الاثنين ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم

بين الكلاب

(1)
عَطشانُ أَقبِل يا أَخي
أَقبِل فَأُمُّكَ هاهُنا تَشتاقُنا
وَتَبيتُ في قَبرٍ مِنَ الحُزنِ الوَليدِ
عَلى سَريرِ الشَّوقِ، أَقبِل مُسرِعا
قَد غادَرَ الزَّمَنَ الشَّقاءْ
وَدَعِ المُنى يَمرَح كَطِفلٍ عابِثٍ
في لَيلَةٍ كادَ الصَّباحُ يَلوكُها
وَالكَوكَبُ السَّهرانُ يَرجوا وَصلَها
لا تُبطِئَنَّ فَإِنَّنا
الآن آن لَنا الوَفاءْ
(2)
قَلبٌ يُعاوِدُ نَبضَهُ مُتَرَنِّماً
مُستَلقِياً في حِجرِها
مُتَحَيِّراً بَينَ الحَقيقَةِ وَالمَزاعِمِ
لا يَمَلُّ سُؤالَهُ عَنها
وَعن يَومِ الرَّحيلِ
وَكيفَ راحَ وَكيفَ جاءْ
يَسلو عَن الماضي البَغيضِ بِضَمِّها
لَن يَبرَحَ الذِّكرى عَلى أَعتابِها
لَن يَستَطيبَ عِتابَها
فَرحانُ دَوماً يا أَخي
كَالطَّيرِ غادَرَها وَفاءْ
(3)
أَقبِل إِلَيَّ بِدِرهَمٍ
فَحَليبُ أُمِّكَ بيعَ
لَم تَرحَم بِأَعيُنِنا البَريئَةِ
ما رَأَتهُ مِنَ الذُّهولِ
كَأَنَّها صُبَّت مِنَ الإِسمَنتِ
لَمّا كَمَّمَت أَفواهَنا
حَتّى نَكُفَّ عَنِ الصُّراخِ
وَأَرضَعَتهُ الأَثرياءْ
وَتَقُولُ هَذا ما قَضاهُ اللهُ
أَن نَشقى لِنَطلُبَ عَيشَنا
أَو أَن نَبيعَ الذّاتَ في سُوقِ النِخاسَةِ
وَالرِّضى يَكسو وُجُهاً حُمِّلَت ثُقلَ العَناءْ
لا تُنكِرَنَّ على القَضاءْ
(4)
غَدَرَت بِكُلِّ حَنينِها
وَقَسَت عَلى فَلَذاتِها
راحَت مَشاعِرُ أُمِّنا
بَينَ الرِّياحِ فَويلَها
باعَت لَهُم أَقواتَنا
حَتّى وَباعَت نَفسَها تَباً لَها
سُحقاً وَسُحقاً أَلفَ سُحقٍ
يَومَ أَغضَبَتِ السَّماءْ
زَعَمَت بِأَنَّ العَيشَ مُرٌّ
وَارتَدَت حُجَجَ الغَلاءْ
(5)
لَمّا مَرِضتَ وَكُنتَ طِفلاً عاجِزاً
عَيناكَ تَختَزِنُ الحَنينَ لِتَختَزِلْ
مِنهُ المَحَبَّةَ كُنتَ تَبكي جازِعاً
حَتّى تَمَزَّقَ قَلبِيَ المَوؤدُ
في رَحِمِ الضَّنى
وَظَنَنتُ أَنَّ الأُمَّ تَرحَمُ طِفلَها
وَتُزيحُ أَثقالَ الهُمومِ
تَحولُ دُونَكَ والعَنا
أَمسَكتُ كَفَّكَ يائِساً مُستَجدِياً
قَلباً مِنَ الصُّوانِ حَتّى أَيقَنَت ما راعَنا
لَم تَطلُبِ الأُمُّ الطَّبيبَ
وَلَم تُناوِلكَ الدَّواءْ
(6)
فَسَرَقتُ مِن أَثدائِها
بَعضَ الحَليبِ أَبيعُهُ
مُتَواطِئاً وَمُسَلِّماً لِلأَثرياءْ
وَجَمَعتُ بَعضَ المالِ
حَتّى نَشتَري بَعضَ الدَّواءْ
فَمَتى سَتَبرا يا أَخي
وَمتى يَحينُ لَكَ الشِّفاءْ
حَتّى نُمَزِّقَ قَلبَ أُمِّ
مَزَّقَت فينا الإِباءْ
(7)
هَذا مُصابْ
قَد خانَتِ الأُمُّ الأُمومَةَ وَانتَشَت
في غَيِّها تَلهو وَتَمرَحُ وَارتَدَت
زِيَّ الذِّئابِ وَلا عِتابْ
وَاستَدبَرت أَبنائَها وَاستَقبَلَت
وَهماً يُحيطُ بِهِ الضَّبابْ
أَعَجِزتِ حَتّى أَن تَكوني
كَلبَةً بَينَ الكِلابْ
يا أُمُّ تَباً لِلَّذي باعَ الوَفاءْ
يا أُمُّ تَباً لِلَّذي كَسَرَ الإِباءْ
هَذا غَباءْ
فَلتَرحلي عَنَّا وَنَرحَلُ
لَن يَكونَ لَنا بَقاءْ
(8)
في ضَيعَةِ الحِرمانِ
سيجانٌ مِنَ الزَّيفِ الحَقودِ
عَلى مَشارِفِهِ الرِّياءْ
يا وَيحَ أُمٍ أَحرَقَت ثَوبَ الأُمومَةِ
وَارتَدت ثَوبَ الخيانَةِ عاقَرَت أَوهامَها
تَرَكَت بَنيها يُذبَحونَ وَطالَبَتهُم بالعَزاءْ
حَتّى الكِلابُ تُحارِبُ الدُّنيا
لِكَي تَحمي الجِراءْ
أَولا نَكونُ كَما الجِراءْ
الكَونُ يَمشي لِلأَمامِ
وَنَحنُ نَمشي لِلوَراءْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى