
مناديل لأجنحة الفراشة

في سعيها لِسَبْرِ أغوار الفن التشكيلي العُماني، وتطلّعًا إلى وضع هذا الفنّ في المكانة التي تليق به ضمن خارطة الفن العربي، ونقله عبر مناطق تلقٍّ جديدة، من خلال إعادة قراءته بعيون عربية من جهة، ومن خلال مقارنة التجربة الفنية العُمانية بمثيلتَيها العربية والعالمية، أصدرت "مؤسسة بيت الزبير" كتاب "مناديل لأجنحة الفراشة/ دراسات نقدية في الفن التشكيلي العُماني".
ويستنطق الكتابُ اللوحةَ واللّونَ، وقد جاء حصادًا لندوة حملت عنوان "النبش في مخيلة اللون"، في العاصمة العُمانية مسقط، بمشاركة عدد من نقّاد الفن في العالم العربي، قدموا قراءات نقدية لما اختزلته مخيّلة الفنان العُماني وما حاول التعبيرَ عنه بفرشاته وأدواته، وقد صدر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون"، بالأردن، وقد زيّن غلافة لوحة «المدينة» للفنان موسى عمر (سلطنة عُمان)، فيما صممه الفنان بسام حمدان، وراجعت دراساته وحررتها الأستاذة الدكتورة فخرية اليحيائية.
أولى دراسات الكتاب كانت بقلم طلال معلا، وهو فنان وباحث في الجماليات المعاصرة، بعنوان "المحترف العُماني.. الذاكرة، والانعتاق منها"، رائيًا خلالها أن الفن المعاصر بشكله المتجدد إذا كان يسعى "للانعتاق من الذاكرة فإن استخدامه لهذه الذاكرة هو جزء من السعي للتحرر منها، واستبدالها بمجموعة من الرموز التي تعين على توليد الأفكار، في عالم تزداد الحاجة فيه إلى الفنون باعتبارها ملازمة في تحققها لوجود الإنسان، ولكونها جزء من الممارسات الفنية الحية لعلاقات مضطربة الأنماط، والتي تكشفها عادة صلة الأنماط التقليدية للفنون بالأرشفة".
وتحتَ عنوان "التعبيرات الجديدة في الفن التشكيلي العُماني (مقاربة أولية)، جاءت الدراسة التالية التي تضمنها الكتاب، بقلم إبراهيم الحـيـسن، وهو ناقد تشكيلي من المغرب، يخلص من خلالها إلى أنه لم "يكن سهلاً بروز مجموعة من الأعمال التشكيلية العُمانية الرَّاهنة في ضوء كارتوغرافيا الفنون الجديدة والوافدة بما أفرزته من تجارب وتيارات فنية طارئة قلبت موازين الفن وأعادت الأسئلة من جديد حول جدوى الفن اليوم باعتباره «إنتاجاً للجمال يتمُّ بواسطة أعمال ينجزها كائن واع»، لم يكن الأمر سهلاً بسبب أن التجربة التشكيلية في سلطنة عُمان حديثة العهد ما يجعلها مفتوحة على المزيد من الجهد ومراكمة البحث والتجريب وتطوير سبل وصيغ الممارسة الفنية إن على مستوى الإنتاج التشكيلي بمضامينه وأبعاده المعاصرة، أو على مستوى تفعيل الدرس الجمالي في مختلف أسلاك التعليم والتكوين والارتقاء بالمؤسسات والبنيات التحتية الثقافية المتصلة بالفعل الإبداعي التشكيلي، كصالات العرض أو المراسم (المفتوحة والمشتركة) والمتاحف وغير ذلك كثير. هذا إلى جانب تثمين الجهود المبذولة فيما يتعلق بالتوثيق والأرشفة والدراسات النقدية والأبحاث الجمالية المتخصِّصة، وذلك بخلق المزيد من المنشورات والدوريات والمجلات التي تعنى بقضايا التشكيل والفنون البصرية ودعم المبادرات التي تسعى إلى ملء الفراغ الحاصل في هذا السياق، وخلق سوق فنية محلية تنطلق بالأساس من تحفيز الفنانين واستفادتهم من عمليات اقتناء وترويج أعمالهم الفنية داخليّاً وخارجيّاً".
ويشارك د. فاتح بن عامر، وهو أستاذ محاضر في الفنون وناقد من تونس، بدراسة بعنوان "الوجداني الإنساني والكياني في التشكيل العُماني الحديث والمعاصر: عبق البلاد عبق الحياة"، يخلص عبرها لتقديم خطوط عريضة حول التّجربة التّشكيليّة العُمانيّة، على النحو الآتي:
أوّلا، كثافة عدد النّساء في ممارسة هذا الفنّ بنفس تجريبي جريء يتقارب وما يحدث في الأردن الآن. وهذا ما جعل الفنون التّشكيليّة عنوانا لحداثة المجتمع العُماني في نسقها الثّابت والمتوازن مقارنة ببعض الدّول المجاورة.
ثانيا: عمق الحضور الكثيف للمرجعيّة التّراثيّة في المدوّنة العُمانيّة سواء كان الشّكل أو الأسلوب الفنّي حديثا أو معاصرا.
ثالثا: تبلور مسألة الانتماء للمحلّي والانتصار له، في وعي بالهويّة العُمانيّة في الوجداني والكياني.
رابعا: الإصرار عل الانخراط في المعاصرة في ظلّ التّحرّر من مرجعيّة كلاسيكيّة كانت ولا تزال عطبا في فنون البلاد العربيّة التي لها تاريخ في الفنون التشكيليّة.
خامسا: وجود بوادر مشروع فنّي تشكيلي متقاسم بين الأجيال المتقاربة في السنّ في البلاد مع نموّ الكتابات النّقديّة والتأريخيّة والصّحفيّة، حيث تتّضح المواطنة والتشارك. إنّها تجربة تعبق برائحة البلاد، عُمانيّة بامتياز، تعلن عن ذاتها وهويّتها وتدلّ على المكان، حتّى وإن كان أهلها يبتغون مشاركة الآخر فيها.
من جانبه يقدم د. أيمن السمري، أستاذ التصوير المعاصر، جامعة السلطان قابوس، دراسة نقدية بعنوان "الفن التشكيلي العُماني بين الواقع والمأمول"، يؤكد خلالها أهمية "وضع سلطنة عُمان تشكيليا في مكانها الطبيعي بين الأمم، لما تحتله من موقع جغرافي مميز بين دول التعاون الخليجي، وتجاورها وتقاربها لثقافات الشرق الأقصى والأدنى كتركيا والهند وإيران والصين، إضافة لالتصاقها الوثيق بالأمة العربية بما تحمله من قيم أخلاقية ودينية، وموقف دبلوماسي سمح، واستراتيجية حكيمة في إدارة المواقف السياسية أهلها لتصبح ملاذ الدول الأخرى لفض النزاعات، ومثالا يحتذى به في انتهاج مبدأ السلام الدائم والتصالح بين الأمم. وباتت حياة الأمة العُمانية المستقرة أرض خصبة ومشجعة وداعمة لنجاح فكرة المشروع الثقافي بكل جوانبه".
يذكر أن "مؤسسة بيت الزبير" هي مؤسسة ثقافية، في العاصمة العُمانيّة مسقط، بدأت بمتحفٍ خاصٍ، فُتحت بوابته الخشبية المزخرفة لترحب بزواره في عام 1998م. وهو ممولٌ من قبل مؤسسيه (عائلة الزبير). في عام 2005م أنشأت العائلة هذه المؤسسة لتكون الذراع الثقافي والاجتماعي للمؤسسة التجارية التي تملكها الأسرة.