اعترافي بالتحقيق!
كفكفت دمعي واتخذت مآقيَّ سراجاً، وانسكب من الأقداح ماءٌ أجاج!
فلقد بانت روحي عن جسدي، وجسمي مسجىً على مغتسل الحقيقة، والواقع!
فعلى خاصرة السماء أكتب توبتي، وعلى همس الندى أعلن رحيلي، وعلى أكف الدعاء أخط أعتذاري وأسفي.. فما أظنني سأصافح أيادي الطريق مرة أخرى!
ــ فأنا الذي لا تطأ رجلي أرضاً إلا لمال كيف أجنيه، أو لنجاح كيف أحلبه، أو لاتصال كيف أستغله (وأُجَيرُه)!
ــ أنا الذي كنت أفسر طيبتهم غباءاً، وكرمهم ضعفاً، وتواضعهم سذاجةً!
ــ أنا الذي ادعيت مُجمل الكرم؛ وكأن الشمس خلقت لأجلي!
ــ أنا الذي أنكرت معروف صديقي وقريبي، وأخذت أدس السم في العسل!
ــ أنا الذي احتضنته في عباب الورق، وقتلته في وضح النهار!
ــ أنا الذي طالت نظراتي حلاوة الحرام من المال، وداست خطواتي كرامة الحلال!
ــ أنا الذي جمعت حروف أشواك الحب في غربال الكراهية والأنانية!
ــ أنا الذي استصغرت كل كبير، وأكبرت كل حقير!
ــ أنا الذي استخففت بعقول الناس، وتنصلت من دون إحساسٍ!
ــ أنا الذي وضعت حروف "الأنا"، في مخرف الغرور والتكبر ومرض العظمة!
ــ أنا الذي قويت هذا وأضعفت ذاك؛ بجهل مني وقصر فهمي وإداركي!
ــ أنا الذي امتطيت حصير البسطاء، وسرقت لب أفكارهم لصالحي ومصالحي!
ــ أنا الذي جعلت الفقير من أهلي يلاحقني كملاحقة الفصيل لأمه!
ــ أنا الذي كسرت أغصان كل مبدع وأسكت فاه كل بارع، ومزقت أوراق كل فنان؛ لعتابي على من آلمني وأتعبني في بدايتي!
ــ أنا الذي سرقت فقراء أهلي، وجيراني.. وظنوا بي الخير لطول مسبحتي، وثفنات جبهتي، وألوان خواتمي!
ــ أنا الذي لا أنظر إلى أخي في إنسانيته، ولا إلى صديقي في شراكته، ولا إلى ديني ومعاملته؛ فتطايرت شهواتي لشهرته ومكانته!
ــ أنا الذي (حشيت) فيه بالصباح والمساء، وحينما أهداني حفنة مال، أو هدية، أو وليمة دسمة، أمتدحته هنا وهناك!
ــ أنا الذي زرع الكراهية عن يميني وعن شمالي لأظل الناصح الأمين بالتدليس وتدلي الكرامات!
ــ أنا الذي أقيّم الناس على قدر وجاهتهم ومالهم ونفوذهم.. وما دون ذلك أتجاهله في مقاعد ومآدب الأفراح والأتراح!
ــ أنا الذي تسلقت جدار غيري، وهدمت أعتاب جاري بالبهتان!
ــ أنا الذي من تمايلت حروف فكري على تراب الورق فلثمتها وشممتها بالترفع على الناس؛ وساعة ما تعثرت كونت منها "لا أعرفك"!
ــ أنا الذي ركبت حصاني، وأمتشقت حُسامي ومهندي، وسددت سهمي، وطعنت برمحي، وصلت وجلت لمآربي!
ــ أنا الذي أتقنت على أهلي وجماعتي.. بهاتف (أبو رنة) ليلاً، وضحكت عليهم مع خيوط شمس الضحى والظلام!
ــ أنا الذي خالفت ذاتي، ولم أوف بعهدي، وتنكرت لفعلي وقولي!
ــ أنا الذي اقترضت الفكر لإيصاله، فسرقته وأعلنت إستبداله!
ــ أنا الذي لففت حبال الكراهية على أعناقهم، وفتحت جلباب صدري لمدحهم!
ــ أنا الذي كنت "هاتف عملة"، لهذا وذاك، وأمتهنت التعالي بالنسيان لأجلهم!
ــ أنا الذي أتأخر عمّن دعاني لوليمة أو مناسبة كي أقيم الضجيج لحضوري وأشباه كرامتي!
ــ أنا الذي تتبعت بائع الذرة من مكان إلى مكان.. وكنت أعيره بجهله وفقره.. وحينما عظم شأنه امتدحته بالعظمة والتواضع والعصامية!
ــ أنا الذي ترنحت لإعجابي بذاتي.. وتناسيت بأنني ذاك الغبار المتطاير يوم أمس!
ــ أنا الذي مثلت الفهم و(الأستذة) على من هم دوني، متأرجحا فوق كثرة علمي واطلاعي وتأليفي!