

نبوءات الثورة في الشعر المصري صلاح جاهين
صلاح جاهين من الشعراء المصريين الذين كتبوا الشعر بالعامية المصرية الجميلة، وكتب عشرات الأغاني ومنها الوطنية في العهد الناصري وشدا بمعظمها مطرب الثورة، عبد الحليم حافظ. لكن صلاح جاهين دخل في حالة من الاحباط والنكوص بعد هزيمة حزيران، حيث خاب أمله من الشعارات التي رفعها والتي "خدع" فيها الناس كما كان يردد، واعتكف في منزله وانعزل عن الحياة العامة حتى وفاته.
لكن لو أن صلاح جاهين يعيش اليوم في مصر، أو يعود الى الحياة ليشاهد ثورة شباب مصر، فاني على يقين أنه سيعود لفترته الأولى فترة الأمجاد والشعور القومي والايمان بالاشتراكية، وستعود له عافيته ويسترد معنوياته وينطلق بكتابة الشعر الثوري من جديد. فأشعار صلاح جاهين تلك، تعكس تحركات الشباب المصري وثورته على نظام الفساد والرشوة والاستعباد اليوم، واذا ما عدنا الى ما كتبه جاهين أسوة بزملائه في الحقبة الناصرية، نرى أن أشعاره حينها يمكن أن تقال اليوم وكأنها تعايش الحدث، وها هو في رباعياته يتوقع عودة ربيع الشباب:
" طال انتظاري للربيع يرجعوالجو يدفا والزهور تطلععاد الربيع عارم عرمرم شبابايه اللي خلاني ابتديت افزع؟عجبي" (أنغام سبتمبرية ص102)
وبناء عليه ونظرا لايمان الشاعر القوي بارادة الشعب، فانه يطلب من الشعب أن يقوم ويحكم بلاده، وكأني بالشعب المصري يعمل بوصية جاهين التي يقول فيها:
" احكم يا شعباحكم يا شعبوخد بنفسك مكانكالأمر صعبوالنهي صعبإمسك بيدّك ميزانكاحكم وقوليا بلادي كوني سعيدةعيشي في أيام مجيدةواحكم يا شعب" (الأغاني ص49)
فهذا اليوم العظيم الذي يسطره الشعب المصري لن يكون مثله، وبعده سيكون المجد والعز والحرية، وهو اليوم الذي سقط فيه النظام المصري الفاسد برئاسة مبارك فيقول جاهين في هذا وكأنه يقف في ميدان التحرير:
"اليوم ده بعده مفيشغير مجد وعز وحريةلو متنا ولادنا تعيشونعيش في الأجيال الجاية" (الأغاني ص52)
وهذا الأمر لن يتحقق بدون وحدة أبناء الشعب من فلاحين وعمال وطلبة، كما عبر عن ذلك أحمد فؤاد نجم (انظر المقال السابق)، فيهتف صلاح جاهين بدوره:
" يا فلاحين يا جنود يا طلبة يا عمالعدوكم حلف لاستعمار ورأس المالعاش الطريق لشتراكي قوم يا شعب وثور" (أنغام سبتمبرية ص76)
رغم أن رفع شعار الاشتراكية لم يكن مطروحا علنيا في ثورة اليوم، لكنه يعبر عن جوهر الحقبة الناصرية، كما يعبر عن مطالب الشعب في ثورته الحديثة حين يرفع شعارات محاربة الفساد والرشوى ومحاكمة مصاصي جهد الشعب، كذلك رفع رواتب العمال والموظفين وتوفير فرص العمل للشباب.
ويثق جاهين كل الثقة؟ أن ابناء هذا الجيل سيعيشون ليروا نتائج الثورة المجيدة:
" ح نعيش ونشوف مصر سعيدة نعيش ونشوف دنيا جديدة
وكفاحنا يكون بكرة قصيدةتوصف أيام ثورة مجيدة" (الأغاني ص52)
ولو ان صلاح جاهين موجود اليوم ويعيش أحداث الثورة الشعبية، لم يكن ليقول إلا:
"انا قلبي مليان حماسةلكل شيء حر صادقما ليش كتير في السياسةلكن باحب المباديء" (الأغاني ص72)
وأمام ما لجأ اليه نظام مبارك من أساليب بلطجية لكسر إرادة الشعب، يسخر جاهين منه ومن تفكيره بأنه سيسد فجر النصر:
" الفجر طالع مين يحوشه من الطلوعويا شعب يا ممنوع يا ويل من يمنعكالله معك.. الله معك.. الله معك" (م.س ص75)
فهذا الشعب لا توجد قوة توقفه او تمنعه من تحقيق اهدافه بعد، ولهذا سيحققها بعدما عرف طريقه، وهذا ما حصل فعلا:
" الشعب قام يسأل على حقوقهوالثورة زي النبض في عروقهاللي النهاردة يحققه ويرضاههوّ اللي بكرة، بهمته، يفوقه" (م.س ص104)
لكن الصورة لا تكتمل دون وجود القائد المحبوب، الذي يصبو لتحقيق آمال شعبه، لهذا فشاعرنا يحن لعودة الفارس الأصيل، ابن البلد "الريس" عبد الناصر، وتجلى ذلك في رفع صوره خلال أيام الثورة الشبابية المجيدة، وهنا يخاطبه الشاعر قائلا:
" وحشتنا نظرة عيونك للبلد يا جمالوالحزم والعزم فيها وحبها المكنون" (أنغام سبتمبرية ص8)وهكذا تكتمل الصورة التي طالما تغنينا بها وانتظرناها وحققناها في يوم من الأيام، وما زلنا نشتاق لتحقيقها ثانية:"صورة صورة صورةكلنا كدة عايزين صورةصورة للشعب الفرحانتحت الراية المنصورةيا زمان صورناصورنا يا زمان" (الأغاني ص34)
وفعلا حقق الزمان والقدر ما يصبو اليه شعب مصر العظيم، وكل ذلك بهمة الشباب واصرارهم وصمودهم، ووقوف الشعب بمعظمه من خلفهم، وتأييد الشعوب والجاليات العربية والصديقة في الوطن العربي وأرجاء العالم، وتحقق المطلب الأساس باسقاط النظام لأن هذه هي ارادة الشعب التي لا يغلبها غلاب.