الأربعاء ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد أبو عبيد

فلسطين قضية وطنية لا "أمرٌ بالمعروف"

كان وهج القضية الفلسطينية يتوقد في سماء العالم حين كان ثوبها وطنيا لا دينياً أو "منفعياً".

ذِكْرُها كان يجعل المخيلة تسيح في صورة المناضل من أجل الحرية علمانياً كان، أم يسارياً أو إسلامياً. صورة العلمَ الملون والكوفية اللذيْن كانا تهمة تزج بصاحبهما إلى زنازين إسرائيل. هي الجامعة المغلقة بأمر عسكري إسرائيلي وتعويض المحاضرات في منازل الأساتذة مخالفةً لقوانين الاحتلال.. هذه الصُوَر غيْضٌ من فيض لا يُحصى عن القضية الفلسطينية التي يظل صفاؤها عصياً على تعكيره بشوائب اقتتال الأخوة وزبَد الانقلابات.

فلسطين هي قضية احتلال، حصار واعتقال، هدم واغتيال. أولوياتها الأهداف الوطنية بالمعنى الحقيقي للتحرر، لا "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". لعل الخبر الآتي من غزة ونشره "العربية. نت"، وما رافقه من تعليقات أغلبها منطلقٌ من الجهل بفلسطين، يسوق القاريء إلى الأسف عمّا آلت إليه القضية التي باسْمها تبغي فئة على الأخرى، وفئة تسن قوانينها الخاصة وتطبقها بأيادي الترهيب والإكراه. وأسف، أيضاً، على ضيق المعرفة بفلسطين الذي بات يتصف به كثير العرب.

جماعة تسمي نفسها"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بدأت عملها في قطاع غزة مستهلة ذلك بإشباع مطرب وشابين آخريْن ضرْبا "لاتباعهم الشيطان". ثمة جماعات أخرى، مؤسلَمَةٌ أسماؤها، تهاجم مقاهي الانترنت، وتحذر "الغزّيات" من عدم الالتزام "بالزي الشرعي"، وتهاجم الأعراس والحفلات، وغداً قد تحكم بالإعدام على التراث الفلسطيني والزجل والدبكة والدلعونا ودواوين الشعر والمسرح، ولا تسمح إلا بالأناشيد الدينية. محظوظ معهد إدوارد سعيد للموسيقى أن أيادي هذه الجماعات لا تطاله مثلما لا تطال فرقتيْ صابرين والفنون الشعبية وثلاثي جبران.

جماعات نصبت نفسها حاكمة على الفلسطينيين بقوانين طالبانية من دون أن يردعها حكّام غزة الجدد. السكوت عن هذه البذور سيجعلها تنمو حتى يغدو الفلسطيني مضطرا على الطاعات لها وعلى أخذ " بَرَكتها " لتسيير حياته لا تيسيرها. حينها قد يصبح العَلَم الفلسطيني وأغاني الثورة تُهَما في نظرها، وكذا الحب وقرص الأغاني والصحن اللاقط والأنترنت وبنطال الجينز وصالون قص الشعروحلق اللحية. "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الفلسطينية لا تتوانى عن ضرب من تراه مخالفا لشرائعها "كرسالة توعية"، ونسيت أن هناك جيشاً إسرائيلياً ما انفك يعتدي بالضرب والقتل والهتك على كل الفلسطينيين بمن فيهم "الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر".

الجماعات هذه اعتمدت في تشكلها على الفراغ القيادي الوطني الذي يفتك بالجسد الفلسطيني وينهش لحمه، وغياب الأجهزة الأمنية الفاعلة. إذا لم يتنبّه الفلسطينيون إلى هذه الظواهر الدخيلة، ويتوافقوا على لزوم اجتثاثها من المجتمع الفلسطيني نظراً لكونها من غير تراثه وثقافته، وعلى عدم دفن القضية، فإنهم قد يصبحون مثل من يئد ابنته الشرعية بيديه، ويتبنى غيرها بلباس الجادر(البرقع الإفغاني)، وقد تصبح غزة قندهار زمن طالبان، ورام الله هلمند. واجبات القضية هي النضال من أجل الدولة والحدود واللاجئين والقدس، وليست تأسيس جماعات تدّعي "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، تنسى الاحتلال الإسرائيلي ونِيرَه وتنكيله، ولا تتذكر إلا فلسطينيات غير محجبات، ومطربين وحفلات ومقاهي الانترنت حيث كل ذلك من الفسيفساء الثقافي والتنوع الحياتي للمجتمع الفلسطيني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى