ديوان الشاعر أنطون الشوملي للناقد الاديب عزيز العصا
للكلمة قدسيتها ولحضور الشاعر قدسيتهُ ونحن امام ديوانه الشعري الذي كتبه ونقشه بدمه وفكره ووجدانه الوطنيِّ الانسانيِّ المتوقد للحرية والشمس وهو يحمل همَّ وطنهِ من وعد بلفور مرورا بهبة البراق ورشيد عالي الكيلاني الى الثورة العربية الكبرى ثورة عام 1939 مرورا بالنكبة وما بعدها وهو يتحسس اهة وطنه وقذارة الجواسيس والعملاء وبعد.
بدأَ الناقد لغته النقدية في تحليل القصائد باحثا عن تضاريس الكلماتِ، وايحاءات القصيدةِ، وهو يستظلُّ بشذا وجدانياتٍ تسكنُ الروحَ، ووطنياتٍ تلهبُ المشاعرَ، ومناسباتٍ تحي في القلبِ التوقَ والحنين. وسأتطرقُ في هذه الندوة الى قصائِدِهِ الوطنيةِ، حيثُ كانَ يَبْحَثُ عنْ وجع الكلمات، التي توقظ في الروح هواجس الخوف على وطن تنهشه الذئاب، ليضعها ايقونة على صدر تجربة الشاعر الشعرية، محاولا الكشف على خفايا الكلمات، فيجدها بين ثنايا لغتهِ النقدية فواحة بالوطن والحنين والحرية. مفسِّراً دَلالاتِها الشعريةِ، وشارِحاً أبعادها اللغويةِ، بمقدرة أدبيةٍ تحليليةٍ، يستحقُ عليها الاحترام والتقدير. بانيا الاطار الشعري الجميل الذي يستحقه الشاعر.
تساءلتُ في البداية الى أين يأخُذنا الناقد الأديب عزيز العصا، في رحلته الأدبية التحليلية مع الشاعر المرحوم أنطون الشوملي. هل سيشعلُ ذاكرتنا أمام فصولِ قصائدٍ عشقت فلسطين؟
أم سيطل علينا بحزن الشاعر والامه وغضبه لضياعِ فلسطين؟ وأنا أَراه لا يتنازل عن دلالات القصائدِ وايحاءاتها الجميلة. فمشت خطوات الناقد بعيون متفهمة لنصوص القصائدِ وأهدافها، بتحليلات أدبية جميلةٍ قادرة على الوصول الى قراءات عميقةٍ، معطياً لها مصداقية الموقف، وأبجدية الدلالات. معمداً هذه القراءة النقدية بشفافية روحٍ ترى ما لا يراهُ الأخرون. فجعل كلمات القصيدة تنبض بروح الشاعر، وتعود محلقة حول هذا الاصدار الأدبي. ففتح نوافذ الشمس على أدب الشاعر الأديب الراحل أنطون الشوملي، فأَضاءَ بتحليله الجميل حروف القصائِد وما بينَ الكلماتِ من مستوياتٍ وأَبعادٍ دلالية، ومقدرة فنيةٍ تمتلك أدواتها النقدية المبدعة. فجعلنا نعيش تجربته الشعرية وهواجسه ومخاوفه والامه واماله وطموحه، تلك التي يحملها من أجل فلسطين وشعب فلسطين.
ان الناقد الأديب عزيز العصا بتحليله الأدبي لهذا الديوان نراه قد بذل جهدا كبيرا ومضنيا، فعمل على ترتيب القصائد ما قبل النكبة، وأثناء النكبة، وما بعد النكسة. كما لمستُ روعة تحليله لكل قصيدة وما أَخذت منه من وقت وجهد كبيرين، استطاع من خلالهما ان يلقي الأضواءَ على مواقف الشاعر وتجاربه الشعرية، بكل ابعادها ومستوياتها ومناسبتها ودلالاتها الشعرية. مبينا الواقع المعاش الذي عاشه الشاعر في الحر ب العالمية الأولى 1917-1918 وثورة عام 1936 وما تلا ذلك من نكبة فلسطين عام 1948، إضافة الى النكسة المؤلمة عام 1967. وما بها من مواجع والام وخيبات وتحديات ، جبلت شخصية الشاعر بتراب الأرض ودموعها وهمومها. وقد استطاع عزيز العصا بقدرة نقدية تحليلية، على كشفها وتقديمها للقارئ، بروح الشاعر وهمه الوطني، فكشف عما في هذا الديوان من قصائد مختلفة تتوزع ما بين :-1 الوطنيات 2-الدينيات 3-الاجتماعيات 4- أناشيد وطنية 5- رثائيات 6- وجدانيات 7- أناشيد 8- اشعار شتى.
وقد ابدع الناقد في تفاصيل القصائد وترتيبها، وشرح ابعادها ودلالاتها ومناسباتها، وما تحمله من عواطف صادقة جياشة بمشاعرها الوطنية. وفي هذا المجال سأتناول القصائد الوطنية للشاعر، التي حملت الاخطار المحدقة بالوطن داعية الى الوحدة والتحرر، رافضة للخمول، حاملة أبعاد الوعي للواقع المحيط بالقضية الفلسطينية، من أخطار وتهويد واستيطان، وفيها الكثير من التحسّر على ضياع فلسطين، واغتصاب الحقوق العربية التاريخية.
فقد اشتعل تأييدا لثورة "رشيد عالي الكيلاني" في العراق، داعيا الى الوحدة الكبرى، والتضحية والاستشهاد من أجل فلسطين، منددا بالمجازر الصهيونية، ملاحقاً خيانة السماسرة، وموجها بأهمية تعلم المرأة وتحررها. ويعتبر الشاعر من أوائل الذين دعوا الى تحرر المرأة من خلال العلم وتربية الأجيال، كي تأخذ دورها في التحرير والبناء، ومن أوائل من قام بالتنديد بسماسرة الأرض، وخطورة أعمالهم الدنيئةِ. وعندما تُطلُّ عليه ذكرى النكبة يعتصر قلبه ألما ودماً على ضياع الفلسطين.
ولا بدَّ أن أُوضحَ نقطةً هامةً في تاريخِ فلسطينَ وموقفُ الشاعرِ منها.انَّ ثورة عام 1936 هي الثورة العربية الكبرى والحقيقية وانكسارها هوالذي مهَّد لحصول النكبة، وكانت من الأخطار الحقيقية التي توجهُ هذهِ الثورة السماسرة والخونة وبائعوا الأرض،والشاعر أنطون الشوملي هو أكثر شعراء فلسطين اطلاقا من تصدى بأشعارِهِ اليهم وحاربهم بقصائِدِهِ الملتهبة، كما كان لثورة رشيد عالي الكيلاني التي أيدها الشاعرُ عن وعيٍ وطنيٍ هي وغيرها في سوريا من ساهم في اشعال ثورة عام 1936
مواقف الشاعر من قضايا الوطن.
الاخوة المسيحية الاسلامية وإدانة الحملات الصليبية.
لقد استلهام الشاعر التراث الاسلامي، وتفاخر بالراية العربية الاسلامية وبأبطالها "كأبي عبيدة" و" خالد بن الوليد" واستحضاره لمعركة "حطين"، ومواقف "صلاح الدين الأيوبي"، ثم تفاخره بالتآخي المسيحي الاسلامي، مستحضراً هذا التراث التاريخي، جاعلاً منه المعادل الموضوعي لتجاربه الشعرية المعاشة. ونراه في تفجير فندق " الملك داود" يستحضر الأقصى وقبر السيد "المسيح" عليه السلام فيقول:-
المسجدُ الأقصى المباركُ حولهُ... والقبرُ مذعورانِ ينتحبانِ
وفي قصيدة" حطين" يقف الشاعر ضدّ " الفرنج" المستعمرين مؤكداً انَّ المسيحية العربية تعانق الاسلام العربي لأنهما يشكلان معا الحضارة العربية العريقة فيقول:-
عَنَت الفرنجُ لحكم سيفكَ مصلتاً... ولهم فرائص راعِداتٌ رُجَّفُ
سل سهل حطينَ اذا احتدمَ الوغى...أنىَّ صلاحُ الدينِ قامَ يطوفُ
والشاعر هنا يدين الحملات الصليبية ويحاربها، كما كانت المواقف المسيحية في فلسطين فيقول:-
فَكَكْتَ ما شادوا وربُكَ ناصرٌ...وبنيتَ ما دكوا وربك منصفُ
وعد بلفور
كان الشاعر يمتطي سيف القلم في ميادين المواجهة من اجل فلسطين، فاستيقظ على مواجع وطنه، وهو يرى الاخطار المحدقة به.
يقول في ذكرى وعد "بلفور"
أترجو فلسطينُ السليبةُ قومها... وما امتشقوا بيضَ السيوفِ الصوارِمِ؟
ادانة العملاء والجواسيس:- يقول الشاعر:-
فكم قد رأينا من ابنٍ عقوقٍ... يخونُ البلادَ لنيلِ الثَّراءِ
ادانة الاستيطان اليهودي وسماسرة الأرض:- يقول الشاعر:-
نمنا وما نامت عنَّا أعادينا...وأطلقوا مالهم يغزوا أراضينا
يُعينهم من بني قومي سماسرةٌ...باعوا الحياءَ فأضحوا لا يبالونا
يدعوا الى العلم خاصة للفتاة.- يقول:-
وربوا الفتاةَ فانَ الفتاةَ...لركنِ الرُّقي وأُسُّ البناءِ
الغضب من المهانة والاستسلام الفلسطيني.فيقول:-
وتصفعنا يدُ الظلامِ صفعاً...فنأخذها نقبلها احتراماً
يدين الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية. فيقول:-
فلا لا أيها الغربي لسنا...من القوم الأُلى خلقوا سَواما
بني صهيون مهلا لا تظنوا...بأَنكم قد ابتُعتُم مقاما
يرثي شهداء فندق الملك داؤود. فيقول:-
خطبٌ يُثيرُ كوامنَ الأشجانِ...خطبٌ يُسيلُ عواصيَ الأجفانِ
ضياع الفردوس العربي فلسطين. يقول:-
سأبكيكِ ما سالت من العين عبرة... وأرثيكِ عمري في صدور المآتمِ
يرسم طريق النصر.فيقول:-
ليسَ تُرجى حريةٌ لشعوبٍ... لا ترى الموتَ في هواها صَداقا
يستهجن الصمتَ العربي. فيقول:-
عجبتُ لقومي كيفَ...وَغَطوا غَطيطاً في فراشِ المظالمِ؟
ويقول محرِّضا على الصحوة:-
أيها العربُ يا بناةَ المعالي... أَسُباتاً وكلُّ شيء أفاقا؟
لا زالت الدموع في عينيه على وطنه السليب. فيقول:-
أَرقتُ وما بي من هوىً متعاظمٍ...وما بي من سُقُمٍ فلا تكُ لائمي
ادانة الحقبة العثمانية. فيقول:-
فضيمٌ في البلادِ الظلمُ حتى...أُذيقَ العربُ مطعَمهُ المُهينا
بنو عثمان كم سفكوا دماءً... شَكت للهِ ظُلمَ السافِكينا
وأَعوادُ المشانقِ علقوها لأحرارِ أبوا ذُلاً وهونا
تأييد الثورة العربية الكبرى. فيقول:-
وأَرسل ربُكَ الرحمنُ فينا...حُسينَ العُربِ أولَّ ثائرينا
تأييد ثورة رشيد عالي الكيلاني. فيقول:-
اذا بلغت عاصمة الرشيد... فحيِّ المجدَ في شخصِ" رشيدِ"
ادانة الانتداب البريطاني واليهود. فيقول:-
فلسطينُ الجريح اليوم ترجو... خلاصا منهم ومن اليهودِ
الشاعر أنطون الشوملي والشاعرعبد الرحيم محمود:-
هنالك الكثير من الظروف السياسية والقضايا الوطنية والروح الشعرية التي تجمع بين الشاعرين وما يحملانه من هموم واوجاع والآم. وهنا احب أن أشير الى بيت الشعر المشهور للشاعر عبد الرحيم محمود:-
فاما حياةٌ تَسرُّ الصديقَ... واما ممات يغيظ العدى
وقد قال قبلها بأربع سنوات الشاعر الشوملي:-
فاما حياةُ الأباةِ الكِرامِ... واما مماتٌ يروقُ السماء
خصائص الشاعر الشعرية:_
يمتلك الشاعر القدرة الابداعية في استخدام أدواته الشعرية، وصياغة صورها الفنية، الممتلئة بالحزنِ والغَضَبْ، المشحونة بالحكمة والحماسة والتضحية، إضافة الى التحسر على الصمت العربي وضياع فلسطين. مستخدماً تجربته الشعرية في تجسيد الرؤى، من أجل التصدي للاستعمار والانتداب والصهيونية، وهو يرى النكبة قبل حدوثها، في غياب رد عربي، وخيانة وانتشار سماسرة، فكانت قصائده موجعة وموحية لفاجعة جديدة وهي النكسة. مستحضراً التراث الديني الاسلامي والمسيحي، جاعلا منها المعادل الموضوعي لتجاربه الشعرية.
بلغة شعرية مفعمة بجزالة الالفاظ وقوة تعابيرها حاملة مصداقية تجاربه الشعرية المعاشة.
كلمة لا بدَّ منها:-
لقد كانت الدراسة النقدية التحليلية، للناقد عزيز العصا، في مساحة حلم الشاعر وأكثر. فقد كشف عن أيقونة أدبية متميزة، وضعها على صدر الشاعر الراحل.
كانت المقدمة للصديق الأستاذ الدكتور حسن السلوادي، ممتلئة بظِلالٍ أدبية تحمل رغبة شديدة، تدفعُ القارئ من أجل قراءة ما كتبه الناقد الصديق عزيز العصا. كنت أتمنى ان يذكر ان اول من كتب عن الشاعر الراحل عام 1998 بدراسة نقدية بعنوان" الرسالة الشعرية الفلسطينية ما بين الدين والقومية" الصادرة عن مركز اللقاء، هو الدكتور جمال سلسع ، كما أشار الى ذلك الناقد عزيز العصا. اذ شملت هذه الدراسة كلاً من "جبرا إبراهيم جبرا" و"اسكندر الخوري البيتجالي" و" أنطون الشوملي" و" كمال ناصر".
كما كانت لمحة الوفاء من خالد وليد الشوملي مفعمة بابجدية الانتماء الى جده الشاعر.
كما لا بدَّ أن أَبوح بحقيقة قلتها يوما للدكتور وليد، بأَنني كنت استظل برعاية والده الأدبية منذ الصف السادس الابتدائي، وأستأنسُ برأَيه في كل مقالةٍ وخاطرةٍ.
كما كنتُ أستأنس وأستظلُ برعاية أدبية من قبل الأديب القدير "يعقوب باسيل الشوملي"، الذي كنت أنتظره مساء كلِّ خميس، بعد عودته من عمان، حيث كان ضابطا في الجيش الأردني.