أطالب بمراجعة مقاييس نجاح الفنانين

ديوان العرب: المطرب الفنان محمد ثروت، الصوت العذب لك أغنيات حركت مشاعرنا الوطنية و العاطفية.. ولكننا نسألك أولا فى بداية هذا الحوار.. أين أنت من الساحة الفنية؟

– محمد ثروت: أولا أنا لست غائبا عن الساحة حتى تسألنى أين أنا من الساحة الفنية.. والحمد لله أنا موجود، ولا يمكن أن تعتبر ابتعادى لفترة لإعادة حساباتى غيابا عن الساحة.. المسألة تتلخص فى أننى احاول أن أعيد حساباتى..

ديوان العرب: لكننا نلاحظ أنك لم تطرح أغان جديدة فى السوق منذ فترة.. فلماذا فضلت الابتعاد.. أو على حد قولك إعادة الحسابات؟

– محمد ثروت: الفنان الجيد يحتاج دائما إلى الوقوف قليلا والتمهل فى كل مرحلة من مراحل حياته ليعيد التفكير فى فنه، وفى جمهوره. ولكى يقرر ما هو الجديد الذى يمكن ان يقدمه لهم. وأنا فضلت أن أتمهل فى الاختيار حتى أستطيع أن أواصل على نفس المستوى. فما الفائدة من الاستمرار لمجرد الاستمرار. فى بعض الأحيان يمكن أن يكون التفكير أفضل من الوقوع فى فخ التسطيح من أجل إثبات التواجد. وأنا لست من هذا النوع من الفنانين الذين يسعون لمجرد إثبات تواجدهم. لقد تخطيت تلك المرحلة منذ فترة. واستطعت أن أقدم نفسى للناس بشكل جيد، وحفرت إسمى فى أذهانهم. ولهذا أسعى إلى البناء على التقدم الذى حققته. أنا الأن لا أقبل بالاستمرار بدون تقديم الجديد.

ديوان العرب: هل يعنى ذلك أن محمد ثروت الحالى اختلف عن محمد ثروت الذى عرفناه من قبل؟

– محمد ثروت: ليس شرطا أن أكون مختلفا عن زمان. بل بالعكس أنا مازلت ملتزما بالأسس والمبادئ التى تعلمتها وأنا صغير. لقد تعلمت أن كل شئ فى الدنيا له أساس، وكل شئ فى الدنيا له أصل. وبالتالى لا يمكن أن أفصل محمد ثروت الحالى عن محمد ثروت ما قبل ذلك. أنا استمرار لنفسى. وكل ما يحدث هو عملية تطوير. وهذا شىء طبيعى من سنة الحياة. وهو ما يفعله أى شخص وليس محمد ثروت فقط.

ديوان العرب: متى بدأت موهبة الغناء عندك، ولماذا واصلت هذه الموهبة فى الغناء؟

– محمد ثروت: بدأت موهبة الغناء عندى منذ سن مبكرة. وعندما دخلت الجامعة، درست الهندسة. ولكننى تطلعت إلى عمل شىء متميز فى حياتى. وقررت أن أتجه إلى الفن لأخدم مجتمعى وأهلى.

ديوان العرب: هل يعنى ذلك أن نشأتك هى التى قادتك إلى الفن؟ وكيف أثرت هذه النشأة على تكوينك كفنان؟

– محمد ثروت: لا شك أن نشأة الإنسان تعتبر محركا خفيا له، بعد أن يكبر. وهذه النشأة تعتبر دافعا من الدوافع التى تجعل الإنسان جيدا في عمله أو تجعله فاشلا فى ذلك العمل. وأنا نشأت نشأة عادية جدا فى محافظة الغربيه، فى مدينة طنطا. هناك تربيت، وتعلمت أن هناك أسسا وقواعد للحياة. تعلمت الحلال والحرام، الصح والخطأ. وتعلمت احترام الكبير والصغير. وتعلمت أن هناك أصولا يجب مراعاتها. ولهذا تجد أن الفن الذى أقدمه يلتزم بهذه القواعد العامة التى تعلمتها، وتربيت عليها. الفن عندى إلتزام، وأصول، وليس مجرد بيع للكلام، ولا مجرد دغدغة للمشاعر. الفن ليس نفاقا، ولا كذبا على الناس. الفن صدق والتزام ومسئولية.

ديوان العرب: هذه هى القيم التى نشجعها، وفعلا.. البعض يعتبر الفن تجارة أو صفقة؟

– محمد ثروت: ليس الفن فقط.. الحياة بأكملها الآن أصبحت فى نظر الناس مجرد صفقة. و لذلك يسعى البعض إلى تحقيق النجاح بأى شكل، بغض النظر عن المضمون. ولذلك أعتقد أن مقاييس نجاح الفنان هذه الأيام مختلفة عن مقاييس النجاح قبل ذلك. ولهذا أطالب بمراجعة مقاييس نجاح فنانى هذه الأيام. هذا النجاح يجب اختباره، ومراجعته. تماما كما تتم مراجعة الشهادات لمعرفة ما إذا كانت صحيحة أو مزورة أو مغشوشة، أو ربما باعها أحد النصابين. يجب أن ننظر وندقق كى نوضح للأجيال القادمة ما هى مقاييس النجاح الحقيقية.. وما هى أسس النجاح.. وما هى مقومات النجاح الحقيقية، وهذا فى مجال الفن عموما وليس الغناء فقط.

ديوان العرب: هذا الكلام يدل على أن محمد ثروت يعانى من أزمة كبيرة مع الفن الذى نشهده هذه الأيام ..

– محمد ثروت: غير صحيح..كل ما أطالب به هو المراجعة الشاملة للحفاظ على الفن. وللعلم أنا أقول هذا الكلام ولا أقصد به أحدا معينا، ولا أريد أن يتم تفسيره على أن لى عداءات مع أحد. فالحمد لله جميع علاقاتى تتميز بالود والصراحة. والجميع أصدقائى، والساحة الفنية مفتوحة للجميع. وإذا كانت لى بعض الآراء فهى لصالح الجميع من الفنانين والناس.

ديوان العرب: حسنا.. إذا كانت لك ملاحظاتك على الآخرين فإن للآخرين ايضا ملاحظاتهم الخاصة عليك.. فالبعض يقولون أن محمد ثروت اتخذ الأغنية الوطنية سلما للنجاح؟

– محمد ثروت: الأغنية الوطنية هى احد نوع من أنواع الفنون التى غنيتها. وقد غنيت الأغنية العاطفية، وبدأت حياتى بها مع محمد سلطان، وعمار الشريعى، وحسن أبو السعود، وهانى شنودة. ولكن الأغنية الوطنية حققت الإنتشار الأوسع بسبب كونها صادقة و مكثفة الأحاسيس. كما أن للأغنية الوطنية جمهور واسع، ولهذا استطاعت الاختراق. وساعد على انتشارها تلك الحفلات التى تتعهدها الدولة، وتوفر لها كل الإمكانات. وأعتقد أن الدولة لو رعت الأغنية العاطفية أيضا فسيكون لها نصيب من النجاح. وأنا أقدم أغنيتى بناء على مقومات فنية سليمة. وللعلم، فقد قدمت أيضا أغنيات الأطفال كأغنية "حبيبة بابا رشا"، و"منى يا منى". واستطاعت تلك الأغانى أن تجوب العالم العربى كله.

ديوان العرب: وما رأيك فى القول بأنك اعتمدت على أسلوب الفنان الراحل عبد الحليم حافظ فى تقديم الأغانى الوطنية؟

– محمد ثروت: هذا ليس صحيحا، لأن الصدفة وحدها لعبت دورا فى ذلك. فقد توفرت لعبد الحليم مناسبات كثيرة جدا ليغنى فيها الأغانى الوطنية. بداية من حرب اليمن، ثم حرب 56، وقيام الثورة، ودعمها بالأغانى الوطنية. وكانت وقتها توجد قضايا وطنية كثيرة، كقضية الاشتراكية، والسد العالى، والنظام الجديد، وعناصر وقضايا وطنية أخرى. لكن دائرة الأغانى الوطنية الخاصة بى أضيق بكثير، رغم أنها أعم وأشمل لأنها تتحدث عن مصر كلها. ولهذا جاء خطابى الوطنى كالآتى: "إن كان ع الحب ما لوش غيرك" أتكلم فيها عن مصرية هذا الإنسان الذى يجب أن يعتز بها، ويجب على كل إنسان على ظهر الأرض أن يعتز بكينونته.

ديوان العرب: البعض يقول أنك كنت تتلقى الأوامر لغناء هذه الأغانى الوطنية؟

– محمد ثروت: هذا مجرد كذب، وافتراء. وأنا لم أتلق فى حياتى، ومنذ ظهورى على الساحة الفنية أى تكليف بالقيام بمثل هذا العمل الوطنى. وأنا لا يمكن أن أفعل فى يوم من الأيام أى شىء ضد إرادتى. لقد نجحت أعمالى الوطنية لأننى اخترتها بنفسى، ولنفسى. وأذكر هنا أن السيد الوزير صفوت الشريف قد سمح لى أن أختار عملى بنفسى لأننى كنت أعترض على الأعمال التى تقدم لى من جانب التليفزيون والإذاعة. وقلت له: "أنا مسئول عن غنوتى يا سيادة الوزير". هم يقولون مطرب أغنية وطنية، أو مطرب أغنية عاطفية.. هذا التصنيف غير صحيح.. أنا مطرب لكل شئ. أنا سمعت مثل هذا الكلام الذى تقوله من واحد من الذين لا يعلمون أى شئ عن الغناء.. سمعته يقول: "هوه محمد ثروت بيغنى ايه؟ ده لا يغنى إلا الأغانى الوطنية". وأنا أقول انه لجهله ولاضمحلال شخصيته لا يعلم مدى شرف أن أخترق مجالين لا يمكن النجاح فيهما إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى. فالطفل يصعب استرضاؤه، وكذلك الوطن.

ديوان العرب: على العموم نحن لا نردد تلك الاتهامات.. ونعتبرك واحدا من الفنانين الذين استطاعوا امتاعنا بكلمات جميلة.. وما يخرج من القلب يصل إلى القلب.

– محمد ثروت: نعم.. ومن الطبيعى أن يتعرض كل إنسان ناجح لحرب الشائعات التى تهدف إلى تدميره أو على الأقل إلى تعطيل مسيرته الفنية.

ديوان العرب: نحن نشكرك على هذا الحوار. ونتمنى أن نسمعك قريبا فى أعمال جديدة أو أن نراك ممثلا كغيرك من الفنانين على شاشة التليفزيون أو السينما..

– محمد ثروت: غالبا لن يحدث هذا. أنا لا أنوى الخروج عن مهنتى والعمل كممثل.. صاحب بالين كذاب.. وأنا لن أرتدى البنطلون الجينز والتى شيرت لكى يرضى البعض عنى. لن أقدم سوى الفن الذى يرضاه ضميرى.

ديوان العرب: وفقك الله.