيرِ ندائها | وبغيرِ لحنِ الحبِّ في الأرجاءِ |
إنّي اقتحمْتُ الحرفَ منْ أبوابهِ | لا ناظرَ العَجماءِ والرقطاءِ |
أو طارقاً أبوابَ منتجعِ الخنى | فبقيتُ محفوظَ اليدِ البيضاءِ |
ولذا تغافلتِ الثعالبُ مارأتْ | فيها دَهيناً، مُثقَلاً بثراءِ |
أو إصبعاً حرَفَتْ قيادَ مسيرِها | بينَ السفوحِ، وخيمةِ اللؤماءِ |
قممُ المعالي خيمتي أيقونتي | لا أبتغي سفحاً، ونثرَ هباءِ |
أنا مغرمٌ بالشعرِ لستُ بشاعرٍ | دقَّ الطبولَ بنفخةِ الخُيلاءِ |
****
* اشارة الى ابن زُرّيْق البغدادي وقصيدته:
لا تعذليهِ فإنّ العذلَ يولعُهُ | قد قلتِ حقّاً ولكنْ ليس يسمعُهُ |
جاوزتِ في لومهِ حدّاً أضرّ بهِ | مِنْ حيثُ قدّرتِ أنّ اللومَ ينفعُهُ |
فاستعملي الرفقَ في تأنيبهِ بدلاً | عنْ عنفهِ فهو مضنى القلبِ موجعُهُ |
عبد الستار نورعلي