الخميس ٣٠ آذار (مارس) ٢٠١٧
بقلم أحمد الخميسي

الغنيمة

ما إن قبض على الغنيمة بيده حتى فر بها مندفعا إلي الأمام كالريح. تناهت إليه من الخلف أصوات الراكضين وراءه، يصرخون، يحاولون اللحاق به، يصيحون: "توقف. لا تخف. سنتكلم معك فقط. توقف".

انفلت من الشارع الواسع المزدحم إلي ميدان والحشود تتضاعف من خلفه، يسمع خطوها كالرعد في إذنيه، فيكاد قلبه أن يثب إلي حلقه. في عدوه السريع كان يلمح الفضول في أعين الواقفين بكسل على الأرصفة. واصل الجري بكل قوته. لا أمل إلا الفرار. تصبب العرق منه. أخذت أنفاسه تتقطع، لكن قبضته محكمة على الغنيمة، تستميت حفاظا عليها. ظل يعدو إلي أن خفتت الأصوات خلفه شيئا فشيئا، وتباعدت، ثم تلاشت. تلفت بعد فترة خلفه. لا أحد. لقد نجا. يمكنه الآن أن يستمتع بما سرقه، أن يجنى ثمار تعبه. رأى عن يساره حديقة فدخل وساقاه ترتعشان من التعب. ارتمى على أقرب أريكة. راح يلتقط أنفاسه مدة. لم يكن حوله أحد سوى عجوزين جالسين على أريكة بعيدة يغمغمان بحنان. عندما اطمأن إلي المكان فتح كفه حيث الغنيمة. أحنى رأسه ينظر إليها: دقيقتان كاملتان من الوقت، لم يمسسهما أحد، مغلقتان، له وحده، لن يشاركه فيهما أحد. يمكنه الآن أن يستمتع بالغنيمة. أخرج الثواني من الدقائق، ثانية بعد الأخرى وشرع يتأمل حياته والعالم بهدوء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى