جهلاءُ دهري لم يعوا التفسيرا |
وتوهّموا في شكّهم تبريرا |
وتجرّعوا سوءَ الشكوك كأنّهم |
في رملةٍ يتوجّسون غديرا |
وتمضْمضوا كالظامئين بمرتعٍ |
ماءَ المبازل مغسِلاً وعصيرا |
فإذا بهم ساروا لكلّ رذيلةٍ |
وتوسّدوا كاليائسين عسيرا |
عجباً لمقتنع بأنّ وجودنا |
من صدفةٍ جاءت به تحويرا |
إنْ كان هذا الخلق منبع صدفةٍ |
فالعدل أن ندنوا لها تكبيرا |
بل تستحقُ بأنْ نمجّد قدرها |
ولها نخرُّ مذلّةً وشكورا |
إنْ كان خلق الكائنات بصدفةٍ |
منْ أنشأ الأولى لها تسخيرا |
كم صدفة يحتاجُ خلق خليّة |
قد حيّرت في خلقها التفكيرا |
كيف الجمال وسحره قد أينعا |
من صدفةٍ لا تملك التقديرا |
ألعقلُ دوماً حين يبحرُ حوله |
لم يكتشفْ في الكائنات فطورا |
حاولتُ في نفسي تخيّل خالقي |
وحدودَ كونٍ رقعةً وعصورا |
وسألتُ نفسي والوساوس ديدني |
من كان من قبل الوجود ظهيرا |
هل جاءَ من عدم فيفنى بعده |
أو كان قبلاً أوّلاً وأخيرا |
فإذا بعقلي بل كياني كلّه |
كالطالبين من الدجى تنويرا |
وشعرت أنّي لم يعدْ في ذاكري |
إلّا شرودا فارغاً وقصورا |
وتصاغرت نفسي كأنّ بروحها |
بين الترائب لا تجيد زفيرا |
إنْ متّ يومي والشكوك وساوسي |
ماذا أحاورُ منكراً ونكيرا |
لا للشكوك وإنْ يوسوس جاهداً |
أبليسُ في قلبي دجى وشرورا |
من عاش أعمى في الحياة ونائماً |
يصحو على جرس الممات بصيرا |
لن يلبس الإلحادَ إلّا جاهلاً |
قد عاشَ في وهج الدليل ضريرا |
من قال إنّ الخلق فعل طبيعةٍ |
تبري العليلَ وتنشئ ألتأثيرا |
أين الطبيعة من صغائر ذرّة |
إنْ تنشطرْ تعلُ السماءَ سعيرا |
هل جاء من بيض الدجاجة ثعلبٌ |
أو يُعطنا رحم الغزال بعيرا |
هلّا سألت النفسَ كيف توازنت |
نسبُ الأناث مع الذكور دهورا |
هذي الطبيعة إنّما قد خُلّقت |
فيها الصفات تسايرُ التطويرا |
ألعلمُ يثلجُ في الصدور أدلّةً |
تعلو، وتبقى للعليم سفيرا |
ألعلمُ ينبئنا بصدق حقيقةٍ |
يحتاجُ خلق الكائنات قديرا |
رغم العلوم فلا تزال سلالة |
ترجو بصوت الملحدين زئيرا |
لكنّ صوتهمو نعيقُ بهائم |
ويجولُ فوق النائمين شخيرا |
ونظرتُ حولي لم أجدْ في عالمي |
إلّا جهولاً يهتدي وفقيرا |
فعرفتُ أنّك للوجود ضرورة |
ورأيتُ نورك في الوجود منيرا |
ورأيتُ رحمتك الوجودَ تصوغه |
ورأيتُ حلمك في النفوس مُجيرا |
ورأيتك المولى، بخلقك منصف |
ورأيتُ سترك للعباد مصيرا |
وقهرتَ دونك بالفناء وأنّهم |
منذ الولادة يحفرون قبورا |
ولقد عرفتك عند كلّ خليقةٍ |
فبها رأيتك مرشداً وأميرا |
وعرفتُ أنّك للخلائق عروة |
فالكلّ يجري مُحكماً وأسيرا |
ورأيت من حولي نعيمك رافداً |
للعالمين مودّةً ونشورا |
ورزقت دون مُسائلٍ أو طالبٍ |
ونشرت رزقكَ للوجود وفيرا |
وخلقت بالحرفين كلّ خليقةٍ |
من قبل أنْ كان الدّخان سديرا |
وغفرت إلّا الشرك لم تغفرْ له |
ووصفت نفسك للمسيء غفورا |
ووجدتُ حولي كلّ شيء ناطقاً |
قد خاب من عاش الدليل كفورا |
ما كان خلقك للوجود لحاجةٍ |
بل كان خلقك منّةً وطهورا |
وإذا رأيت فهل رأيت تفاوتاً |
في الكائنات وهل رأيت قصورا |
وإذا عزمت بأن تبرهن ناقصاً |
يرتدّ عزمك خاسئاً وحسيرا |
إنْ كنت في شكٍ وقلبك حائر |
فاسألْ لمعرفة الجواب خبيرا |
ينبيك أن الخلق قدرة خالق |
فاقَ الوجودَ مساحةً وحضورا |
من عاشَ يلحدُ والنعيم يحفّه |
نكرَ الجميل وقاحةً وفجورا |
ورحمت خلقك رغم سوء فعالهم |
وبعثت فيهم مرشداً وبشيرا |
فإذا همو سيف يجاهر نسله |
رسلَ السّماء ومن يقوم نذيرا |
من ذا أكون ومن أكون لأدّعي |
أنّ الزراعة لا تريد بذورا |
فلتشهد الأكوان أبقى مسلماً |
وموحداً، عرفَ الجليلَ فطورا |
وإذا مَررتُ على المعاصي ساهياً |
ستجيرني بمصيبةٍ تذكيرا |
فصبرتُ فيها وأرتجوتك راضياً |
فوجدتك الكافي بها ونصيرا |
تبّاً لقلبي إنْ دعوتك موجساً |
ألاّ تكون الى الضروع مجيرا |
سلّمتُ أمري للعزيز وإنّني |
بالغيب أؤمن واثقاً وقريرا |
أنت البقاء وما سواك بخالدٍ |
وعلوت خلقك قاهراً وكبيرا |
لن يستمرّ الكون في ميزانه |
إنْ كان يحوي للعزيز نظيرا |
ألنارُ مثوى المشركين ودارهم |
فبها أذيقوا خسّة وثبورا |
سبحان من خلقَ الوجودَ وما له |
ندّ ينازعه العُلا تدبيرا |
سبحان مَنْ جمُّ العطاء يزيده |
جوداً، فيغني عائلاً وفقيرا |
سبحانه عمّا تغلغل في النفو |
س من الشكوك تساؤلاً وغرورا |