يوم الكلاب
عاشوا بيننا، تعودوا علينا واعتدناهم، آلفو حماقاتنا وخاصماتنا وأيامنا المليئة بكثير من الخوف والملل .
تحركت عقارب الزمن تجتاح السنوات وتمحي الذاكرة حتى نسيت مند كم من الوقت هجروا قحط الدواوير المجاورة واستوطنوا جانب المصنع، ولدوا وتوالدوا فأصبحوا قبيلة صغيرة تعيش من فتات ما يجود به العمال وقت الغداء، وينازعون القطط وحاويات القمامة لقمة العيش السوداء، سميناهم بأسماء رؤسائنا وزملائنا سخرية نخفي بها خيبتنا والقهر الذي يسكن نفوسنا.
اخترنا للكلبة الوحيدة في السرب لقب (حدودة) نكاية في ممرضة المركز التي تعودت أن تسمعنا كلمات القدح والتحقير في كل زيارة. أما هم فقد تعودوا الوجوه وعاشوا مع من استطاعوا التعايش معه، كانوا يتبعوننا عند خروجنا ويتجرءون في كثير من الأحيان في الدخول إلى غرفنا .
أما أيام التزاوج فقط تعود بعض الشبان الجلوس بمحاذاتهم في الحديقة لمراقبة دعاباتهم محاولين إخفاء خبايا نفوسهم.
العم "بشعيب" كان أكثر ارتباطا بأحدهم، كان يرافقه في جولاته القصيرة، ويحادثه وهو يشذب عشب الحديقة، ويقاسمه وجبته بأن يحميه وهو يأكل مانعا بقية الكلاب والقطط من مقاسمة الكلب المحبوب وجبته .
كانت الأيام تمر هكذا دون أنت نرى فيها تبدلا أو تغيرا، حتى جاء اليوم الذي لم يخطر على بال احد، حضر أناس من البلدية .. شاحنة ووجوه قاسية مخيفة وملابس تشبه الاطفائيين، تحدثوا مع مدير المشغل حديثا قصيرا، وتحركون نحو الحديقة يرمون للكلاب المسكينة بلقمة الفناء (كفتة) يبتلعها الجرو فيبدأ في التخبط حتى يسقط صريعا، وفي لحظات لم نعد نرى إلا الجثث تحمل بمذراة لسطح الشاحنة لينطلق الغرباء قبل الظهر حاملين معهم نصف المشغل.