السبت ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد أبو عبيد

نًحْنُ

العرب والمسلمون عموماً لا يجيدون، حاضراً، معارضة الرأي بالطريقة الحضارية اللائقة. ما أكثر من يريدون أن يصغوا إلى الرأي المنسجم مع ميولهم الفكرية، إن كانت فكرية حقا ً، ومع ما ورثوه من معتقدات وآراء، حيث يجوز لدينا أن نرث وجهات النظر كما يرث بعضنا المال والأملاك، والمناصب السياسية أيضا ً، لذلك تتبلد العقول وتصبح مجرد وارث يرث.
معارضة الرأي عند الكثيرين هي القذف والسب والتهديد، ليس ضد كاتب أو شاعر أو فنان فقط، بل يتجاوز الأمر هذا ليمس من يؤيد أحدَهم وكأنه استولى بغير حق على ما هو حق لهم أن يرثوه أو يمنعوه عن الآخر. هذا نابع من ديكتاتوريات يمارسونها، بعلم أو بغفلة، ولو أعطوها وصف حرية الفكر بكل صلف.

اللافت أن معارضة الرأي التي يمارسها الجميع ويتقنها القليل تأخذ دائما صيغة الجمع من عدة منطلقات، منها المنطلق الديني باعتبار أن الدين يوحد المنتمين إليه، وإذا أعتقد أحدنا بأمر متدثر بغطاء الدين، يصبح كأنه لزاماً على كل من يدينون بهذا الدين أن يؤمنوا بما آمن هو به. من هنا لن يعود مستغربا ً تكرار بعض المفردات المستخدمة حين تُمارَس معارضة الرأي على الطريقة الشرقية، لا الشرعية، من قبيل "نحن المسلمين" لدينا كذا وكذا.. "نحن كمسلمين" لا نقبل أن يكون كذا وكذا... وكأن ذلك كفيل وكاف لإسكات من له رأي، ومنعه من إبدائه. هذه ديكتاتورية ليست أقل ظلاما ً من الديكتاتوريات السياسية والعسكرية الحاكمة في بعض الأصقاع.

ليس منطقيا ولا معقولا ً أن يعارض المرء باسم الجميع، فلا الجميع وكّله أن ينطق باسمهم، ولا حتى فرد واحد طلب منه ذلك، حتى لو توحد الجميع على مبادئ دينية. هذا السلوك هو نواة لديكتاتورية ستنمو في داخل صاحبه، يظهر خطرها حين يتسلم مسؤولية سواء كانت رسمية عامة، أو خاصة كرئيس تحرير أو مشرف على موقع الكتروني، فلا يرى القارئ إلا ما يميل حيث تميل ريح الديكتاتور هذا.

الأمر لا يتوقف عند هذا المنطلق فقط، فإذا اتفقنا على أن الدين الإسلامي، مثلا، يوحد المسلمين على مبادئه وأصوله، فإن ما هو غير ديني لا يحمل أي حق في مثل هذا النهج المُوحِد.

وهكذا ينشأ التعدي على حقوق الآخرين الفكرية بحجة العروبة، أو التقاليد والعادات، وأيضا الأعراف الاجتماعية، وهي أساسا ً ليست منزلة من السماء ولا مطْلقة، وما هي إلا منظومة من التراكمات السلوكية أو اللفظية. فلا حق للمرء، حينئذ، في أن يمارس حرية معارضة الرأي باسم الجميع أيضا ً ولكن هذه المرة بذريعة أننا مجتمعون وموحَدون على العادات والتقاليد والأعراف، وهذا ما لا يقبله عقل ولا حتى عاطفة.

يعارضون فيقولون "عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح"..... "شرقيتنا ترفض"..... علما ً أن العادات والتقاليد تختلف من مكان إلى آخر داخل البلد الواحد. لكن طواغيت الرأي الآخر مصرون على التعامي عن هذه الحقيقة، لا لشيء سوى أنهم يفتقرون إلى الحجج القوية المتماسكة، والذرائع المنطقية، فلم يجدوا غير "نحن" يتسلحون بها، ظنا منهم أن "نحن" ستقهر "أنا" من منطلق الكثرة، لكنها في الواقع هي هزيمة من منطلق أنها جمع في وجه المفرد، ولو أعجبتهم كثرتهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى