

مسرحية «وشم»
مرآة داخلية على جدار الوجع والصمت
تلك المرآة ليست مجرد مسرحية، بل تجربة شعورية مكتنزة. عبر الأداء، الإخراج، والتفاصيل البصرية، تنجح المسرحية في زرع سؤال عميق في عقل وقلب المشاهد.
ما الذي نُخفيه تحت جلودنا؟ قد تكون ندوبًا أبدية... وما الذي لا يُمحى؟
مسرحية "وشم":
إخراج: فؤاد عوض
مساعد مخرج: نورهان طه
إنتاج: مسرح الخيال – محمد منادرة
مساعد انتاج: نجد منادرة
تمثيل: نرين فران، أحمد أيوب،
الموسيقى الحية: حلا أبو نصار
ديكور: مروان صباح
إضاءة: مطانس مزاوي
منسقة الأزياء: صابرين طافش
تم عرض المسرحية في قصر الثقافة -الناصرة
النص مستوحى من مسرحية " الآنسة جوليا" للكاتب السويدي أوغست سترندبيرغ
الفن كمساحة آمنة... ولأرواحنا، ملاذ من ضجيج العالم
في قاعة قصر الثقافة في مدينة الناصرة، اجتمع جمهور متعطّش لتجربة مسرحية مختلفة، هادئة الصخب وعميقة الأثر. جاءت مسرحية "وشم" لتمنح جمهورها ما يشبه المساحة الآمنة، تخرجهم مؤقتًا من ضجيج العالم، وتدخلهم في عتمة داخلية متوهّجة بالحقيقة، بالحيرة، وبأسئلة لا إجابات لها.
المسرحية، كما يوحي عنوانها، ليست مجرد عرض، بل وشم عاطفي وفكري يُطبع في ذاكرة المشاهد، ويمتد تأثيره إلى ما بعد إسدال الستار.
الصمت كلغة والرمزية كخطاب
المخرج فؤاد عوض، المعروف بلمسته التجريبية الإنسانية، يأخذنا هذه المرة إلى مسرح مُتقشّف ظاهريًا، لكنه غني بالتفاصيل الرمزية. لا شيء يُترك للصدفة، الإضاءة، حركة الممثلين، الصمت الطويل، والانفجارات الشعورية المدروسة كلها تصنع كولاجًا بصريًا ودراميًا يفتح الباب لتأملات داخلية كثيرة.
المخرج لا يفرض رأيًا على المتلقي، بل يفتح باب الاحتمالات في "وشم" الصمت أحيانا أبلغ من الكلمات، والسؤال أكثر حضورًا من الجواب.
رغم أن العرض لا يصرّح ببنية تقليدية للحبكة، إلا أنه يعرض لنا ثلاثة مصائر تتقاطع، ثلاث شخصيات محمّلة بجراح غير مرئية، وجدران داخلية تغلق دون أن تُغلق فعليًا
ثلاث مصائر شخصيات... ووشم لا يُمحى
نص المسرحية رغم غياب الحبكة التقليدية، يعرض العمل ثلاث شخصيات تتقاطع مصائرها، محمّلة بجراح غير مرئية، تبحث عن أبواب داخلية مغلقة لا تفتحها إلا المواجهة.
الوشم هنا لا يقتصر على الجسد، بل على الروح آثار الذكريات، القهر، الحب المقموع، والحنين المعطّل.
الأداء التمثيلي: كان عبارة عن حضور صادق ومتّزن
نرين فران- تؤدي دورها بكثافة وجدانية، تتحرك على الخشبة وكأنها تمشي بين خطوط الجمر، بانفعالات متسارعة بين ضحكة هستيرية وانفعالات متفاوتة وبسرعة تُبقي المشاهد مشدودًا لكل ارتجافه منها قد تدخلك في دوامة "الجنون المتعقّل".
أحمد أيوب- بأداء داخلي دقيق، يبرع في إيصال شخصية متأرجحة بين الانفجار والانكسار، وكأن صراعه مع الزمن نفسه يعبر بطريقة حادة عن وعي أو ألم أو قهر دفين.
حلا أبو نصار - تضيف خفّة وعمقًا في آن واحد، توازن بين السخرية المُرّة والوجع الكامن، وتترك أثرًا خاصًا في المشاهد، بالهدوء والانسيابية والتنقل على المسرحة بخفة.
حلا عزفت باستخدام..
الموسيقى الحية التي أضفت عمقًا وجدانيًا على الأداء. هذا الأداء الموسيقي المباشر أمام الجمهور، بعيدًا عن التسجيلات المسبقة، خلق جوّا من التفاعل الحيّ بين الموسيقيين والممثلين، مما ساهم في تعزيز الأجواء الدرامية للمسرحية.
أزياء تُكمّل الدراما: حين تتحوّل الملابس إلى لغة
اختيارات منسقة الأزياء صابرين طافش للملابس لم تكن سطحية، بل جاءت لتكون جزءًا من القصة، الألوان، القماش ، ما بين البساطة والبرجوازية المدروسة كل ذلك يعكس شخصيات تبحث عن ترميم داخلي في عالم مكسور.
الديكور:
كان الديكور جزءًا أساسيًا في بناء الأجواء الرمزية والدرامية رغم بساطته الظاهرة، إذ اتسمت التصاميم بتقشّفها وبساطتها، كانت انعكاسًا متعمَّدًا لحالة الشخصيات، حيث لا حاجة للزينة حين يكون الألم هو الديكور الحقيقي.
الديكور في "وشم" لم يكن مجرد خلفية، بل كان عنصرًا تفاعليًا يدعم الإخراج والتمثيل، ويعكس ثيمات المسرحية المركزية حول الجروح الداخلية والوشم النفسي ناهيك عن وجود بعض أسماء القرى المهجرة التي كانت مكتوبة بشكل واضح، وهي بحد ذاتها وشم أبدي.
الإضاءة كانت جزءًا من الديكور الحيّ، حيث تدرجت بين الظلال والضياء الخافت لتبرز تقلبات المشاعر الداخلية، وتوجيه الانتباه إلى حركات وتعبيرات الممثلين.
"وشم" عمل جريء، حميم، وأنيق في حزنه، يهمس أكثر مما يصرخ، ويترك أثره في الأعماق كوشم لا يُمحى.