صعبٌ غيابك أمي
عزاؤك يا أمّ
فوق حدود المكان
وفوق تخوم الكلام
وفوق التصوّر
أبعد من كلّ هذا العزاء .
عزاؤك ليس سبيلاً
لكي أتوارى عن الحزن
أو أنسخ الفقدَ فيه .
عزاؤك صمتٌ كبير
وحزنٌ عجوز .
مكانك في شامخ القلب
أيّ القلوب
تليق بمعناك يا أمّ !
أنت القلوب
وسكّانها الطيبون ..
.. العفيفون والهادئون
المقيمون في آخر الدرب
أنت الحنانُ
الذي سيغطي الوجود
إذا انزاح بعض اللحاف
أو انكشف الجزء منا ،
وأنت تقينا من الخوف والبرد
والصمت
من طعم هذا الغياب اللعين ،
ومن كل ما خلّفته يدا الفقد ،
.. مـرٌّ بعينيّ مرأى النجوم
ومـرٌّ سؤاليَ عنك
ومـرٌّ نهاري
ومرٌّ أنين لياليّ دونك
مرٌّ دوائي ومرٌّ شفائي
ومرٌّ هوائي ومائي ،
ومـرّ مجيء الصيام بدونك يا أمّ
مرٌّ سحوري ومرٌّ فطوري .
فكيف أقيسُ حياتي
إذا ما تصوّرتُ أنك لستِ بقربيَ في العيد
لا أستطيع بكلّ الوسائل تقبيلَ كفّيكِ
لا أستطيع اللجوء إليك
ولا أستطيع القصائد
فالشعر مـرٌّ
وكلّ التعابير .
.. ما أعجزَ الكلمات
التي لا تقولك !
كيف أقول .. ؟
وكيف الوصول..؟
كأنّ الوصولَ إلى بعض معناك
إنجازُ كل اللغاتِ
وسعيُ البلاغة
تدشينُ برج المعاني
وصمتي الصموتُ
كأني أمـــوتُ .
أقولُ : تجيئين بعد قليلٍ ،
وبعد كثيرٍ أمدّ انتظاري
على قدر هذا الغياب
الذي لا يموتُ .
ذهبتُ إلى الشام
قلتُ : سأرجعُ عند المساء إليكِ ،
وكم مرّة
كنتُ أذهبُ
ثمّ أعودُ
أراكِ مكلّلةً بانتظاري ،
يداكِ إلى الله مرفوعتان ،
تعدّان كلّ الدقائق
والشرفات التي لاتُعـدُّ ..
وهاأنذا قد رجعتُ
وبالموت.. والبعد
والمنتهــى
قد فُجِعـتُ .
***