دراسة في شعر الشاعر الصهيوني بيالك
إعداد/شيرين يوسف
ظلت الأسئلة تطرق جنبات عقلي حين أبحرت في هذا الموضوع - متى سيكون لنا شاعر قومي؟! و كيف يمكن اعتبار الشاعر قوميا ً ؟ و كيف اعتبروا هذا شاعرهم القومي؟!...
على الرغم من أنه مات قبل إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948 إلا أنه يعتبر القصيدة الصهيونية الأكثر شهرة و الشاعر القومي الأول لإسرائيل ، لما أحدثه شعره من طفرة فنية في الشعر العبري الذي كان غارقاً في تقليد الشعر الأوروبي من ناحية و في تقليدية الأساطير و الكتابات التلمودية القديمة، عمل بياليك على تطوير لغته الشعرية عن طريق المحافظة على القالب الشعري التقليدي مع تطويره بقوالب الشعراء الأوروبيين المعاصرين له ، كتب بياليك النشيد الوطني لإسرائيل (الأمل) :
طالما في القلب تكمن
نفس يهودية تتوق
وللأمام نحو الشرق
عين تنظر إلى صهيون.
أملنا لم يضع بعد،
حلم عمره ألفا سنة،
أن نكون أمّة حرّة على أرضنا،
أرض صهيون والقدس
كما شارك بياليك في الترجمة الثالثة للقرآن الكريم إلى العبرية في عام 1936 وكانت آخر طبعاتها عام 1987 بواسطة الحاخام الصهيوني (يوسف ريفيلد) الذي ولد في القدس وكان أبرز عناصر الحركات الصهيونية في فلسطين ،يعتبر شعر بياليك تجسيدا ً واضحا ً لحياته المضطربة المشحونة بعاطفة الكراهية و الخوف .
يتم مبكر ووحدة :
ولد حاييم نحمان بياليك في العام 1873 ببلدة (رادي) الأوكرانية ، سابع أبناء الزيجه الثانية لكل من (اسحق يوسف بياليك)،(دينا بريفا) عمل والده المنحدر من أسرة يهودية متدينة أرثوذكسية تاجرا ً للأخشاب مما أتاح لبياليك العيش في جو من الترف حتى بلغ السادسة من عمره و فقد والده تجارته ، و سافرت الأسرة إلى بلدة زهيتومير للبحث عن فرصة للعيش و هناك عمل والدة كحارس لحانة ثم توفي بعد عام ، تاركا ً زوجته الأرملة المفلسة مما جعلها ترسل بياليك ليتربى في كنف جده لأبية (يوسف بياليك)المتدين الصارم و الذي حرص على تلقين بياليك التعليم اليهودي التقليدي ، إلا أن اهتمامات والدة بياليك بالثقافة الأوروبية و اللغة الروسية أثرت في توجهاته كثيرا ً مما جعله يتطلع إلى التوسع في طرق سبل العلم فسافر إلى (فولوزين) في ليتوانيا و هو في الخامسة عشرة من العمر لدراسة العلوم الإنسانية ، بعد أن سيطرت عليه فكرة التحرر من التعليم الأرثوذكسي و كان يحلم بإكمال دراسته في الجامعة الربانية في برلين .
يوشيفا و أحاد هاعام :
في فولوزين التحق بياليك بالأكاديمية التلمودية –يوشيفا-و درس الفلسفة و الشعر الروسي ، و قد بدأت بوادر التيار الصهيونى و العلمانية في السطوع ، و هناك انضم بياليك إلى تكوين سري للطلبة الصهاينة الأرثوذكسي و الذي كان يستمد مبادئه من تعاليم (أحاد هاعام)الذي يعتبره معلمه الأعظم و الذي أثر في شعر بياليك و جيله بالكامل و قال عنه بياليك "اليوم الذي تشرق فيه مقالة جديدة لأحاد هو عطلة بالنسبة لي "،حيث منحهم أحاد الإطار الفكري الفلسفي الذي ساعدهم على ترجمة ولائهم اليهودي بعيدا عن السياق الديني التقليدي و أشار بياليك إلى ذلك في إحدى قصائده:
تحل بركتنا من كل بذرة
فكرة ..
بذرتها في قلوبنا المقفرة
كان (أحاد هاعام) المولود في العام 1856ببلدة (سكفيرا)الأوكرانية، الذي اهتم بدراسة التاريخ و الرياضيات و العديد من اللغات كالروسية و الإيطالية ،قدم إلى (أوديسا) عام 1886 و شارك فى أعمال رابطة أحباء صهيون حتى أصبح زعيمها الروحي فيما بعد و قد حل اسم (أحاد هاعام) محل اسمه الحقيقي(اشير جينتسبرج) بعد نشر مقاله (ليست هذه الطريق) في مجلة (هامليتس)، و التي أسس بعدها رابطة سرية أطلق عليها (بني موشيه)لتطوير الشعور القومي اليهودي ، حارب أحاد جميع المشروعات الصهيوينة التي سادت في تلك الآونة حتى مشروع هيرتزل فكان دوما يري أن القلة المختارة فقط هي التي يجب أن تهاجر إلى فلسطين لتبني حضارة تشع في كل مكان و هذا هو المبدأ الذي تبناه بياليك فيما بعد مما يعكس الخطوط المتقاطعة بين مشروع هتلر و المشروع الصهيوني حيث قال بياليك"أنا أيضا ً مثل هتلر أؤمن بفكرة الدم " و دعي في قصيدته (آخر موتى الصحراء ) يهود الشتات إلى عدم الالتفات إلى الضعفاء منهم و الاستمرار في السعي لتحقيق الهدف و المضي للبلاد التي يحلمون العيش فيها مما يعكس الفكر الصهيوني في التخلص من جيل العبودية مذكرا ًإياهم بالمآسي التي تعرضوا لها نتيجة الإصرار على مشروعاتهم الفاشلة:
و في الرمال دفنا ستمائة ألف من الجيف النتان .
فلنتجاوز جيف المتخلفين .
الذين ماتوا عبيدا - و لنتخط الشهداء!
فليتعفنوا بخزيهم متمددين على ربطاتهم .
التي حملوها على أكتافهم من مصر .
عاني بياليك من الصدام الذي حدث بين خلفيته التقليدية و التيار العلماني الذي قابله في فولوزين ،عاد في العام 1892 إلى زهيتومير و كتب قصيدة العودة و التي صور فيها الركون و القدم الذي عليه مثقفو عصره و انه عائد إليهم لا محالة لصعوبة اندماجه مع التجديد:
و كما كان دوما في الظلام
العنكبوت يحيك و يعلق خيوطه
و شبكتها المملوءة بالذباب الميت
في الزاوية المهجورة المظلمة
انتم لم تتغيروا
كل القدماء كالتلال
لا شئ جديد
سوف أنضم إليكم أيها الأزلام الشيوخ
سوف نتعفن جميعا حتى ننتن
و كان قد أمضى عاما كاملا في (أوديسا) تابع خلاله دراسته للروسية و الألمانية ، في العام 1892 تزوج بياليك من (مانيا أفيرباتش) و تاجر لفترة مع والدها إلا أنه فشل ،سافر في عام 1897إلى بلدة صغيرة على حدود بروسيا و عمل هناك كمدرس للعبرية و بدأت شهرته كشاعر، سافر بياليك إلى (أوديسا) مركز الثقافة العبرية في تلك الفترة لينضم لدائرة المثقفين و الكتاب التي أحاطت بأحاد هاعام ،عمل بياليك مدرسا ً في أوديسا وواصل دراسته للأدب الروسي و اغرم بكتابات دستوفسكي و بوشكين و شاؤول فروج و جوجول و قام بالعديد من الترجمات إلى العبرية، إلا أنه لم يشارك في الحياة الأدبية بشكل جرئ حتى ساعده(موسي ليب) في عرض أعماله على أحاد هاعام الذي كان يري في قصائد بياليك تطرفا ً كبيرا ً و بعدا ً شديدا ً عن نهج شعراء أحباء صهيون إلا أنه وافق على نشر أولى قصائد بياليك الطويلة (ها-ماتميد)عن طلبة التلمود الذين صورهم كقوة بطولية تحمي السامية في ظل اندثار التاريخ الأرثوذكسي لليهود التقليدين و التي نشرت في جريدة (ها –شيلوح) و التي كان يحررها أحاد هاعام)و التي كتبها على نهج مساير لأحباء صهيون مما ساعده على تعميق علاقاته بأدباء أوديسا، قابل بياليك الشاعر (ى.هـ.رافنيتزكي) صاحب دار نشر موريه و الذي ساعد بياليك في نشر العديد من الترجمات مثل يوليوس قيصر لشكسبير و أشعار شيلر ، كما شاركه في كتابة كتاب (القانون و الأسطورة)و الذي ضم ثلاثة أجزاء من الحكايات اليهودية الفلكلورية عبر التلمود و كذلك (كتاب الأساطير) ، إلا أن دار نشر موريه تم إغلاقها في أعقاب الثورة البلشفية فسافر بياليك إلى برلين في العام 1921 و أنشأ دار النشر (دفير).
في العام 1923 تمكن من طباعة أربعة إصدارات من أعماله المجمعة في مجلد حقق مكاسب هائلة ماديا ً مكنته من شراء قطعة أرض في تل أبيب و أدبيا حيث أصبح الشاعر القومي للصهيونية.
ملامح شعر بياليك:
التناقض و الميل الجامح للانتقام ، و التوتر بين التدين و العلمانية كانت أبرز سمات شعر بياليك الذي تنوعت قصائده ما بين الشخصية و القومية و أغاني الأطفال مثل قصيدته الشهيرة (إلى الطائر)و كذلك النثر الذي اهتم به على نحو لافت منذ العام 1908، تناولت قصائد بياليك الأولى قضية الإيمان و مرارة المنفى بلغة شعرية تقليدية إلا أنها اختلفت إلى حد كبير عن أعمال أسلافه، كان لشعوره بالوحدة و فقدان الأمان و لهو الطفولة أكبر الأثر على قصائده التي تجاوزت رمزيتها حدود التجربة الروحية و التي أطلق عليها الناقد حيرشوم شوليم (نوستاليجيا الصوفي) و التي كانت المكون الأساسي للشعر الرومانسي في المائة عام السابقة ، حتى أن قصائد الحب لدي بياليك جاءت متذبذبة ما بين الحب العذري و الجسدي ،الخصومة بين الطبيعة و الروح ، نجد الطبيعة في شعره لم تقتصر على الريف الأوكراني و كذلك لم تقتصر على ما ورد في النصوص التوراتية إلا أن شكل البيوت و المنازل في شعره و نثره صورت ما كان يراه في طفولته الأوكرانية ، كما تميز شعر بياليك بالمباشرة و التصريح و كان هذا يعتبر غريبا ً لدى المتلقي لشعر بياليك من الإسرائيليين الذين عاصروه و كذلك اعتماده على لهجة (الإيدش) الألمانية تلك التي تكثر فيها الكلمات العبرية و نطق بها يهود الاتحاد السوفيتي و أوروبا الوسطى و تكتب بحروف عبرية ،بينما كانت لهجة السفرديم هي الشائعة في بداية الهجرة إلى فلسطين و المستعملة لدى الجالية اليهودية هناك ، مما أثار شجنا ً لدى بياليك لصعوبة تغني أطفال إسرائيل بقصائده فكتب قصيدتين بلهجة السفرديم و كتب معظم أشعاره فيما بعد بالعبرية بلهجتها الأشكنازية التي سادت لدى يهود شرق أوروبا.
كما اعتمد بياليك على استعمال التفعيلة المؤلفة من مقطع طويل يتبعه مقطع قصير و هو ما يطبق عليه تفعيلة (الترويشة)بينما كان الشعر العمبقي هو السائد وقتها و الذي يعتمد على استعمال بحر عروضي يتكون من مقطع قصير يتبعه مقطع طويل أو مقطع غير مشدد يتبعه مقطع مشدد النطق .
الانعزال و رفض الاندماج مع الشعوب الأخرى:
تميل الشخصية الصهيونية بطبيعتها إلى الانعزال و رفض الاندماج مع الشعوب الأخرى، حيث يرى الصهيوني في الاندماج تخلياً عن القومية اليهودية و الذوبان في أتون الحضارات الأخرى ، و يعتبروا عملهم في بلاد العالم عبودية ، حيث أنهم يعمروا حضارات الغير و يفقدوا قواهم في غير صالح مشروعهم المقدس و هذا ما أشار إليه بياليك في أكثر من قصيدة و هو القائل "الأدب و القومية هما ظاهرتين لا يمكن التفريق بينهما " و لعل أبرز قصائده في هذا المنحى كانت تلك التي كتبها عام 1905 (حقا إن هذا قصاص الرب):
حقا إن هذا قصاص الرب و سخطه العظيم
الذي تنكره قلوبهم
زرعتم دمعتكم المقدسة في كل المياه
و نظمتم من خيوط النور شعرا خادعا
و أفضتم روحكم على كل رخام أجنبي
وفي أحضان الأصنام و أغرقتم أنفسكم
و بينما لحمكم ينزف دما بين أسنان النهمين إليكم
و يرى أنهم في الشتات يكونوا الأضعف ، يدعوهم للتوحد فيما بينهم مذكرا إياهم بالمآسي التي حدثت لهم و تيههم الذي ذكر في التوراة و يظهر ذلك جليا ً في قصيدته (آخر موتي الصحراء):
قوموا أيها التائهون في الصحراء ، اخرجوا من البريةفمازال الطريق طويلا ، ومازالت الحرب طويلة .عليكم أن تتحركوا كثيرا ، و أن تتيهوا في الصحراء .فمازال الطريق أمامكم ممتدا و عريضا .سنتيه أربعين عاما فقط ، بين الجبال -و في الرمال دفنا ستمائة ألف من الجيف النتان .فلنتجاوز جيف المتخلفين .الذين ماتوا عبيدا - و لنتخط الشهداء!فليتعفنوا بخزيهم متمددين على ربطاتهم .التي حملوها على أكتافهم من مصر .
و يصف صورة اليهودي في الشتات و مدى وهنه و تعرضه للإيذاء و الاضطهاد في قصيدته (إلى قائد الرقص):
لا قميص، لا حذاء، لا لباس وغطاء
لم الضجة، لا يصير كثرة العطاء، كثرة الجمل
عرايا حفاة كالنسور تخف
ترتفع إلى أعلى، إلى أعلى، إلى أعلى
نطير في العاصفة، نعبر في الرياح
من فوق بحور المصائب والضائقات
بأحذية أو دون أحذية، أليس الكل سواء
هكذا أو هكذا فنهاية كل رقصة القبر
يبرر بياليك شأنه شأن شعراء الصهيونية سبب الحقد و الكراهية التي تملأ روح اليهودي بما تعرض له من أهوال و اضطهاد فهو على حد قوله :
لا يقيم صداقات فإرثه الألم
والقلب يضمر العواصف
والعاصفة دم
التناقض في شعر بياليك:-
تأثر يهود أوروبا بموجة العلمانية التي سادت أوروبا في أواخر القرن السابع عشر و التي دعت إلى التحرر من الدين التقليدي و اعتباره مسألة ضمير شخصي مما عرف بعدها بحركات التنوير ، و نادت بإعمال العقل في الحياة و هجر الكنائس و دور العبادة التقليدية ، بدأت حركة تثقيف عصرية بين اليهود ، كانت بدايتها في ألمانيا ،عبر عنها بما سمي « حركة التنوير اليهودية » أو « الهسكالاه » التي بهرت بياليك و كذلك أحدثت لديه نوعا من التشتت فهو صاحب الميل الفطري للعلم و الميل الوراثي للتدين! فيظهر في بعض قصائده عمق الدعوة إلى سبيل الله ، و العمل على التمسك بالتقاليد الأرثوذكسية كما في قصيدته (على قلبكم المهجور):
في خراب قلوبكم نقشت المزوزاه
لذا تتراقص الأرواح الشريرة وتغرد
وفرقة المهرجين، رجال البطالة والفراغ
هناك يقيمون الاحتفال ويحدثون الضوضاء
حيث يري بياليك أن اليهود حين تخلوا عن عبادة الله صارت قلوبهم فارغة علقوا عليها المزوزاه التي يعلقونها على أبواب منازل اعتقادا بأنها تطرد الأرواح الشريرة.
و في قصيدته (هبط المحلاق) يصور مدى تعبده و يأمر اليهود بالتمسك بعبادة الله:
وكانت لهذا الرجل علية صغيرةلها كوة صغيرةكانت ملاذ روحه، لم يكن فيها ملاكولم يتسلط عليها شيطانوللرجل صلاة واحدة، وكان عند الضيقيصعد إلى هناكيدخل الكوة يرتجف، يرتعديبتهل في هدوءوطالت الصلاة كطول أيام حياتهلكن ذا الجلاب الأعلى لم يردهامنحه ما لم يطلبه، والأمنيةالتي تمناها لم يعطه.الرجل حتى اليوم الأخير، لم ييأس من رحمتهوظلت روحه تنتظروقلبه يصلي، يصلي (لكنه) ماتفي منتصف الصلاة.
و يظهر وجه العملة الآخر في شخصية بياليك الذي يستنكر الانكباب على الكتب التوراتية القديمة و تشككه في جدواها بورقها الأصفر المتهالك و حبرها التلمودي المعتق و يظهر تمرده جليا ً على اليهودية التقليدية و من أشهر قصائده في هذا المجال (أمام دولاب الكتب) التي كتبها في العام 1910:
كانوا يعثرون على في ليالي الشتاء ، الليالي المتجهمة ،منكباً على كتاب قديم ، ممزق الصفحاتمع أحلام نفسي و مخاوفها صامداً .ترتعد أمامي على المائدة ،ذبالة بهت ضياؤها بعد نفاذ الزيت من السراجوفي أمعاء دولاب الكتب يجول فأر :وفي الكانون جذوة أخيرة من نار -و أنا متسمر في لحمي من فرط الفرعو أسناني تصطك من رهبة الموت .يا عجائز الكتب إنني أنظر فيك ولا أعرفكومن بين حروفك لمن تعد تنظر إلى أعماق نفسيالأعين اليقظة ، تلك الأعين الحزينة لشيوخ غابرينولم أعد أسمع هناك همس شفاهها
في مدينة الذبح :
في إبريل من العام 1903 ، عشية عيد الفصح المسيحي ، حدثت أعمال عنف ضد اليهود في مدينة كيشينيف الروسية حيث أشيع أن يهودي قتل خادمة مسيحية ، فقتل نحو 49 يهوديا ًو قد أشار رئيس الدولة الإسرائيلي موشية كتساب في خطابه بمناسبة مرور مائة عام على تلك الأحداث إلى أن ما حدث كان نتيجة شيوع قصة فرية الدم والتي أشار إلى أنها خرافة!
و تعد هذه الأحداث نقطة التحول الكبرى في تاريخ الصهيونية إذ بدأ تشكيل جماعات الدفاع الصهيونية في روسيا و الهجانا في فلسطين و تأسست لجنة تاريخية في أوديسا للتحقيق في الأحداث برئاسة المؤرخ (شمعون دوبنوب) و ضمت العديد من المثقفين الصهاينة مثل تولستوي و مكسيم جوركي و بياليك الذي كتب قصيدة (عن المذبحة) تفاعلا مع الموقف و التي استهلها بالصراخ و العويل و اتهام الله بعدم الدفاع عنهم :
أيتها السماء ، استجدي رحمة من أجلي
إذا كان الله فيك
فالطريق عبرك إلى الله لم أعرفه بعد
صلي من أجلي
لأجل قلبي الميت..
و يري بياليك مدى المأساة و ضعف اليهود ووهنهم و غضب الله عليهم لأنهم يعيشوا في أراضي غير يهودية و تركوا تنفيذ تعاليم الدين و العمل على تكوين وطن لليهود مما جعله ينتقم منهم :
أيها المنفذ .. هذه رقبتي اذبحني!اقطع رأسي كالكلبأنت يد الله و فأسهكل الأرض مشنقتيو نحن ، نحن القلة !دمائي –هي لعبة عادلة-اضرب الجمجمة و دم القتيلدماء الرضع و الكهول ستكسو ملابسكو لن تزول أبدا ً
كما يذكر فيها الانتقام اليهودي الذي سوف يغرق العالم كله بالدماء :
ملعون هو من يقول : انتقمإن انتقاما كهذا - هو ثأر لطفل صغيرلم يخلقه الشيطان بعديجعل الدم يغور إلى الأعماقو يشق طريقه إلى القيعان المظلمةو يأكل في الظلام و ينبش هناككل موجودات الأرض المتحللة
و في العام 1904 كتب بياليك قصيدة (في مدينة الذبح) حول المذبحة و مشاهد الموت هناك مما يعيدنا إلى ما أطلق عليه (أدب الشكوى) و الذي شاع بين شعراء اليهود في أوروبا حيث يستهل قصيدته بوصف مشاهد الموت :
اظهر و اذهب الآن إلى مدينة الذبحشق طريقك نحو فناءهابلمسة يدك و بأم عينكلاحظ فوق الشجر و فوق الصخر و فوق السياج على طين الجدارالدم المرشوش و الأدمغة الجافة للموتى ..و في مقطع آخر يقول :ماتوا كالكلابو في الصباح التالي بعد الليل الفظيعالابن الذي وجد حيا ًوجد جثة أبيه المقاوم على الأرض..
و يصل حقد بياليك إلى سب اليهود ووصفهم بالتخاذل و الكفر برب اليهود الذي تركهم للعذاب:
انظر إلى قلوبهم –النفاية الحقيرةحيث لا ينمو فيها الثأرو لم تخرج من شفاههم الشتائم البشعةو لا القسم الكافركلمهم ، أشعل الحماسة فيهمفليرفعوا قبضتهم ضدي و ليطلبوا رد إهانتهمرد إهانة كل الأجيال من البداية إلى النهايةو ليفجروا السماء و كرسي ملكوتي بقبضتهم .و قبل أن ينهي قصيدته يلجأ إلى التحريض:قم فاهرب إلى الصحراءو احمل معك إلى هناك كأس الأحزانو فرق هناك نفسك إلى عشرات القطعوقدم قلبك فداء للحنق بلا حول و لا قوةواذرف دمعتك الكبيرة هناك على قمم الصخورو أطلق صرختك المريرة التي ستضيع في العاصفة
وصل بياليك و زوجته إلى تل أبيب في مارس عام 1924حيث كانت فلسطين ترضخ تحت الحماية البريطانية، أقام في منزل بني فوق قطعة الأرض التي اشتراها ، شغل بياليك العديد من المناصب كان أهمها رئيس اتحاد الكتاب و حاز على تأييد شعبي واسع ، حيث كانت الجالية اليهودية بفلسطين تعتبره أحد الناطقين باسمها قبل إعلان قيام الدولة العبرية ،كما كان يعقد حلقة بحث فلسفية ثقافية أسبوعية في تل أبيب أطلق عليها (لقاء السبت)،سافر بياليك إلى فيينا عام 1934 لإجراء جراحة إلا أنه مات في 4 يوليو 1934 و دفن في تل أبيب ، و بعد ثلاثة سنوات من وفاته كشف النقاب عن وصيته بتحويل منزله إلى متحف لروح الثقافة العبرية ضم مخطوطاته و كتاب آخرين..
ملحوظة:
القصائد المترجمة عن العبرية الواردة في المقال ترجمها إلى العربية كل من :الكاتب السوري فؤاد أبو زريق ، د. رشاد الشامي ، عدنان عبد الرزاق الربيعي ، أما المنقولة عن الإنجليزية فقمت بترجمتها نقلا عن النص الإنجليزي للمترجم Ruth Nevo.
المصادر:-
1-د.رشاد الشامي- الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية- دار الهلال -ديسمبر/ كانون الأول 2002.
2-ممدوح الشيخ-نحو رؤية عربية جديدة للهولوكوست. النازية والصهيونية من التماثل إلى التعاون-خاص بالمركز الإعلامي الفلسطيني.
3-د.رشاد الشامي - حييم نحمان بياليك . حياته و اتجاهاته الأدبية ، أطروحة للماجستير في الأدب العبري الحديث ( غير منشورة).
4-د.رشاد الشامي - لمحات من الأدب العبري الحديث ، مع نماذج مترجمة ص 9 .
5- Ruth Nevo- the translator’s introduction to Chaim Nachman Bialik- Selected Poems, Jerusalem, Dvir Co, 1981.
مشاركة منتدى
7 كانون الثاني (يناير) 2015, 13:06, بقلم محمود محمد
الادب هو ترجمة الانفعلات اﻻنسانية للشاعر او القاص او
لناقد فالشاعر اليهودي بيالك يترجم الامه واحلامه بواسطة الكلمات الباكية كما انه يعكس لنا مقدار تعلقه باحﻻم بني اسرائيل الداعية الي تكون وطن قومي لليهود بشرعية الارث التوراتي المنفصم والمنعذل عن الشعوب اﻻخري
ان قصائد بيالك تحريضية وتوثيقية ﻻ ترتقي ان تكون انسانية ﻻن معظمها ناتجة عن رد احداث تاريخية ودينية في حياة اليهود الغابرين وان اﻻسلوب الذي استخدمه بيالك في
الكتابة ﻻ يحمل ابداع بﻻغي ادبي وانما كان مجرد سرد تاريخي من اجل صحوة بني اسرائيل
22 كانون الأول (ديسمبر) 2017, 11:09, بقلم د. نبيل طنوس
مساء الخير
أود هنا ومن أجل المصداقية تصحيح خطأ وقع في الدراسة أعلاه,
في السطر السادس كُتِبَ: "كتب بياليك النشيد الوطني لإسرائيل (الأمل) " وهذا خطأ، من كتب هذا النشيد هو نفتالي هيرتس إيمبر وكتبها في مدينة ياش الرومانية.
مع احترامي وتقديري للكاتبة
د. نبيل طنوس