مهند مبيضين: قبول الآخر هو الشرط الأساسي في الحوار بين الشرق والغرب
وسط التصريحات العنصرية ضد العرب والمسلمين في أوروبا، والتي تواجهها ردود فعل غاضبة وغير مدروسة في عالمنا العربي، يتحدث د. مهند مبيضين، مدرس التاريخ الحديث، حول مشاركته في مؤتمر "الآخر الشرقي والآخر الغربي" الذي عقد مؤخراً في ايطاليا.
وأوضح مبيضين أن جامعة بالرمو الإيطالية ترعى وتنظم هذه الندوة منذ سنوات وكل سنة تقيمها تحت عنوان متخصص، ويعود الفضل في تنظيمها الدقيق للبروفيسور أنتونينو بليتر، وهو من اهم دارسي الأثر والوجود الإسلامي في صقلية، وله الآن مجموعة من الطلاّب الذين يوجههم لدراسة الشرق مما جعلهم يمثلون تحت إشرافه مجموعة من المستعربين الجدد.
وأشار مبيضين إلى أن محاور الندوة انسجمت مع عنوانها الرئيس وهو "تصور الآخر في دول حوض المتوسط من خلال المصادر التاريخية الشفهية والمكتوبة"، ولا يعني هذا أن الآخر الصهيوني حاضر بقدر ما كان مرفوضاً ومستهجناً، ولا يمكن القبول به لان المنظمين لهذه الندوة يرفضون أي مشاركة إسرائيلية حتى لو كان هدفها بحثي علمي.
حاورنا مبيضين للإطلاع على مشاركته ممثلاً لجامعة فيلادلفيا في الندوة بورقة حملت عنوان "لقاء الآخر".
– هل تعتقد بجدّية الحوار بين الآخر الشرقي والآخر الغربي؟
– هناك حوار وثمة مساحات مضيئة في العلاقة بين الشرق والغرب، لكن كل ما أقيم من ندوات وألّف من كتب ودراسات تَحطم على صخرة السسياسة، إلا أن هذا لا يعني فقدان السعي من أجل الحوار وإذا كان سعد الله ونوس قال أننا محكومون بالأمل، فأرى أننا محكومون بالحوار ولذا علينا أن نطالب باستعادة الحوار العربي/ الأوروبي أو المسيحي/ الإسلامي.
وعندما نسعى لهذه الإستعادة يجب أن يكون لها شروطها، وشرطها الأساسي هو قبول الآخر وليس التسامح؛ لأن التسامح لغة أفضت إلى جعل الغرب يملّ هذه الديباجة بسبب التقدم إليه بأننا كنا متسامحين معه، وهذا تعميم غير صحيح، فعندما كان لدينا قوة بسطت ذراعيها على العالم القديم بإسم الإسلام كانت أرض الغرب بالنسبة لنا "دار جهاد" ونفس الشيء عندما كانت القوة عنوان الغرب كانت أرضنا بالنسبة إليه تسمى "الأرض المقدسة" التي يجب تحريرها وإعادة إقامة مملكة بيت المقدس فيها.
– ما هي المحاور الرئيسية التي تم التطرق إليها في الندوة التي شاركت فيها؟
– تناولت الاوراق المقدمة مواضيع مختلفة منها إعادة تحقيب التاريخ الليبي من خلال الدراسات الغربية، ومناقشة مذكرات فلسطينية كتبت في القرن العشرين، وهناك محور عن الآخر الشرقي والآخر الغربي من خلال ادب التراجم والسير، وعن الوثائق السورية والآخر المتمثل فيها، كما عرضت ورقة بعنوان "غير المسلمين في مدينة القدس من خلال سجلات المحاكم الشرعية، وتناول مجموعة من الباحثين الإيطاليين مواضيع مختلفة مثل الرحلات المغربية إلى الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، وكذلك فكرة إنكار وإثبات الفكرة القومية
في وثائق المكتب العربي بدمشق.
– ماذا ناقشت في ورقتك "لقاء الآخر"؟
– تناولت إطار نظري للرؤية الإسلامية نحو الآخر من منظور معاصر، وعرضت للبحث الغربي حول التاريخ الإسلامي بالتركيز على آراء المفكر الفرنسي الشهير فرناند بردويل صاحب كتاب "المتوسط وعالم المتوسط"، ثم توقفت عند نموذج للدراسة استعرضت من خلاله ترجمة وسيرة العالم المغربي محمد الطيب التافلاتي من خلال كتاب" سلك الدرر في أعيان القرن الثامن عشر"، فهذا العالِم كان قد قصد بلاد الشام وفي الطريق وقع اسيراً لدى الفرنج الذي قادوه إلى مالطا، والتي بدت بالنسبة إليه في ذلك الوقت مركز الكفر، لكنها ما لبثت ان تغيرت في مخيلته وتصوره عندما أقام بين علماء النصارى وناظروه وناظرهم في حقيقة الإيمان والسيد المسيح، ومثل هذه المناظرات التي تكشف عنها السير هي خير تمثيل لتصور الآخر وتخيله والتعبير عنه والحكم عليه.
– ما هي ردود الفعل حول ما قدّمته؟
– افترضت بداية ان الحوار دائماً - وللأسف- محكوم بالنهايات المأساوية، والسبب هو أن المثقفين والعلماء منذ زيارة الإدريسي وإقامته في صقلية ومروراً برفاعة الطهطاوي في باريس وليس انتهاءً بإدوارد سعيد بجامعة كولومبيا قد عانوا ازمة التعريف بذاتهم، فالغرب قبِل بانجازهم المعرفي لكنه لم يقبل بهم كمسلمين، في حين نذهب نحن طويلاً للتدليل على أننا نقبل بالغرب كأهل كتاب، هنا ثارت أسئلة الحضور حول هذا الإفتراض وليس معنى ذلك أنني أجهد في إقناعهم بسلامة هذا الإفتراض فسجل العلقة بيننا وبين الغرب متوتر وصاخب، وليس أدلّ عليه من تصريحات البابا الأخيرة وردود الفعل عليها، والمحاولات الضعيفة لتبرير أطروحاته، ونحن بالمقابل نتصرف كردّ فعل وليس كفاعلين وشركاء في الثقافة الإسلامية.
– ماذا احتوت توصيات المؤتمر في هذا الإتجاه؟
– يدعم المؤتمر نشر البحوث المشاركة فيه باللغة الإيطالية، ويتبنى شعار قبول الآخر كضرورة ملّحة في بداية حوار متكافئ، كما خرجنا بتوصية ترفض التقابل بين الإسلام كدين والغرب كمستحة جغرافية، كما نرفض صيغة دار الحرب ودار الإسلام، والتأكيد على الشراكة بين الشعوب من أجل رسم مستقبل أفضل للعلاقات الثقافية دون أن يدخل في هذه العلاقات أي شيء يشير إلى قبول الصهيونية أو ما يدور حولها من أفكار تحاول أن تقدمها بأنها شريكة مهنا ما لم تنتهي معاناة الشعب الفلسطيني.
– هل تعتقد أن المؤتمرات العلمية تغير شيئاً من واقع تحكمه إثارة وسائل الإعلام ومقولة الصدام الحضاري؟
– عندما تنعقد المؤتمرات يجب أن تكون بعيدة عن الإعلام المثير أو عن الظروف السياسية المتوترة لأن ذلك من شانه أن يفقدها محتواها وغاياتها التي تنعقد من أجلها، لكن هناك ضرورة للإعلام العلمي الذي يقدذم صورة واضحة عن المجريات والحوار الدائر بين أطراف القضية الواحدة، فالإعلام شريك في رسم الصورة أيضاً وهذه الصورة لا تكتمل إلا بالشروط الموضوعية للعمل الإعلامي المسؤول والمهني.