الاثنين ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

قراءة في كتاب جديد أوجرة الثعالب للكاتبة تغريد حبيب

تمهيد: الكتاب كمرآة متشظية

حين نتصفح جديد أوجرة الثعالب، ندرك أننا أمام نص لا يريد أن يكون ترفًا أدبيًا، بل صرخة ومرآة في آن واحد. مرآة تكشف دهاء السياسة، وتفضح هشاشة القيم، وتضع القارئ وجهًا لوجه أمام عالم من الأقنعة. النص هنا ليس مجرّد نصوص متفرقة، بل شهادة وجدانية – سياسية مكتوبة بمداد الغضب والوعي.

الثعالب كرمز: استمرارية الرمز وتجدده

الثعلب – في المخيال الجمعي – رمز للحيلة والدهاء. لكن في نصوص تغريد حبيب يتجاوز هذا الرمز حدوده التقليدية ليغدو كيانًا سياسيًا – اجتماعيًا يتجسّد في:

• السلطة الماكرة التي تتقن التمثيل.
• المؤسسة التي تُعيد إنتاج خطابها المزيّف بأقنعة متجددة.
• الخطاب العام الذي يجمّل نفسه بالبراءة ليخفي الطعن.

الأوجرة ليست جحورًا طبيعية، بل استعارة عن أوكار الفساد والانتهازية، حيث يُصاغ الواقع وفق لعبة الأقنعة.

قوة الأسلوب: اللغة كسلاح

تكتب حبيب بلغة تجمع بين:

• البيان الثوري: حيث نبرة الخطاب عالية، لا تهادن، تشبه النداءات السياسية المتمرّدة.

• السخرية المرة: إذ يتحول الضحك إلى أداة لكشف قبح الواقع.

• التاريخ كمرآة للحاضر: تستدعي وقائع وأحداث لتدين بها واقعًا متواطئًا.

هذه اللغة الممزوجة بالوجدانية تجعل النصوص عصيّة على القراءة الباردة، لأنها تحوّل القارئ إلى شريك في المواجهة.

البعد الوجداني: الإنسان الضحية

ورغم كثافة الرمزية، يبقى جوهر النص إنسانيًا. إنه مرثية للإنسان البسيط، الضحية الأولى لمكر الثعالب.
يذكّر الكتاب بأن الحقيقة غالبًا ما تُدفن في الأوجرة، وأن الخلاص يتطلب وعيًا جمعيًا قادرًا على فضح الأقنعة.
بهذا يصبح النص وثيقة وجدانية بقدر ما هو بيان سياسي.

مقارنة أدبية: موقع الكتاب ضمن تقليد الأدب الرمزي

✦ مع كليلة ودمنة

• كلا العملين يوظف الحيوان كرمز سياسي – اجتماعي.

• في كليلة ودمنة، الحيوان وسيلة للحكمة والوعظ، أما عند حبيب فالثعلب ليس وعظًا بل اتهامًا مباشرًا للسلطة.

• النص الحديث أشد التصاقًا بواقعنا السياسي المعاصر، وأكثر جرأة في فضح الأقنعة.

✦ مع مزرعة الحيوان – جورج أورويل

• مثل أورويل، تستخدم حبيب الحيوان كاستعارة للسلطة الفاسدة.

• كلا النصين ينطلق من فرضية أن السلطة تبدأ بالوعود وتنتهي بالاستغلال.

• الفرق أن أورويل صاغ نصًا عالمياً ذا بعد أيديولوجي (اشتراكية/رأسمالية)، بينما حبيب تكتب من سياق عربي – محلي، يجعل النص مشحونًا بذاكرة المكان وهموم الناس اليومية.

✦ فرادة النص

ما يميز جديد أوجرة الثعالب أنه يزاوج بين هذا التقليد الرمزي وبين اللغة الوجدانية القادرة على الجمع بين الغضب والحنين، بين السخرية والمرارة. هو نص عربي الهوية، لكنه يفتح نافذة على أدب عالمي يربط الحيوان بالسياسة والمجتمع.

خاتمة: الأدب كفعل مقاومة

جديد أوجرة الثعالب للكاتبة تغريد حبيب ليس نصًا عابرًا، بل صرخة وجدانية – سياسية – أخلاقية.

إنه عمل أدبي يعيد الاعتبار لدور المثقف: لا ليكتب للترف، بل ليكشف ويقاوم.

وبهذا، يستحق الكتاب أن يُقرأ لا بوصفه نصًا أدبيًا وحسب، بل كجزء من معركة الوعي العربي ضد الزيف والأقنعة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى