الثلاثاء ٩ حزيران (يونيو) ٢٠٢٠
بقلم نوال بنت ناصر السويلم

كتابة اليوميات في الإعلام الجديد

اليوميات نمط من أنماط كتابة الذات، وشكل من أشكال السيرة الذاتية كالمذكرات، تعرف بأنها:" سجلٌ للتجربة اليومية،." ومع بساطة هذا الفن في مفهومه القائم على سرد لأحداث اليوم، فإن العثور على مفهوم دقيق له متعذر، لانفتاحه على الأجناس، وصعوبة تأطيره بمفهوم ثابت، إنه" جنس بلاقواعد ولاحدود، يكاد لايميزه إلا كونه كتابة يومية... وفورية مباشرة قد تكون سردا، وقد تكون خطابا تحليليا تغلب عليه التجزئة والتقطع يضارع الكتابة التلغرافية في قصرها وتشذرها." ولم تحظ اليوميات باهتمام بالغ في الأدب العربي ككتابة السيرة الذاتية، ومعظم ممارستها تأتي متداخلة مع أجناس أخرى، حيث" عمدت كثير من النصوص التخييلية الروائية العربية إلى توظيف اليوميات في صلب النص السردي".

اختلفت صورة هذا الفن في مفهومه وغاياته وحضوره في عصر الانفجار المعرفي، فندرة اليوميات في النشر الورقي، وقلة الحفاوة بها إبداعيا ونقديا، أعقبه حضورا مكثفا عبر الوسيط الإلكتروني فقد حظيت برواج كبير ولافت في الإعلام الجديد من خلال التطبيقات والبرامج ومواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى وسائل نشر استقطبت الكتاب لتدوين يومياتهم وتدوالها، وإن كانت المقالة ترعرعت في أحضان الصحافة، يمكننا القول إن اليوميات نمت وازدهرت في أحضان التقنية الحديثة، إن البنية اللغوية لليوميات بنية سردية قصيرة مكثفة تتضمن توثيقا للزمان والمكان ووصفا لشعور كاتبها وتعليقا أو تحليلا للحدث اليومي والتجربة التي مرّ بها، وإشارة خاطفة للأشخاص الذين شاركوه وعايشوا معه اللحظة، وهذه ركائز أساسية في كتابة اليوميات لم تنته في الإعلام الجديد، بيد أن اختلاف الوسيط أضفى عليها أساليب متنوعة، ومنحها أفكارا جديدة. أوجزها في هذه الملامح:

أولا- خرق الخصوصية :توصف اليوميات، بأنها " كتابة حميمة" أو"خاصة" فهذا الوصف يعني السرية، وأن اليوميات محفوظة لدى كاتبها لايطلع عليها سواه، وقد زالت هذه الخصوصية عندما نشر الكتاب يومياتهم، . بيد أن امّحاء هذه السمة بالنشر الورقي، بقي محدودا لقلة الإبداعات المنشورة، وأعقبه انفتاحا كبيرا في الإعلام الجديد، فصارت اليوميات كتابة عامة كأي جنس من أجناس الأدب، لا يحافظ فيها الكاتب على أخباره الخاصة، واخترقها بنشر لحظاته وتفاصيل يومه والتواصل مع الآخرين تواصلا فوريا.

ثانيا - الاستقلال: يوصف أسلوب كتابة اليوميات بأنه منتظم"يوما بيوم" وتمتاز اليوميات في الإعلام الجديد بسمة الاستقلال، بحيث يمكن تلقيها منجّمة، لاترتبط بما قبلها، ولا تكمل مابعدها. فالكاتب يسجل تجربته اليومية، ولايكملها كمشروع أدبي متنام، كما يفعل كتاب اليوميات المنشورة في إخراج عملهم، وتتحول في الإعلام الجديد إلى نصوص مستقلة رهينة اللحظة والشعور الذي ولّدها، وهذا لايقف حائلا في التلقي والدرس فكمال الرياحي المهتم بأدب اليوميات يرى أن اليوميات سلسلة من حلقات متراكمة، وأن الحلقة الواحدة من السلسلة بوجهها الانفتاحي على ما قبلها وما بعدها يجعلها مكتفية بذاتها، وهذه الرؤية تفيد في تلقي اليوميات ودراستها بوصفها سلسلة ذات حلقات كل حلقة بنية سردية مكتفية بذاتها وصالحة للدراسة مستقلة أو ضمن بنية السلسة التي تنضوي تحتها، وهو مايتلاءم مع اليوميات في الإعلام الجديد.

ثالثا- يأتي الحدث في سياق الخبر والتبليغ عن التجربة اليومية التي تجري، ولو تأملنا مربع الكتابة نجده سؤال ماذا يحدث؟ في تويتر وبم تفكر؟ في الفيس بوك وهو سؤال يستدرالكاتب للحديث عن مجريات حاضره التي تشغل تفكيره، وتساهم تقنية الوسوم في موقع تويتر برصد مجريات وتفاصيل الحدث، فبعضهم يفتتح وسما خاصا لنشاط زاوله، وينشط هذا الوسم وقد يسهم معه غيره في الكتابة حول هذا الحدث، مما يعطي للمتلقي فكرة وانطباعا عمّا حدث هذا اليوم. كما أن بعض الوسوم نحو #يحدث_الآن و #حالتك_الآن وغيرها مما تستقطب الأقلام لتدوين تفاصيل يومهم التي تجري.

رابعا - الزمان: إن أهم سمة جوهرية في اليوميات هي التوثيق الزمني باليوم والشهر والعام وهذه ميزة تقنية يتيحها النشر الإلكتروني مع عناية بالساعة والدقيقة، مما يعفي كاتبها مهمة الإشارة الزمنية لتجربته التي أنجزها، وفي تويتر تستقطب الوسوم الكتابة الفورية عن مجريات اليوم، اتكاء على الزمن، فأيام الأسبوع لها رصيد من التجارب اليومية كيوم الخميس الذي يفعّل أسبوعيا للتعبير عن استقبال الإجازة الأسبوعية، فيتضمن المحتوى وصفا للحالة، ولما يقوم به الكاتب، ويوم الجمعة ويتضمن محتوى روحانيا ووعظيا، وللكاتب خالد الباتلي فكرة استحداث وسم يوم الثلاثاء، ومع غلبة الرؤية التشاؤمية لدى المدونين في التعبير عن هذا اليوم فإنه استطاع كسر هذه الخرافة، وإحلال طاقة إيجابية في هذا الوسم، للتعبير عن العواطف، والتغني بالحب، وبث لواعج الشوق والحنين، وينشط هذا الوسم بقلمه، وأقلام غيره الذين احتفوابالفكرة وتفاعلوا معها.كما أن لحظات الصباح والمساء وقهوة السابعة من الأوقات الأثيرة في تدوين مجريات اليوم، وهناك حسابات متخصصة لها أو وسوم تهتم برصد هذه اللحظات. مع التنبيه على الخداع أو التضليل الذي قد نواجهه في قراءةتغريدات لايمثل محتواها رصدا للحالة الزمنية، ففوضى التدوين من الإشكالات التي قد تشوش وتغيب حضور اليوميات

خامسا - المكان: تتداخل اليوميات مع أدب الرحلات، إذ تتضمن تسجيلا لتجربة السفر، ولكونها فورية وقصيرة المحتوى فإنها أقرب لرصد حالة يومية أكثر من كونها مدونة في أدب الرحلات، فهناك محتوى كثير لوصف الأمكنة مصحوبا بالصورة، وتوثيقا لتاريخ زيارتها، واستعراضا لمكونات المكان وتفاصيله وحكايته، وخلاصة التجربة التي قضاها الكاتب فيه، ومصاحبة الصورة باتت ركيزة أساسية في النص الإلكتروني.

سادسا- تتفاوت التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي في الاستخدام والشيوع لهذا الفن فتطبيق السنابشات يبدو الأنسب في تقنيته لفن اليوميات، إذ هو تطبيق يركز على تدوين اللحظة وتوثيقها بالصوت والصورة واللغة، فالمستخدم ينشر محتوى يعبر فيه عن حالته الآن ومجريات يومه ومايقوم به من نشاط، ويتواصل مع الآخرين بنقل تجربته اليومية لهم، كما يتيح هذا التطبيق سمة الانتظام بحيث يرتب سلسلة من اللقطات جرت في اليوم، تتابع زمنيا، مع حضور المكان ومشاهدته عيانا دون عبء الوصف، ويأتي التعليق مصاحبا لهذه المؤثرات، وقد يكون صوتيا، أو من خلال ملفوظات لسانية، فتتداخل أنساق التلقي عبر المقروء والمسموع والمرئي مما يعني بذل القارئ نشاطا قرائيا كبيرا في التفاعل مع المحتوى، وقد يمتد هذا التفاعل إلى حوار كتابي يسهم في إثراء التجربة اليومية وتحسين طرائق الأداء. بيد أن توظيف هذا التطبيق ضعيف في تقديم محتوى عربي صالح لبناء مدونة للدراسة لغلبة العامية عليه. وهو تطبيق يمكن استثماره من قبل المبدعين والأدباء، لكنه لم يحظ باهتمامهم إذ راج للعامة ولتوثيق حياتهم الاجتماعية باللهجة المحكية.

النتيجة التي نستخلصها هي تأثير التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في تنمية الكتابة حول الذات، فراجت التدوينات حول اللحظات اليومية بصورة حية تختصر المسافات وتوثق العلاقة بين القارئ والكاتب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى