أحمد مخيمر سيرة ومسيرة
الشاعر أحمد مخيمر من الشعراء الذين أبدعوا في مجال الشعر الفصيح ولكن لم يأخذ حقه من الشهرة بقدر موهبته بل وتعرض للظلم في حياته ولمن لا يعلم نقول أن الشاعر القدير أحمد مخيمر من مواليد 14 أغسطس عام 1914 في قرية المعالي مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية وتخرج في كلية دار العلوم جامعة القاهرة وعمل بالتدريس ثم في الهيئة العامة للكتاب وتدرج في المناصب حتي أصبح رئيسًا للجنة القراءة في الهيئة العامة للكتاب وكانت مجلة الثقافة برئاسة تحرير الدكتور عبد العزيز الدسوقي تنشر إبداعات الشاعر أحمد مخيمر بصفة شهرية مع دراسات عنه بسخاء.
تميز الشاعر أحمد مخيمر بين كوكبة الشعراء التي التمعت أسماؤها فى ختام فترة الثلاثينيات وكان عضوا بارزا فى جماعة أبوللو الشعرية والتي تعد واحدة من أكبر حركات التجديد في الشعر العربي الحديث وكان من نجوم هذه الجماعة إبراهيم ناجي وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل ومحمود أبو الوفا وأحمد فتحي طاهر وغيرهم ولكن كان من بين كل هؤلاء الشاعر أحمد مخيمر أكثرهم ميلا ً من حيث الطبع والنزوع الفلسفي والفكر والتأمل مما يجعله يتجه إلى كتابه (لزوميات مخيمر) على نهج لزوميات أبي العلاء المعري.
كتب الشاعر أحمد مخيمر مسرحيته الشعرية (عفراء) التي صورت المأساة العاطفية للشاعر العذري عروة بن حزام ومحبوبته عفراء وتم تمثيلها في الأربعينات باستديو سيد بدير وشارك فيها صلاح منصور وأمينة رزق وسميحة أيوب.
للشاعر أحمد مخيمر ملحمة شعرية طويلة بعنوان الروح القدس وتبلغ 5150 بيتاً من الشعر وهذه الملحمة الشعرية الفريدة تجمع بين الروحي والوطني والقومي والإنسانى وفي تقديم الملحمة قال صديق عمره الشاعر عبد العليم عيسى: شعر أحمد مخيمر يمتاز بإحكام النسج وجمال التصوير وانتقاء اللفظ الدال المعبر بأمانة عن شعوره وإحساسه يساعد هذا ملكة فنية وملكة لغوية واستعداد فطرى متميز لكنه قد بلغ الذروة في شعره فى الطبيعة.
كتب الشاعر أحمد مخيمر أكثر من 15 ديوان بالإضافة إلى مسرحيات وملاحم شعرية ومن أعماله نذكر دواوينه: الغابة المنسية وفي ظلال القمر وأسماء الله وأشواق بوذا وفي الثمانينيات كتب الشاعر طاهر أبو فاشا في جريدة الأهرام: أحمد مخيمر شاعر يذكرنا بأبي تمام في شعره ويذكرنا بأحمد شوقي في مسرحه والكلام كثير عن أحمد مخيمر من خلال شهادات وأقلام فاروق شوشة والعوضي الوكيل وبيومي مدكور وثروت أباظة إلا أن المؤسف هو أن كثيرا من تلاميذه الذين استفادوا من موهبته الطاغية وعلمه وفنه جحدوه في حياته الخاصة فلم يتذكره في كبره إلا قليل منهم.
يوم 13 مايو عام 1978 توفى الشاعر أحمد مخيمر فرحمة الله على روحه.
وطني وصباي
كتب الشاعر أحمد مخيمر قصيدة وطني وصباى ولحنها الموسيقار محمود الشريف وغنتها الفنانة نجاة الصغيرة بالاشتراك مع عبد الرؤف إسماعيل عام 1957 وتقول كلماتها:
وَطَني وَصِبَايَ وَأَحْلامي ...
وطَـني وهَوَايَ وأيَّـامي
ورِضـا أُمِّي وحَنـانُ أبي...
وخُطَى وَلَدِي عندَ اللَّعِبِ
يخطُو برجاءٍ بَسَّامِ
هَتَفَ التـاريخُ به فصَحَـا
ومَضَى وَثـْبـًا ومَشَى مَرَحا
حمَلَتْ يَدُهُ شُعَلَ النَّصْرِ
وبَـدَا غَـدُهُ أمَـلَ الدَّهْـرِ
يستقبِلُ موكِبَهُ فَرَحا
ويُحَيِّي مَجدَ الأَهـرامِ
في ظِلِّ النَّخْلِ على الوادي
أَصْغَيْتُ لِقِصَّةِ أجـدادي
لِمعـانيهـا خَفَقَ القـلبُ
وبِماضيها طافَ الحُبُّ
وشَدَا لِلمَجْدِ مع الشَّادي
وصَحـا لِيُبـارِكَ أيـَّامي
بِدَمِ الأَحْرارِ سأُرْوِيهِ
وبِماضي العَزْمِ سأَبْنِيهِ
وأُشَيِّدُهُ وَطَنًا نَضْرَا
وأُقَـدِّمُهُ لاِبْني حُرَّا
فَيَصُونُ حِماهُ ويَفْدِيهِ
بِإِبـاءٍ فيـهِ وإِقْـدامِ
أتمنى من وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في جمهورية مصر العربية تدريس هذه القصيدة الوطنية في المناهج الدراسية التي يدرسها الطلاب وخاصة في ظل حالات التغريب التي نواجهها .
لا تودعني حبيبي
كتب الشاعر أحمد مخيمر قصيدة لا تودعني حبيبي ولحنها الموسيقار رياض السنباطي وسجلتها الفنانة وردة الجزائرية للإذاعة المصرية كما غنتها في حفل نادي الإذاعة عام 1961 م وهذا اللحن هو الثاني للموسيقار رياض السنباطي في تعاونه مع الفنانة وردة الجزائرية وتقول كلمات القصيدة :
لا تودعني حبيبي سوف أحيا كالغريبِ
كيف صبري إن تغب عني على جمر اللهيبِ؟
لا تودعني حبيبي سوف أحيا كالغريبِ
في غدٍ تسألني عنك روابينا الجميلة
عندما ترسلني أمضي وحيدة للخميلة
أين من كانت لياليه مضيئاتٍ ظليلة؟
كان يمشي من قريبٍ بين هاتيك الدروبِ
لا تودعني حبيبي سوف أحيا كالغريبِ
ههنا كنا على الشاطئ والليل صفاء
ههنا كان تناجينا وقد طاب اللقاء
ههنا حبٌ وذكرى وحنين وبكاء
وأمانٍ في القلوب سحرها طي المغيبِ
لا تودعني حبيبي سوف أحيا كالغريبِ
كيف من بعدك أحيا؟ إنني لا أستطيع
إن أشواقي تناديك ودمعي لا يطيع
أشتري منك بعمري لحظاتٍ لو تبيع
يا هوى قلبي السليبِ من على البعدِ مجيبِ؟
لا تودعني حبيبي سوف أحيا كالغريبِ
يامالكا قلبي
لقد تقابلت مع محسن ابن الشاعر أحمد مخيمر وكان يعمل وقت مقابلتي له سائق تاكسى ويسكن فى شقة بسيطة بحى عين شمس بالقاهرة وقال : توفى والدى الشاعر أحمد مخيمر دون أن تقر عينه بحكم المحكمة ثم توفيت أمى حزنًا عليه بعد ٤٠ يومًا من وفاته وكنّا سبعة إخوة اضطر عدد منا إلى العمل وترك الدراسة واضطرت أخواتى البنات إلى الزواج بأول من يطرق بابهن ليخففن العبء عن الأسرة ولم يكن عندنا أى مصدر دخل سوى معاش أبى.
أطلعنى محسن ابن الشاعر أحمد مخيمر على الأوراق التى كتبها والده عن قصيدته يامالكا قلبي وقال في تلك الأوراق :اتصل بى الأستاذ طاهر أبو فاشا واستدعانى إلى بيته وحين وصلت أخبرنى أن الملحن محمد الموجى يبحث عنى وطلب منه إحضارى إليه فاتصلنا من منزل الأستاذ طاهر بالموجى تليفونيًا ليخبرنى الموجى أن سمو الأمير عبد الله الفيصل أعجبه مذهب موشّح يا مالكًا قلبى ونظم عليه كوبليه هو:
قل لى إلى أين المسير
فى ظلمة الدرب العسير
طالت لياليه بنا
والعمر لو تدرى قصير؟
وطلب منى كتابة كوبليه آخر ليكمل الموشح على التعديل الجديد فاستفسرت منه عن كيفية التعديل وتغيير بعض ألفاظ فى كوبليه الأمير وهى ضعيفة النسج فأحالنى إلى المطرب عبدالحليم حافظ فاتصلنا فى الحال بعبد الحليم حافظ فاستدعانى إلى منزله ورفض تغيير أى لفظ فى كوبليه الأمير حتى لا يغضب وطلب كوبليه واحدًا على نفس الوزن ليصبح الموشح كاملا.
قال أيضا الشاعر أحمد مخيمر: نظمت أربعة كوبليهات وذهبت بها إلى عبد الحليم حافظ فى منزله ليختار منها واحدًا فاختار كوبليهين من الأربعة هما:
آهٍ من الأيام آه
لم تعطِ من يهوى مُناه
مالى أحس أننى
روح غريب فى الحياة
........
رحماك من هذا العذاب
قلبى من الأشواق ذاب
ليلى ضنى.. صبحى أسى
عينى على الدنيا سراب
وقد اتضح ذلك عندما أذيعت حفلة شم النسيم فى ٣٠ إبريل ١٩٧٣ ولكن عبد الحليم حافظ أعلن فى الحفلة أن الأغنية من تأليف الأمير عبد الله الفيصل وحده رغم أنه يعلم جيدًا أن مذهب الموشح وهو:
يا مالكًا قلبى .. يا آسرًا حبى
النهر ظمآن .. لثغرك العذبِ
مل بى له ... مل بى .. يا مالكًا قلبى
مُلحَّن عام ١٩٦٣ وتغنيه نجاح سلام فى الإذاعة المصرية وقد لحّنه الموجى نفسه.. عبد الحليم حافظ أخذ الكلام واللحن نفسه من الموشّح الملحن ١٩٦٣ بلا تغيير وكنت قد سجلت هذا الموشح بجمعية المؤلفين ١٩٦٥ تحت عنوان أهلى على الدرب كما نشر الموشح فى ديوان الغابة المنسية الصادر ١٩٦٥ باختلاف يسير فى الألفاظ
يا آسرًا قلبى .. يا مالكًا حبى
الماء ظمآن .. لثغرك العذب
مل بى له ، مل بى .. يا مالكًا قلبى
وسبب الاختلاف أننى نقلته إلى الديوان من الذاكرة.
أيضا قال الشاعر أحمد مخيمر في أوراقه : بعد إذاعة حفل شم النسيم فى ٣٠ إبريل ١٩٧٣ حاولت الاتصال بعبد الحليم حافظ مرات كثيرة وفى كل مرة ينكر نفسه فتقدمت إلى جمعية المؤلفين بشكوى ضده لحفظ حقى فى الأداء العلنى والطبع الميكانيكى كما أرسلت للأمير عبد الله الفيصل رسالة وانتظرت الرد عليها ولكنه لم يرد وطلبت فى شكواى إثبات اسمى على الأغنية وإثبات حقى فى الأداء العلنى والطبع الميكانيكى والتعويض عن الضرر الأدبى الذى لحق بى من جرّاء إذاعة الأغنية ونسبتها إلى مؤلف آخر وقدمت المستندات اللازمة لذلك وهى نسخة من الديوان وصورة كتاب الأستاذ طاهر أبو فاشا إلى الشاعر صالح جودت وكيل جمعية المؤلفين والتسجيل الموجود بالإذاعة للموشح (أهلى على الدرب) رقم ٨٨٨ سنة ١٩٦٣ وشهادة من جمعية المؤلفين بتاريخ تسجيل الموشح.
وقال محسن ابن الشاعر مخيمر: بعد حفل شم النسيم ثار أبى واتصل بعبد الحليم فتنصل منه فرفع أبى القضية وهنا تحول عبد الحليم إلى زائر دائم لنا فى محاولة لإقناع أبى بالتنازل عن القضية حتى لايغضب الأمير عبد الله الفيصل وكان عبد الحليم واسطة الأمير لأبى وعرض عليه مبالغ طائلة لكى يتنازل عن القضية وكان أبى يقول لنا: لو أنى أفكر بالمال لأخذت ما يعرضون وهو يكفى لتعيشوا أمراء باقى حياتكم ولكنى أهدف إلى المكسب الأدبى أما المال فهو حقنا كتعويض عن الأضرار التى لحقت بنا وليس رِشوة لإسكاتنا وفى نفس الوقت كان يرد عبد الحليم على أسئلة الصحفيين حول مشكلة يا مالكًا قلبى بأنه ليس لهذه الأغنية مشكلة على الإطلاق فالمقدمة عبارة عن موشّح قديم موجود فى كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى وباقى الأغنية من تأليف عبد الله الفيصل وقد رد عليه والدي الشاعر أحمد مخيمر فى نقطتين الأولى هى عدم وجود هذا الموشح فى كتاب الأغاني فهذا الكتاب لا يتحدث عن الموشحات التى اخترعت فى الأندلس بعد عصر أبى الفرج الأصفهانى الرابع الهجري ووصلت إلى الشرق بعد ذلك بقرنين من الزمان.
والنقطة الثانية تشتمل مقدمة الموشح على معنى من اختراع أحمد مخيمر ليس له مثيل فى الشعر العربى منذ امرئ القيس حتى مخيمر وهو الموجود فى هذا البيت:
النهر ظمآن.. لثغرك العذب
أضاف محسن ابن الشاعر أحمد مخيمر: حكمت محكمة استئناف القاهرة دائرة التعويضات بنسبة القصيدة إلى الشاعر أحمد مخيمر سواء مكتوبة أو مُغنّاة بصوت نجاح سلام أو عبد الحليم حافظ ونشرت الصحف فى أغسطس ٢٠٠١ أن المحكمة قضت بإلزام شركة صوت الفن بسحب شرائط الأغنية المنسوبة للأمير من السوق واستبدالها بشرائط منسوبة للشاعر أحمد مخيمر وندب مكتب الخبراء لتقدير التعويض المستحق للورثة
عقب نشر الخبر فى الصحف اتصل محامى الأمير عبد الله الفيصل بمحامى ورثة أحمد مخيمر طالبًا أن يتم حل الأمر بشكل ودى سائلا عن التعويض المناسب لهم فأخبره أنهم يقدّرون التعويض بـ ٤ ملايين جنيه مصري ثم أغلق الهاتف لدراسة الموضوع ولم يعد للاتصال ثانية.
ويكمن سبب تعطيل القضية فى عدم استطاعة مكتب الخبراء حصر عدد الشرائط التى بيعت للأغنية خلال هذه السنين الطويلة وعدد الساعات التى أذيعت فيها وبالتالى تقدير التعويض المناسب وقد طلب من المحكمة بوضع تقدير جزافى لعدد الشرائط والساعات.