الأربعاء ١٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٤

قراءة نقدية في قصيدة سليمة مّليزي

محمد بسام العمري

لو يَأتِي السَّلامُ...؟

 [1]

الشعر الوطني والتحرري هو شكل من أشكال الأدب الذي يعبر عن مشاعر الانتماء للوطن والدعوة إلى الحرية والعدالة. هذا النوع من الشعر يعكس قضايا الأمة ويُجسّد نضالات الشعوب من أجل الاستقلال والتحرر من الاستعمار والظلم الاجتماعي. لقد كان الشعر الوطني على مر العصور أداة قوية للتعبير عن معاناة الشعوب وحلمها في الخلاص، بدءًا من الشعراء العرب مثل محمود درويش وسميح القاسم، وصولاً إلى شعراء عالميين مثل بابلو نيرودا وفيديريكو غارسيا لوركا، الذين جعلوا من كلماتهم سلاحًا ضد الظلم والقهر.

الشعر الوطني ليس مجرد وصف للمعاناة، بل هو أيضًا تجسيد للأمل في مستقبل أفضل وسعي حثيث نحو الحرية. إنه شعر يجمع بين العاطفة، الفكر، والرمزية، ليقدم صورة معقدة عن واقع الشعوب وآمالها. الشعراء في هذا السياق غالبًا ما يلجأون إلى الرموز والتشبيهات التي تربط بين الأرض والهوية، وبين المقاومة والسلام، لتوصيل رسائلهم القوية والمشحونة بالعواطف. هذه القصائد لا تخاطب الفرد فحسب، بل تسعى لإيقاظ الوعي الجماعي وتحفيز الأفعال الجماعية من أجل التغيير.

القصيدة"لو يَأتي السَّلام...؟"للشاعرة سليمة مليزي تتبع بنية تكرارية تعتمد على صيغة شرطية"لو"، مما يخلق نسقًا متصاعدًا للتساؤل والترقب. هذه البنية تعطي القصيدة إيقاعًا متوترًا يناسب طبيعة الموضوع، حيث يعبر التساؤل المستمر عن الشكوك المحيطة بإمكانية تحقيق السلام. مثلما نجد في قصائد محمود درويش، يعتمد هذا الأسلوب على دفع القارئ للتفكير في احتمالات تحقيق الحرية في ظل الواقع القمعي، مما يضيف للقصيدة بعدًا فلسفيًا يعمق من تأثيرها العاطفي.
عالميًا، يمكن ملاحظة تشابهات مع أعمال فيديريكو غارسيا لوركا، الذي استخدم الرموز المتكررة والشرطية للتعبير عن الألم والظلم الاجتماعي في قصائده مثل"مرثية لإغناثيو سانشيز ميخياس". في قصيدتي مليزي ولوركا، نرى استخدام الرموز الطبيعية مثل الزهور والمطر للتعبير عن الأمل والسلام، في حين ترمز الحروب والدمار إلى الظلم والاستبداد. كلا الشاعرين يستخدمان هذه الرموز لخلق تباين بين الحياة والموت، وبين القهر والحرية.

القصيدة تعكس حالة نفسية عميقة، مليئة بالتوتر والقلق حيال المستقبل. يُظهر النص كيفية تداخل القضايا الاجتماعية الكبرى مع الحالة النفسية الفردية والجماعية. في تصويرها للأطفال الذين"تُبتَر أطرافهم"والأحلام التي"تُغتصب"، تكشف مليزي عن إحساس باليأس الجماعي الممزوج بالرغبة في التحرر. هذا التوتر النفسي يشبه إلى حد بعيد ما يعبر عنه سميح القاسم في قصائده، حيث يصف الحرب والاحتلال كأحمال نفسية تقيد حياة الفرد والمجتمع.

يمكن مقارنة هذا الشعور النفسي بأشعار ت. س. إليوت، الذي يبرز الحيرة والضياع الروحي في"الأرض اليباب"، حيث يتعرض الفرد للضغط النفسي الناتج عن الانهيار المجتمعي والقيمي. مليزي تقدم صورة مشابهة، حيث يعاني الفرد والمجتمع العربي من أعباء الاحتلال والحروب، ويطمح إلى الخلاص عبر تحقيق السلام، الذي يُرمز له في القصيدة بشخصية شبه أسطورية تنتظر التحرر …

من منظور فلسفي، تطرح القصيدة أسئلة عميقة حول طبيعة السلطة والعدالة، حيث يتم تصور"السلام"كقوة يمكن أن تتحدى الطغيان وتعيد التوازن إلى العالم. هذا التأمل الفلسفي في دور السلام يتشابه مع فكرة إيمانويل كانط عن"السلام الدائم"، حيث يرى كانط أن السلام يجب أن يكون هدفًا دائمًا للبشرية، وليس مجرد توقف مؤقت للصراعات. مليزي تتساءل عن الدور الذي يمكن أن يلعبه السلام إذا ما تحرر من قيود الطغيان، وتطرح إمكانية بناء عالم جديد مبني على العدالة والحرية.

عالميًا، نجد صدى لهذا الطرح الفلسفي في أعمال وليم بليك، الذي استخدم الرموز في قصيدته"أغاني البراءة والتجربة"لطرح أسئلة حول الخير والشر والحرب والسلام. بليك، مثل الشاعر سليمة مليزي، يخلق تعارضًا بين الطغاة والحرية، ويُظهر كيف يمكن للسلام أن يكون قوة خيّرة تحرر العالم من الظلم إذا ما أُطلق لها العنان.

القصيدة تقدم وصفًا دقيقًا للمعاناة الاجتماعية والسياسية في العالم العربي، مع التركيز على الحروب في فلسطين وغزة ولبنان. تصوير الأطفال الذين يُبتَرون والنساء اللواتي يزغردن بعد تحقيق السلام يعكس البعد الاجتماعي للقصيدة، حيث تعكس مليزي الأثر المباشر للحروب على حياة الأفراد، خاصةً الأطفال والنساء، الذين يُعتبرون الفئات الأكثر تضررًا في النزاعات. هذه الصور تربط بين الهم الاجتماعي والمأساة الفردية.

يمكن مقارنة هذا التصوير الاجتماعي بشعر محمود درويش، الذي استخدم صور النساء والأطفال كرموز للمقاومة والاستمرار، كما في قصيدته"أحن إلى خبز أمي". درويش، مثل الشاعرة سليمة ملّيزي، يركز على أهمية الأرض والهوية الوطنية في تشكيل تجربة الفرد والمجتمع، ويرى في السلام أملًا للخلاص.

عالميًا، نجد تشابهًا مع أعمال بابلو نيرودا في"القصيدة العاشرة"، حيث يستخدم نيرودا الأطفال والشعب البسيط كرموز للنضال ضد الظلم. نيرودا، مثل مليزي، يقدم صورة قوية عن تأثير الحروب والنزاعات على الفئات المهمشة، ويرى في الحرية والسلام حلاً اجتماعيًا وسياسيًا لتحسين حياة هذه الفئات.

القصيدة"لو يَأتي السَّلام...؟"للشاعرة سليمة مليزي هي نموذج للشعر التحرري الذي يمزج بين البعد النفسي، الفلسفي، والاجتماعي للتعبير عن التوق إلى السلام في مواجهة القمع والاحتلال. تتشابه القصيدة في أسلوبها ومضمونها مع أشعار محمود درويش وسميح القاسم من حيث التركيز على المقاومة والسلام، وكذلك مع شعراء عالميين مثل فيديريكو غارسيا لوركا وبابلو نيرودا وت. س. إليوت الذين استخدموا الشعر كأداة للنضال ضد الظلم والاستبداد.

القصيدة تُجسد أيضًا تقاطعًا مع الفكر الفلسفي العالمي حول السلام والعدالة، حيث تساءلت الشاعرة سليمة ملّيزي عن دور السلام في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، مثلما فعل إيمانويل كانط في أعماله. بذلك، تعتبر القصيدة صوتًا من أصوات التحرر التي تجمع بين الفكر، العاطفة، والفن الشعري لتحقيق تجربة أدبية متكاملة تعبر عن هموم الأمة وطموحاتها.

محمد بسام العمري

[1بقلم الشاعرة والصحفية سليمة ملّيزي

لَوْ أنّكَ جئتَ...
لَوْ تَرَكُوك تُغادِرُ أفكارَهُم الخَبيثَةَ
وَ جَمعِياتُهُم التي تُهدِرُ وقتًا
و تُخسِرُ الملايينَ من الدولارَاتِ و الشِعاراتِ
لوْ فُتِحَت لكَ أبوابُ الحروبِ
و رأيتَ الدَّمارَ الشامِلَ في فَلسطينَ و غزةَ و لُبنانَ
و أطفالُ العربِ تُبتَرُ أطرافُهُم
و تُغّتصبُ أحلامُهم
حتَى الجُوعُ أصبحَ مَوتًا بطيئًا...

ماذَا لوْ تُطالِبُ هذه الشُعوبُ الكَادِحةُ
بإطلاقِ صَراحِكَ
و يَترُكونَك تتَصَرَّفُ كمَا نَزَّلَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ على الدِّيَانَاتِ
وَ تتَصالحُ مع العدلِ الدُوليِ
و تنتَشِرُ على الدُّنيا أيُّها السَّلامُ كالفرحِ
كقطعَةُ خبزٍ تُفرِحُ الجيعانَ
كقطرَةَ غيثٍ تُغيثُ العطشانَ
كزهرةَ الرَّبيعِ تُزيحُ شبحَ الموتِ
كأورَاقَ الخريفِ تُنعِشُ القُلوبَ
كحبٍّ شارِدٍ ينتشِرُ في قُلوبِ العذارَى
ماذا لو...
أيُّها السَّلامُ تتحرَّرُ من قيُودِ الطُغيانِ
و تكونُ لك السلطةُ القَويَّةُ
لتُنَّفِذَ حُكمَ الإعدامِ
على كُلِّ طاغِيَةٍ على وجهِ الأرضِ
ماذا لو شَيَّا منكَ أكبرَ منَ الدَّمارِ
و يُدَمِّرُ دمارَهم
و تَزرعُ على كلِّ قبْرِ شَهيدٍ
فَتيلَ الحُريَةِ
و تزغردُ النِّساءُ من الشُرُفاتِ
و تَخرُجُ الأطفالُ إلى الحَدائِقِ
و يَعودُوا الجُنودُ إلى ديارِهِم
و يُزهِرُ القَمرُ في أرضِ العرَبِ
و تُنبِتُ أشجَارُ الزيتُونِ في أرضِ فلسطين
و تَعودُ القُدسُ العتيقة إلى عَهدِها الجمِيلِ
ماذَا لوْ...
أيُّهَا السَّلامُ
توقظنا من غَفوتِنا.
سليمة مليزي

7أكتوبر / تشرين 2024م

بمناسبة الذكرى الأولى لطوفان الاقصى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى