حَسَّانُ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ
كَانَ هُنَاكَ رَجُلاً اسْمُه حَسّانُ ، عِنْدَهُ بُسْتَان ، فِيه مِنْ الْفَاكِهَةِ أشْكَالٌ و ألْوَانٌ ، و حَظِيرَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا دَجَاجٌ و حَمَامٌ ، و أرَانِبُ و دِيوكٌ ، تَعِيشُ في آمَانٍ .
لَكِنَّ ثَعْلَبَاً مَكّارَاً جَاءَ إلى الْبُسْتَانِ ، و بَنَى له جُحْرَاً بَيْنَ الأشْجَارِ ، و أخْفَاهُ عَنْ الْعُيونِ بِبَعضِ الأغْصَانِ ، و كَانَ الثَعْلَبُ يَخْرُجُ كُلَّ لَيْلَةٍ ، و يَأخُذُ دَجَاجَةً ، أو فَرْخَ حَمَامٍ .
***
و اغْتَاظَ حَسّانُ مِنْ الثَعْلَبِ المَكَّارِ ، و وَضَعَ لَه فَخْاً كَي يَصْطَادَه ، لَكِنَّ الثَعْلَبَ كَانَ ذَكِياً ، و لمَ يَنْخَدِعَ بِفَخٍ أو شَرَكٍ .
فَقَالَ حَسّانُ في نَفْسِه :
– هَذَا الثَعْلَبُ ذَكِيٌّ جِدْاً ، لا يَنْفَعُ مَعَه شَئ ، و لا بُدَّ أنْ أحَتَالَ عَلَيه .
ذَهَبَ حَسّانُ و أحَضَرَ قِدْرَاً كَبِيرَاً ، و سَدَّ بِه بَابَ الجُحْرِ ، و الثَعْلَبُ في الدَاخِلِ يَخَافُ الخُرُوجَ ، خَاصَةً أنَّ الرِيَاحَ كَاَنَتْ تَضْرِبَ في القِدْرِ ، فَتَخْرُجُ مِنْهُ أْصَواتٌ تُشْبِه نُبَاحَ الكَلْبِ :
– هَوْهَوْ .. هَوْهَوْ ..
و ظَلَّ الثَعْلَبُ في جُحْرِهِ يَرْتَعِدُ و يَخْشَى الخُرُوجَ حَتى لا يَفْتِكَ بِه الْكَلْبُ ، و اشْتَدَّ عَلَيه الجُوُعُ
و العَطَشُ ، و كَادَ أنْ يَمُوتَ ، و فَكّرَ مَاذَا يَفْعَلُ ؟
فَظَلَ يَحْفُرُ دَاخِلَ الجُحْرِ مِنْ الجِهَةِ الثَانِيةِ لِيَصْنَعَ بَابَاً آخَرَ ، يَنْجُو بِه مِنْ هَذِهِ الوَرْطَةِ .
و بَعْدَ ثَلاثَةِ أيْامٍ ، نَجَحَ ثَعْلُوبُ في الخُرُوجِ مِنْ البَابِ الجَدِيدِ ، و اكْتَشَفَ حِيلَةَ حَسّانِ ، و ابْتَسَمَ
و هَوُ يَقُولُ :
– سَنَرَى مَنْ الأذْكَى .
***
كَانَ الثَعْلَبُ يَخْرُجُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ البَابِ الآخَر للْجُحْرِ دُونَ أنْ يَدْرِي أحَدٌ ، و يَخْطِفُ دَجَاجَةً أو أرْنَبَاً
و يَعُودُ ثَانِيَةً لِجُحْرِهِ .
و لاحَظَ حَسّانُ اخْتِفَاءَ أعْدَادٍ مِنْ الطْيورِ و الدَوَاجِنِ كُلَّ لَيْلَةٍ ، و احْتَارَ في الأمْرِ ، لأنه اعْتَقَدَ أنَّ الثْعَلَبَ مَازَالَ مَحْبُوسَاً في جُحْرِهِ .
و اخْتَبَأ حَسّانُ وَرَاءَ إحْدَى الأشْجَارِ ، و رَاقَبَ الحَظِيرَةَ عِدةَ سَاعَاتٍ دُونَ أنْ يَلْمَحَه أحَدٌ ، حَتى رَأى الثَعْلَبَ يَخْرُجُ مِنْ البَابِ الخَلْفِي للْجُحْرِ ، و يَهْجِمُ عَلى الحَظِيرَةِ ، و يَأخُذُ مِنْهَا دَجَاجَةٌ سَمِينَةٌ ، ثُمَّ يَدْخُلُ مُسْرِعَاً ، و في فَمِه الصَيدُ الثَمِينُ .
***
تَمَالَكَ حَسّانُ نَفْسَه مِنْ الغَضَبِ ، و قَرَرَ أنْ يَنْتَقِمَ مِنَ الثْعَلَبِ المَكّارِ بِحِيلَةٍ ذَكِيةٍ ، حَتى يَتَخَلَّصَ مِنْ شَرْهِ و مَكْرِهِ للأبَدِ .
في الصَبَاحِ أخْرَجَ حَسّانُ كُلَّ الُطيورِ و الأرَانِبِ مِنْ الحَظِيرَةِ ، و تَرَكَ دِيكَاً وَاحِدَاً فَقَطْ ، و اخْتَبَأ خَلْفَ البَابِ .
و مَرَّ الوَقْتُ بَطِيئاً حَتى صَاحَ الدِيكُ :
– كُوكُو .. كُوكُو ..
و سَمِعَ الثَعْلَبُ صَوْتَه فَخَرَجَ مِنْ جُحْرِه مُسْرِعَاً ، و تَوَجْه إلى الحَظِيرَةِ كَي يَفْتَرِسَ الدِيكَ ، و مَا إنْ دَخَلَ مِنْ البَابِ حَتى أغْلَقَه حَسّانُ صَاحِبُ البُسْتَانِ بِسُرْعَةٍ ، و حَبَسَه في الحَظِيرَةِ .
أخَذَ الثَعْلَبُ يَدُورُ ، و يَقْفِزُ لأعَلَى ، و هَو يَزُومُ في غَيْظٍ ، مُحَاوِلاً الخُرُوجَ ، دُونَ جَدْوَى .
أمَّا حَسّانُ فَقَدْ ابْتَسَمَ ، و هُوَ يَقُولُ لِثَعْلُوبٍ :
هَذَا مَصِيرُكَ أيُّهَا الْشِرْيرُ .
***
عِنْدَمَا تَذْهَبُ إلي حَدِيقَةِ الحَيَوَانِ ، سَتَجِدُ هَذَا الثَعْلَبَ في قَفَصِه ، يَدُورُ و يَقْفِزُ ، و هَوَ يَزُومُ قَائِلاً :
– هَزَمَني حَسّانُ صَاحِبُ الُبْستَانِ !