الثلاثاء ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم لطفي زغلول

ستار أكاديمي .. وأخواته

ستار أكاديمي واحد من البرامج التلفزيونية الفضائية المنتمية الى عائلة" تلفزيون الواقع" التي انتشرت مؤخرا في العديد من الاقطار الاوروبية ومثالا لا حصرا : برامج الزواج / برامج الغناء / برامج انتخاب ملكات الجمال / برامج القدرة على الاحتمال ومواجهة التحديات ، وهي مستنسخة عن مثيلاتها الاوروبية والاميركية وتربطها بها علاقة توأمة ، وقد خصص لهذه البرامج ومثيلاتها قنوات فضائية خاصة بها تبث على مدار الساعة ليلا نهارا .

يدعي " ستار أكاديمي " وأخواته من هذه الفضائيات الخاصة العربية أنها انما تقوم بتحديث الواقع العربي ونقله من حالات الرتابة والجمود الى آفاق من الحداثة والعصرنة ومعايشة التطورات التي تطرأ على العالم المتحضر ، مدعية أنها حريصة كل الحرص على مد جسور من التواصل بين العالم العربي وعالم الحضارة .

الا أن هذا الادعاء يشوبه الكثير من الشك والريبة كون هذه الفضائيات الخاصة قد قامت على اسس تجارية هدفها تحقيق أكبر قدر من الربحية تجنيه من خلال جوائز مالية ترصدها للذين يصوتون عبر المكالمات الهاتفية الارضية ، أو من خلال نظام الرسائل الالكترونية القصيرة التي تظهر على شاشات هذه الفضائيات . وجدير بالذكر أن سوق هذه المكالمات والرسائل قد ازدهر في كثير من الاقطار العربية في السنوات الاربع الاخيرة ازدهارا بلغ حجمه مليارات الدولارات تتقاسم ارباحه هذه الفضائيات وشركات الاتصالات . وثمة مصادر اخرى ومتعددة للربح منها الاعلانات التجارية ، وما تدفعه الشركات الراعية لمثل هذه البرامج .

وبقصد اجتذاب أكبر قدر من المشاهدين وبخاصة من الفئات الشابة التي تستخدم أجهزة الهواتف الخلوية وغيرها ، فان هذه الفضائيات تتنافس فيما بينها على تقديم برامج تستحوذ من خلالها على جمهور هؤلاء المشاهدين ، ضاربة عرض الحائط بكثير من القيم والمثل والاخلاق السائدة والمتجذرة في المجتمعات العربية مستبيحة ما لا ينبغي أن يستباح ، ومبيحة ما لا يجب أن يباح .

وقد لا يكون الحديث عن العموميات والعناوين والمقدمات كافيا أو شافيا . فمن كان يصدق أن فن الغناء العربي سوف ينحدر الى هذه الهاوية من التردي والانحطاط والابتذال ؟ وهل وصل الحال بفن الغناء العربي أن تصبح اجساد النساء بمفاتنها واغراءاتها وحركاتها وايماءاتها عناصر اساسية في هذا الفن ؟ وهذا الاختلاط السافر بين الشبان والشابات الى درجة الدخول العلني على مرأى من كل المشاهدين الى غرف نوم بعضهما في أي وقت من النهار والليل ، هل هذه هي الحضارة والرقي ؟ .

وهل هذا الجيش العرمرم المكون من ستين ألفا من ابناء العروبة وبناتها الذي " هجم " على مكاتب احدى الفضائيات لتختار منه سوبرستار في فن الغناء ؟ هل هذا " الجيش " هو أمل الامة العربية في تحريرها من تخلفها وفرقتها وحال انعدام وزنها على كافة الصعد بين الأمم الأخرى ؟ وهل تبدأ الحداثة والعصرنة والحضارة والرقي والتقدم بالغناء والرقص وانتخاب ملكات الجمال ؟ وهل وهل وهل وألف هل ؟ .

في اعتقادنا أن هناك غزوا ثقافيا للأمة العربية لا يقف عند حدود هذه الفضائيات الناطقة بالعربية ، وانما يتعداها الى ما هو أبعد من ذلك بكثير . وقد لا نكون مبالغين أو خارجين عن جادة الصواب والعقلانية اذا ما جزمنا أن هناك مؤامرة على الانسان العربي تشترك فيها اطراف عربية واخرى غير عربية ، تستهدف تجريده من مثله وقيمه واغراقه في بحر متلاطم من التفاهة والسطحية والانحلال ، والاخطر من ذلك تحييده فيما يخص قضاياه الوطنية والقومية والعقائدية ، أو بصحيح العبارة اطفاء جذوة الحمية والشهامة والانتماء في عروقه كيما يسهل الاستيلاء عليه والسطو على مقدرات وطنه الصغير والكبير .

الا أن الاخطر من هذا كله هو اختيار توقيت هذه البرامج التي بثت في ظروف سياسية وأمنية عربية قاهرة تمر بها الأمة العربية والعالم العربي ، والتي لا يستقرأ منها الا الهاء ابناء العروبة وفصلهم عن واقعهم وابعادهم عن معايشة هذا الواقع والتصدي لكل التحديات التي ما فتئت تنصب عليه .

واذا كان ستار أكاديمي قد انهى موسمه الرابع ، واذا كان المخلصون لأمتهم والغيورون على ثقافتها وقيمها يظنون أن الامر قد انتهى وأصبح واقعا لا مفر منه فهم مخطئون . فقريبا هناك " نادي النجوم " على فضائية ثانية . وهناك " سوبرستا ر 4 على فضائية ثالثة . وهناك برنامج " صانع النجوم " على فضائية خامسة . واخيرا لا آخرا هناك مسلسل انتخاب ملكات الجمال على فضائية سادسة . انه صيف عربي حار حافل " بعطايا هذه الفضائيات وهداياها " . ومن يدري فكما يقول المثل العامي " الحبل على الجرار " .

وعودة الى " ستارأكاديمي " الذي أثار عاصفة نقد ورفض من الغيورين على المثل والقيم ألاسرية العربية والاسلامية ، وكان من المأمول أن تتخذ الأنظمة السياسية العربية مواقف حازمة تجاه مثل هذه البرامج حفاظا على شعوبها ، الا انها بسكوتها الملحوظ على ما يبدو لها مواقف اخرى وأقلها الرضا والقبول جعلتها تغض الطرف وتغلق السمع .

وهنا لا بد من تسجيل موقف مشرف لامام المسجد الحرام في مكة المكرمة الذي تناول هذا البرنامج وغيره في إحدى خطب صلاة الجمعة . ومما قاله " ان هذه البرامج سلاح فتاك من اسلحة الدمار الشامل لكل انواع القيم والعفاف والفضيلة مما يسهم بجلاء في خلخلة المنظومة الاجتماعية المحافظة والنسيج الاخلاقي المتميز لهذه الامة ، ويفز آثارا اجتماعية خطيرة للتمرد على القيم والانفلات من الاخلاق والمثل ، انها تعمد لاقصاء الفضيلة واعلاء راية الرذيلة " .

وليس هناك ما يمكن أن يضاف الى حديث فضيلة امام المسجد الحرام . فقد " كفى ووفى " ولكن ثمة ظاهرة سلبية خطيرة أفرزتها ستار اكاديمي لا يمكن السكوت عنها تخص حربا كلامية وقودها رسائل ال إس إم إس بين المعجبين بهذا أو ذاك من " نجوم " ستارأكاديمي . ان المتتبع لمثل هذه الرسائل على بعض الفضائيات يتألم ويثور ويغضب لمشاعر الضغينة والعداء والتشفي والتطاول والازدراء والتباهي والتمنن والشماتة والقدح والشتيمة بين هؤلاء المعجبين .

وأخيرا لا آخرا لا بد من سؤال متعدد الجوانب : هل مصادفة ان تبث هذه البرامج في ذكرى النكبة ، والنكسة ، وايام الاجتياحات ، والويلات النازلة على العراق ، والحربفي الصومال ، والأزمة اللبنانية . والأزمة في دارفور ، ومجمل الواقع العربي الحزين ؟ هل أنهى العرب كل برامجهم الاصلاحية على كافة الصعد ، هل استعادوا الأقصى وبيت المـقدس ؟ . هل حققوا الوحدة والحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية والحياة الأفضل ؟ هل قضوا على الفقر والمرض والجهل وكل أسباب التخلف حتى يغرقوا في هذه الملذات والتفاهات والمتع الفتاكة ؟ والجواب يعرفه كل الغيورين على مصلحة الأمة العربية .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى