الأحد ٢١ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم فؤاد وجاني

لماذا صلوا على الطنطاوي؟

إذا كنا غير قادرين على تغيير نمط واقعنا السياسي والديني والاجتماعي في الدنيا بسبب الظلم الذي نراه نهارا جهارا، والقهر الذي يمزق بلادنا أشلاء من مشرق شمسها الى مغربها، والذل الذي سيطر على بلاد المسلمين والعرب سيطرة، والتآمر الذي يحيط بأرضنا من أعدائها وبني جلدتها، فإن لنا حقا واحدا أكبر من الدنيا الفانية كلها وأعظم مما فيها بشمسها وقمرها بحرها وبرها ألا وهو الآخرة. هناك ملقى الله المقسط الذي لا تضيع ودائعه، إنه المصرف العادل الوحيد الذي تربو فيه الحسنات وتسجل فيه السيئات، الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بالسيئة عند الله أحسن المقرضين.

وإذا كنا أناسا يدعون الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح حقنا للدماء وحفاظا على النسل والحرث والزرع وليس خوفا من عدو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا أو جشعا في دنيا عرضها أرض لا تتجاوز مساحتها ذرة نقطة سوداء في ملكوت القوي العزيز، فإننا نحسب الآخرة من نصيب عباد الله المؤمنين الصالحين الصابرين المدافعين عن الحق.

لأجل ذلك لا نرضى أن تقام الصلاة على الشيوخ من أمثال الطنطاوي حتى يكون عبرة لأمثاله من وعاظ السلاطين الذين يمدون أيديهم فيتاجرون في كرامات المسلمين ويبيعون حقوقهم ويسفكون دماءهم بفتاويهم الشيطانية.

لن أجرد ما فعل الطنطاوي بهذه الأمة ها هنا، وكنت قد كتبت فيه مقالتين قبل موته بأشهر عديدة ذكرت فيهما مباركته للحرب على العراق ولحصاره في التسعينات ، وتحليله لما حرم الله من ربا ، وتحريمه لما أحل العادل من حرية حجاب وجلباب ونقاب، وتشجيعه على التطبيع مع اسرائيل، ومصافحته للصهاينة بل والتودد إليهم، وتأييده لجدار الذل العازل، ودعمه لحصار الغزاويين الصابرين، وزجه للإخوان المسلمين بالمحاكم العسكرية، وصمته عن مد الصهاينة بالنفط والغاز، وحذفه لآيات الجهاد من كتب التفسير، وسعيه لكسر شوكة الاسلام، والله سيتم دينه ولو كره الكافرون.

قد يقول قائل متحججا: «واذكروا أمواتكم بخير»، لكن العلة في «كم» ضمير المتصل للمخاطب، فليس من الإسلام من تلطخت يده بدماء المسلمين وساهم في تشردهم وجوعهم وفقرهم كما حدث في العراق وفلسطين والشيشان والبوسنة وأفغانستان، ونعوذ بالله أن نكون منه.
ومن أراد الاطلاع على فتاوي الطنطاوي وأعماله لتخريب عقيدة الموحدين فعليه أن يطالع ويتقصى ويبحث، فالمقالات التي لاتتحدث بلسان السلطة العميلة هنا وهناك، وخطب الشرفاء الغيورين على هذه الأمة الكريمة منتشرة والحمد لله.

لكن ما شد انتباهي هو أن بعض الناس صلوا عليه صلاة الجنازة، وبعضهم دعا له بالرحمة والمغفرة، وآخرون بكوا فراقه، وبعضهم استبشر بموته بالبقيع خيرا حيث رياض آل بيت رسول الله عليهم أفضل الصلاة أجمعين. نتمنى أن يكون فعل هؤلاء المصلين جهلا بما قام به هذا الرجل ضد العرب والمسلمين وليس تجاهلا منهم.

ونحمد الله أنه دفن بعيدا منسيا مهجرا عن بلاد مصر بجانب رأس المنافقين عبد الله بن سلول برهانا لقوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ).

وللتذكير فإن عبد الله بن سلول رأس المنافقين لم يدفن في البقيع تلك البقعة الطاهرة فحسب بل كان كفنه من رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر بن الخطاب قد نهى النبي عن الصلاة على المنافقين فأبى النبي ولم يأبه لقول الفاروق، فأنزل الله آيتين كريمتين مؤيدا موقف الفاروق ومذكرا نبيه بأن استغفاره وصلاته لن تغني المنافقين عن العقاب: ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ). ثم نهى الله نبيه عن الصلاة على المنافقين والدعاء لهم نهيا واضحا لا لبس فيه بقوله تعالى: ( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ).

أمثال الطنطاوي كثيرون منتشرون على حد البصر، يضلون الناس عن دينهم الذي ارتضاه الله لهم، يباركون الاحتلال وينبذون الاستقلال، يمجدون الظالم ويعاتبون المظلوم، هم سلاح العدو الفكري يضرب بهم العقول ويأسر بهم القلوب ويصغر بهم الهمم.

الله أكبر، لقد رحل الانسان الضعيف الذي طاب له لقب الإمام "الأكبر" في الدنيا الى الوارث الديان. الله أكبر، وما أجمل الموت، يسلطها الله على العباد ملكهم ومملوكهم غنيهم وفقيرهم قويهم وضعيفهم رئيسهم ومرؤوسهم إمامهم ومأمومهم، فأين المفر يامن تواطأ على إراقة دماء الأبرياء بغير حق؟ الله أكبر والحمد لله على نعمة الموت، للظالمين دنيا تغرهم وللمظلومين آخرة تنصفهم ، فما أقصر عمر الظلم وما أطول زمن القصاص.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى